المحتوى الرئيسى

محمد أبو عقيل يكتب: عن كراسينا الموسيقية | ساسة بوست

02/01 18:03

منذ 1 دقيقة، 1 فبراير,2017

مُنذ كنا صغارًا ونحن نُحب لَعَبِ لُعبة الكراسي الموسيقية المشهورة تلك، ومن منا لم يفعل؟ نشرع في اللعب بالاصطفاف حول عدد معين من الكراسي الخشبية مع تشغيل موسيقى في الخلفية تقع ألحانها على آذاننا كوقع ألحان الصناديق الموسيقية الأوروبية الجميلة تلك. مما يوحي لك بأن اللعُبة مصدرها غربي لا محالة، وهي بالطبع كما تعلم ككل اللُعب التي تأتينا منهم، صُنعت خصيصًا كـي تُدمرنا نحن أطفال العرب العباقرة، لا شك في ذلك!

تبدأ الموسيقى في التشغيل وكأنها أجراس إنذار لطائرة تحترق، ونبدأ نحن بدورنا بالانتشار حول الكراسي كأننا أفراد وحدات خاصة تستعد للهروب والنجاة بحياتها، مع التأهب والنظر بشغف لتلك الكراسي المتمثلة لنا في مقاعد النجاة الواقعة على تلك الطائرة اللعينة. صوت يصلنا من الخلف لسنا واثقين أهو صوت الكابتن أم صوت المُعلمة التي تنظم اللعبة، المُهم أنه يصيح هنالك من اللا شيء: استعدوا جميعًا وليحرص كل واحد منكم على إيجاد مقعد له عند توقف الموسيقى! وإلا صرت وحيدًا!

بالطبع صِرت تعرف الآن ماذا تُمثل الطائرة هُنا؟ إنها «الحياة»، وبالطبع أيقنت تمامًا ماذا تُمثل لنا باقي التشبيهات.

فمنذ نعومة أظافرنا ونحن حريصون تمام الحرص على ألا نظل وحيدين، وأن نجد لأنفسنا مكانًا على تلك الكراسي المتمثلة في دائرة الأصدقاء أو زملائنا سواء في الجامعة أم بين زملاء العمل. وكذلك الحال بالنسبة للجيران وفي الحفلات والمناسبات، حتى أعياد الميلاد إذا كنا نتذكرها بالطبع.

وكبرنا وكبُرت معنا لُعبة الكراسي الموسيقية تلك، تسري في دمائنا وسلوكنا، وكأننا قد ترعرعنا على التمسك بحبال الهشاشة النفسية لا نجرؤ على إفلاتها، مع أن الخلاص في ذلك!

فصرنا أطفالاً في أجساد كبار لا يهمنا إن كنا نعرف من يجلسون حولنا أم لا، لا يهم البتة إن كانت تلك الكراسي –الأماكن– تُعجبنا أم نمقُتُها، إن كانت تناسبنا أم لا، وبالطبع لا يُهم إن كنا نحبهم أم لا؟ المُهم هو ألا تظل أنت الشخص الوحيد بدون كُرسي وسط الجميع!

لكن هل تساءل أحُدنا يومًا إن كان سعيدًا وسط هذه المجموعة التي وُضع بينها؟ هل تساءلت يومًا إن كُنت سعيدًا على كرسيّك؟ بالطبع أنت لا تجرؤ على ذلك، أو أنك جرؤت لكنك جَبُنُت. مع ترجيح الاحتمال الأكثر شروعًا بين الأغلبية بيننا، ألا وهو أننا نسأل أنفسنا مرارًا وتكرارًا ولكننا نتهرب من الإجابة، نتهرب من الحقيقة.

حقيقة أننا لسنا سعداء البتةً، الكرسي الذي قاتلنا من أجله طوال رحلة الطائرة -الحياة- ما هو إلا سراب قد صنعناه لأنفسنا بأيدينا تلك، أو أن مَن صنعوه مَن هُم متلهفون عليه مِن حَوَلنا، تلك اللُعبة النفسية الطفولية المعروفة أنك دائمًا ما تريد الحصول على ما في أيدي الآخرين، أو على ما يريدون هُم الحصول عليه. أنت لست بحاجة إلى الكرسي لكي تعيش، وإن لم تحصل عليه فلن تموت، لست بحاجة أن تحصل لنفسك على مكان وسَطَهم، أنت لا تعرفهم أصلاً. ولا تعرف حتى إذا كنت تدعي عكس ذلك!

أنت لست بحاجة إلى كرسي البتة، بل إنك تريده فحسب؛ فمُعظما الآن قد حصل على واحد له كما جهِدنا منذ الصغر، لكن هل تساءلت يومًا؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل