المحتوى الرئيسى

عبد الخالق الركابي: بالرواية أرمم خراب العراق

02/01 14:33

وفي روايته "ليل بابا علي الحزين" -المرشحة ضمن القائمة الطويلة للبوكر- يطارد الروائي أشباح اللصوص الحقيقيين الملتبسين الذين يتقنعون وراء أكمات خفية، ويمارسون امتصاصهم لدماء الشعب، -كما يقول- موظفا التاريخ، ومشخصا الوضعيات الاجتماعية التي أوجدتها مرحلة ما بعد الحروب والحصار والدمار.

الجزيرة نت التقت الروائي العراقي وحاورته في تجربته الأدبية ورؤيته للأدب العراقي في ظل الأوضاع الجارية ببلاد الرافدين، وترشيح روايته الأخيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).

بدأت تجربتك الأدبية شاعرا، ثم كتبت القصة والرواية، ولك تكوين عميق في الفنون، أين تجد ذاتك في هذا التعدد؟ ولماذا؟

- من المؤكد أن الرواية هي اختياري الذي أجد فيه ذاتي، بدليل أنها تشكل همي الرئيس على امتداد عقود من الزمن، قدمت خلالها رواياتي التي اعتز بها، وأبرزها "سابع أيام الخلق" و"ليل علي بابا الحزين" و"أطراس الكلام" و"مقامات إسماعيل الذبيح" وغيرها، بيد أن ذلك لم يمنعني من العودة -خلال العامين المنصرمين- إلى الشعر، فكتبت العديد من القصائد التي نالت الكثير من الإطراء، وأنا الآن بصدد إصدارها في مطبوع ورقي.

اخترت لروايتك عنوانا فيه تناص مع قصة "بابا علي والأربعين حراميا"، أي علاقة تربط روايتك بهذه القصة؟ وما سر هذا العنوان؟

- جاء العنوان من تلك العبارة التي أخذت تجري على الألسن منذ التاسع من أبريل/نيسان 2003، وهي عبارة "علي بابا"، فقد دأب الأميركيون على إطلاقها على صغار اللصوص والمستغلين الذين يظهرون عادة في كل زمان ومكان تشيع فيهما الفوضى التي سببها الاحتلال.

في روايتي، هناك بحث عن اللصوص الحقيقيين لا أشباه اللصوص، هؤلاء الذين جاؤوا في أعقاب الدبابات الأميركية، ليحولوا بلادهم إلى سوق للنخاسة، منصرفين إلى مطامعهم الشخصية التافهة، متناسين لعنة التاريخ التي ستظل تطاردهم إلى الأبد، كأني بهم يتشبهون بأبي رغال حين أرشد أبرهة الحبشي إلى مكة، فبقي لبيت الله رب يحميه، في حين أمسى أبو رغال رمزا للخيانة.

أما التناص مع قصة "علي بابا والأربعين حراميا" فيبرز من خلال تقسيم الرواية إلى ثلاثة أقسام، هي "الخروج من المغارة" و"افتح يا سمسم" و"كلمات كهرمانه الأخيرة"، وبذلك تجري الأحداث المعاصرة على خلفية الحكاية القديمة بشكل غير مباشر.

تسعى في روايتك هذه إلى كتابة تاريخ العراق من جديد بطريقة تعيد صياغة العوالم وفق المتخيل، فهل تستطيع الرواية من خلال تجربتك كتابة تاريخ العالم بطريقة تستحيل على المؤرخين؟ وما المصادر التي اعتمدتها في استلهام معطياتك؟

- تبقى الوثائق المادة الرئيسية للمؤرخ في كتابة التاريخ، في حين قد يعمد الروائي أيضا إلى استثمار الوثائق دون أن تشكل مادته الرئيسية، فالمخيلة هي التي تصنع روايته أولا وأخيرا، فالقارئ غير مهيأ لقراءة رواية لا توفر له عنصر التشويق، فهي تبقى أبدا ثمرة المخيلة.

وقد اعتمدت في عدد من رواياتي على مصادر حرصت على ذكرها في ختامها، ومن المعروف أن هذا الأمر شائع في تاريخ الرواية العالمية، وأبرز مثلين يخطران لي الآن يتمثلان بتولستوي في روايته العظيمة "الحرب والسلام" التي اعتمد فيها -للإلمام بغزو نابليون لروسيا- على مكتبة كاملة ساعدته على تجسيد الأحداث كما وقعت إبان تلك الفترة، والنموذج الآخر المعاصر يتمثل بماركيز في روايته "الجنرال في متاهته".

في الرواية تفكير في الكتابة وشكل صياغة الخطاب فيها، هل يدخل هذا في إطار التجريب الروائي الواعي في إطار ما يسمى "الميتاروائي"، أم أنه توتر لحظة الكتابة نفسها الذي يعبر عن ارتجاج الرؤى وعسر التجربة؟

- عُرف عني منذ إنجاز روايتي "سابع أيام الخلق" وطباعتها في عام 1994 استثمار المنحى الإبداعي المعروف بالميتاروائي أي المزاوجة بين أحداث الرواية وتأمل الروائي في كيفية صنع روايته وصولا إلى إشراك القارئ في النص الروائي، هذا الدور الذي كان مهملا من قبل، ليتصدر الآن المشهد الروائي العالمي، وقد تابعت هذا المنحى في رواياتي اللاحقة.

تدخل الرواية عموما في إطار ما يسمى بالتخييل الذاتي أو السير ذاتي، فمتى ينتهي السيري في الرواية ليبدأ فعل التخييل؟ أو متى تنفصل تجربة الذات في الرواية عن تجربة التخييل؟

تقوم الرواية بانتقاد فعل الإرهاب والتطرف اللذين لا هوية لهما، لكن تناولك للإرهاب يختلف عن الصورة التي ورد بها في نصوص روائية عربية أخرى مثل الليبية وفاء البوعيسى في روايتها "فرسان السعال" والجزائرية أحلام مستغانمي في روايتها "الأسود يليق بك"، فهل هذا التميز يعود للخصوصية العراقية أم لطبيعة فهم الروائي للموضوع نفسه؟

- من البديهي أن يكون تناولي للإرهاب في الرواية مختلفا عن تجارب الروائيتين المذكورتين اختلاف العراق وما وقع فيه عن ليبيا والجزائر، كما يفترض بنا ألا ننسى أن لكل روائي أسلوبه الخاص به الذي يميزه عن زملائه الآخرين.

هناك بطبيعة الحال خصوصية التجربة العراقية، فالإرهاب جاء عقب الاحتلال الذي توج بدوره عقودا من الزمن اجتاحت فيها الفوضى البلاد بدءا بالحرب العراقية الإيرانية الطويلة صعودا إلى احتلال الكويت وفترة الحصار الرهيبة، ومن ثم الاحتلال، فمن البديهي إذاً أن تختلف الرواية المعنية بهذه الأمور عن الروايات الأخرى.

تسلط الرواية الضوء على فضاءات الحرب، وتصورها بدقة عالية، بل تتمثل معجما غنيا في هذا الصدد، كيف تسنى لك التعرف على هذا المعجم؟ وما الأسلوب الذي أثثت به عالم العرب؟

- لقد عاصرنا حروبا متعاقبة فترة طويلة،  فالحرب العراقية الإيرانية استمرت ثماني سنوات قاسية تخللها قصف المدن، واحتلال الكويت لم ينتهِ بتحطيم الجيش العراقي فحسب، بل أعقبه حصار بربري استمر ثلاث عشرة سنة رهيبة حتم خلالها على المواطن البسيط أن ينتزع لقمة خبزه له ولأسرته انتزاعا من عالم ساد فيه الجشع وكل قيم الانحطاط.

وهناك أيضا عمليات القصف الأميركية التي كانت تطال مدنا ومرافق دون سابق إنذار، فضلا عن حملات فرق مجلس الأمن في بحثهم المزعوم عن أسلحة الدمار الشامل. من هنا، جاء تأثيثي للرواية من معايشتي الطويلة لتلك الأجواء وتشرّب روحي بكل آلامها وأحزانها ومآسيها.

تصف الرواية عالما مهددا بالتلاشي في فوضى حرب مسعورة يشنها لصوص شرسون ضد حضارة العراق، فهل تحققت -عبر هذا المتن الروائي- رغبتك في حفظ هذا العالم المهدد بالفناء؟

- نعم، أصف في الرواية عالما مهددا بالتلاشي، وهذا أمر بات يقلقني كثيرا،  ففي حمى هذه الفوضى الدموية التي لا نهاية لها تبدو البلاد على شفا التمزق والتشتت والاحتراب الطائفي، فبات هاجسي أن أرمم في كتاباتي الروائية ما أعجز عن الحفاظ عليه في الواقع دون أن يقلقني مدى نجاحي أو إخفاقي في ذلك، ففي بلاد تقع في العالم الثالث -حيث الجهل والتعصب وتسلط القمع- يندر أن يعوّل الكاتب على نصه لإحداث تغيير ما، والتغيير الوحيد الذي قد يحققه يتمثل بتعرضه للقمع بل التصفية الجسدية أحيانا!  

تؤطر الرواية مرحلة تاريخية أُفرزت خلالها وضعيات سوسيو-سياسية جديدة، أهمها التناحر الطائفي والديني والإثني والسياسي، من منظورك -كروائي وكاتب- كيف تسهم الكتابة في خلق عالم متعايش بدل الدمار والفناء؟

- أنا لا أومن بالرواية الموعظة، فالمطلوب من الروائي أن يكون صادقا في طرح أفكاره وألا يؤدلج نصه لجهة ما على حساب أخرى، ولا سيما في وضع ملتبس مثل وضع العراق الذي بات نموذجا متفردا "للفوضى الخلاقة" التي تُوجت باحتراب داخلي، يكفيه أن يكون كذلك، ليكسب ثقة المتلقي الذي سيعود إليه الحكم، وبالنتيجة سيسهم النص في خلق عالم متعايش بشكل من الأشكال.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل