المحتوى الرئيسى

محمود حمدون يكتب: الاحتكار والاحتقار  | ساسة بوست

02/01 17:27

منذ 1 دقيقة، 1 فبراير,2017

عندما تغيم الرؤية في أعين المسئولين وأصحاب القرار، وتتجلى أقصى طموحاتهم في حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تزيد من ثراء الصفوة، وتعمّق من معاناة الفقراء، فمن الطبيعي أن تتدهور العلاقة بين الدولة والمواطن، ويصبح كل في فلك يسبحون، فريق يرى الناس، وخاصة الفقراء بأعدادهم المتزايدة، عبئًا على سياسات الإصلاح الاقتصادي، وفريق ـوهم الغالبيةـ يقتاتون اليأس، والضجر .

أصبحت العلاقة بين الدولة والمواطن كالمنبت: لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، فشل في التخطيط، وفشل في إدارة منظومة الأسواق الداخلية، وفشل في التدخل الرسمي بسياسات حكومية؛ للحد من جموح الأسعار بدون داعٍ. الاحتكار أصبح سيد الموقف، والاحتقار هو كل ما يحصل عليه المواطن الفقير من ثمار التنمية.

صدر القانون رقم 3 لسنة 2005 بشأن حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية، ثم قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1316 لسنة 2005 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية. وكانت الغاية من القانون ولائحته التنفيذية، تصويب العوار القائم منذ عشرات السنين في بنية الأسواق، والتجارة الداخلية للسلع والخدمات بمصر، وتصحيحًا لشكل العلاقة بين التاجر والمستهلك النهائي، وبداية لوضع الاقتصاد على طريق رأسمالي صحيح، يقوم على منافسة كاملة، لا يتحكم فرد، سواء بائع أو مستهلك، أو مجموعة بذاتها، في أسعار أو كميات السلع، والخدمات المقدمة للجمهور .

المنافسة الكاملة تعني استبعاد سيطرة التجار ومقدمي الخدمات على السوق كليّة، والتدخل بقوة بإجراءات حكومية صارمة لتصويب الوضع، وفض الاحتكار بغرامات كبيرة تنتهي بإجراءات أشد عقابًا، كل هذا بغية حماية المستهلك الفرد «الطرف الضعيف في المعادلة».

احتكار السلعة أو الخدمة على أيدي البعض، سواء أفراد أو تجمعات «كارتل» يعني التحكم في الأسعار، المساهمة في ارتفاع مستويات التضخم بشكل جامح، خاصة في السلع والخدمات المُحتَكرة الاستراتيجية، التي تعمل بدورها على رفع أسعار باقي السلع المجاورة لها، والمرتبطة بها (انظر احتكار سعر حديد التسليح، وأثره في ارتفاع أسعار السلع الأخرى المرتبطة بصناعة البناء والتشييد، انظر أيضًا احتكار سعر السكر، وغيرها من السلع الأخرى).

الاحتكار يعني وبصورة عملية، ضعف الدولة وعجزها عن التدخل لضبط السوق، وحماية الفئات الضعيفة من أصحاب الدخول الثابتة، نهب ثروات الوطن لصالح فئات محددة من الناس تعمل بعيدًا عن الدولة، أو برعايتها سرًّا .

ومع أن قانون منع الممارسات الاحتكارية قد صدر في مصر منذ ما يزيد على السنوات العشر، إلا أن الارتفاعات المتزايدة في الأسعار دونما مبرر، خاصة السلع غير المستوردة، أو التي لم تتأثر بانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي .

لذا فالارتفاعات الجنونية والمستمرة في أسعار السلع والخدمات دون مبرر، أو داع، وبصورة لا تقارن بانخفاض قيمة العملة، كلها تعكس جشعًا كبيرًا لدى التجار «وهو سلوك طبيعي من جانبهم، فما يردع هؤلاء ليس معيارًا أخلاقيًّا أو وازعًا دينيًّا بقدر الخضوع لقوة القانون»، حتى أصبح المواطن الأعزل بدخله المادي الثابت والضعيف «على فرض وجوده»، في مواجهة غير متكافئة وغير عادلة مع تجمّعات من المحتكرين للسلع والخدمات، بدأ ذلك منذ اللحظة التي رأى فيها هؤلاء «التجّار» أن ثمة تراخيًا من الإدارة الحكومية، وتراجعًا وانحسارًا في دور الدولة للتدخل في ضبط السوق، كما أن هذه الارتفاعات التي تقسم ظهر المواطنين دليل حيّ على فشل إداري حكومي يُضاف إلى سلسلة كبيرة من الفشل في إدارة الدولة. في النهاية ينتظر الفقراء الوعد، ويتنادون فيما بينهم «إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟!».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل