المحتوى الرئيسى

رائد عبيدة يكتب: ركام المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ببن الاختلال والاستبدال  | ساسة بوست

02/01 09:04

منذ 1 دقيقة، 1 فبراير,2017

ركام المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ببن الاختلال والاستبدال

«سنفاوضهم عشرين عامًا دون الوصول إلى نتائج».

قالها إسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، والأب الأيديولوجي والروحي لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، وقد صرح بذلك التصريح عند انطلاق أعمال مؤتمر مدريد في عام 1991. فهل يا ترى صدق الرجل في مقولته؟ أم أن أسلافه تعاملوا بروح النص فزادوا، وما زالوا كحال الكهنة والعرافين!

بدأ تسلسل المفاوضات بشكل علني منذ التسعينيات، إذ بدأت عملية التسوية الشاملة بناء على أساس القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام في مدريد أكتوبر من عام 1991، من خلال محادثات سياسية اعتبرت في ذلك الوقت تاريخية. وفي 13 سبتمبر من عام 1993، وقعت اتفاقية أوسلوا ليتبعها في4 مايو من عام 1994 اتفاق غزة أريحا أولًا، وفي 28 سبتمبر وقع اتفاق انتقال السلطة للمدن الفلسطينية، إلى عام 1998 في 23 من أكتوبر وقعت اتفاقية واي ريفر، وفي 4 من سبتمبر عام 1999 وقعت اتفاقية واي ريفر2، وشهد العام التالي في11عشر من يوليو من عام 2000 اجتماع في كامب ديفيد بين القيادة الفلسطينية والإسرائيلية برعاية أمريكية لم تسفر عن أي اتفاق في حينه. في17عشر من مايو من عام 2003، وقعت اتفاقية خارطة الطريق، وفي 27 من عام 2007، وقع اتفاق استئناف المفاوضات في مدينة أنابولس الأمريكية، ثم مرت السنوات حتى عام 2010 إذ أطلق الرئيس أوباما المفاوضات المباشرة، والتي فشلت فيما بعد! إلى أن جاء مؤتمر باريس للسلام من هذا العام 2017، بحلته الجديدة مكانًا وزمانًا!

إذًا نحن أمام سلسلة طويل من المفاوضات، والعجيب في الأمر أن النتيجة صفر على صعيد الحقوق الوطنية (القدس، اللاجئين، الدولة،…) والأعجب من ذلك استمرار هذا المسلسل الموسوم بالدراما الممزوجة بالتراجيديا والكوميديا أحيانًا أخرى! وهنا تتزاحم على الذاكرة العديد من الأسئلة، ومنها:

* ما الذي يجعل من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مسارًا عبثيًّا لم يحقق ما تم الاتفاق عليه، ولو في الحدود الدنيا!

* لماذا الإصرار من الجانب الفلسطيني على خيار المفاوضات ثم المفاوضات دون حتى إشعار آخر؟

للإجابة عن هذين السؤالين نستعرض العديد من المحددات الرئيسية التي تشير إلى خطورة الاختلال بشروط المفاوضات بين الفلسطينيين، والإسرائيليين، وانعكاساتها على المسار التفاوضي بين الجانبين.

المفاوضات خيار تستدعيه الحاجة في ظروف لها محددات خاصة:

الأولى: الاستجابة لخيار المفاوضات عندما تصبح الخيارات الأخرى مكلفة للطرفين دون تحقيق نتائج ترتجى، وهذا يقتضي تكافؤ الطرفين، إذ يصبح توازن القوى القرينة التي تجعل من العملية التفاوضية ذات معنى، وبغياب القرينة يصبح التفاوض عبثًا لا طائل منه.

الثانية: لا يخرج المسار التفاوضي عن كونه أحد الخيارات لحل الصراعات، وليس كل الخيارات، فتحييد أحد أدوات الصراع قبل استكمال المسار التفاوضي خطأ فادح، وفيه تجاوز لعناصر القوة في وقت الحاجة.

المفاوضات تقوم على أساس من التكافؤ والندية بين الطرفين

وهذا يشير بالضرورة إلى بديل المفاوضات -أي المقاومة-، وهناك موقف سلبي للغاية من هذا البديل، وفي أحسن الأحوال موقف ضبابي لا يرقى به لمستوى بديل مطروح بقوة، مع أن أي إستراتيجية تفاوضية ناجحة تتطلب هذا الأمر.

وجود الرغبة التفاوضية عند كلا الطرفين شرط لازم لتحقيق ما تم الاتفاق عليه، إلا أن الصورة مغايرة لدى الطرف الإسرائيلي الذي اعتبر المفاوضات فرصة لتحقيق أهدافه وغاياته، وما كان لهذا أن ينجح لو لم يسقط الطرف الفلسطيني شيئًا من القوة المطلوبة ليوازن بها قوة الطرف الإسرائيلي. لقد انعكس الخلل في ميزان القوة بين طرفي التفاوض على شكل خلل واضح في نتائج، ومخرجات العملية التفاوضية، وهو تعبير يكشف عن ارتباط النتائج بمقدماتها، والنهايات ببداياتها، فعدم الالتزام بالمواعيد المحددة، وإعادة التفاوض على ما تم التفاوض عليه أحد المؤشرات المهمة لاختلال مبدأ التوازن بين الطرفين، إذ أصبح التفاوض عمليه ذاتية؛ الهدف منها الاستمرار بعيدًا عن أي استحقاقات! أي إنها حالة تفتقر للقواعد السليمة التي تشكل الضامن للتوازن في مخرجات العملية التفاوضية.

المنطق العفوي اللحظي والانفعالي القائم على ردات الفعل يتناقض كليًّا مع التخطيط والإرادة الحرة الموجهة للفعل؛ فالتحولات السياسية وما يتبعها من استحقاقات لا يتم الهروب منها بالمفاوضات تفاديًا لمخرجاتها، بل لا بد أن تكون المفاوضات محكومة بقواعد سابقة، وأسس تنطلق منها تشكل الضامن لتحقيق التوازن في مخرجات العلمية التفاوضية.

يكتسب التفاوض أهميته من كونه خيارًا مطروحًا من جملة من البدائل المتاحة، فقوة الخيار التفاوضي تأتي من كونه بديلًا استثنائيًّا، ومع القدرة على استخدام الخيارات الأخرى يصبح خيار التفاوض ذا جدوى، وفرص نجاحه كبيرة جدًّا. وعليه كيف يمكن أن يكون الحال إذا أصبح الخيار التفاوضي هو الخيار الوحيد والأوحد! إن غياب البديل عن التفاوض، أو فقدان القدرة على التعاطي مع البديل يفقد التفاوض صفته كخيار ممكن في سياق جملة من البدائل، ويصبح أقرب لكونه هدفًا بذاته لا وسيلة لتحقيق أهداف محددة، عندها تكون العملية التفاوضية شكلًا بلا مضمون.

تقوم فكرة المفاوضات على جدلية مكتملة الأركان، فالإرادة الحرة والشروط والمقدمات تقود إلى نتائج تتماهى وروح تلك المقدمات والشروط، وما دامت المفاوضات المبنية على أسس سليمة تراعي الثابت الوطني، وتهتم بالمتغير، لكن ليس على حساب الثوابت، فإن النتائج تكون محمودة العواقب. بناء على ذلك يبرز سؤال مهم هنا، وهو ما الداعي لانتظار عقود من التفاوض كي ندرك أن ثمة كارثة ستتمخض عن المفاوضات الفاقدة لشروطها!

يلجأ المتقاتلون إلى التفاوض عند عدم القدرة على هزيمة أحدهما للآخر، وبعد الاقتناع به كآلية تبدو أكثر جدوى بالنسبة لفريقين من الناس لم يستطيعا أن يحققا حلًّا من خلال استخدام أدوات أخرى. فالتكافؤ في هذه الحالة يجعل من خيار التفاوض خيارًا منطقيًّا يحميه من التلاعب بمدخلاته، وهو ما يحقق نتائج متوازنة.

يقول إدوارد سعيد: إن أساس التفاوض الناجح مرده للتكافؤ في القوى بين طرفي التفاوض، فلا حوار جاد دون تكافؤ بينهما بحيث تتجلى معاني الندية بينهما، والمطلوب بطبيعة الحال حد مقبول من التكافؤ النسبي بين الفريقين، فليس شرطًا تساوي القوة بدقة، ولكن إلى الحد الذي تصبح فيع عملية التفاوض منطقية ومتوازنة وقابلة للنجاح.

استبدال قوى الاستعمار بقوى التحرر الوطني -الدخيل الغازي بالأصيل- عن طريق تحرير الأرض من المستعمر هو الحل المناسب لكل الحالات الاستعمارية غير الإحلالية، حيث يعبر عن هذا النهج (بالاستبدال) ولما كان الاحتلال الإسرائيلي احتلال إحلالي دفع ذلك، الطرف الفلسطيني المؤمن بالنهج التفاوضي، إلى تبني الحل التحويلي على اعتبار أن هذا هو المتاح عمليًّا وفق الظروف الراهنة، والذي يعني الرضوخ لمنطق الواقع القائم، فأصحاب هذه المدرسة يقبلون بوجود الاحتلال ضمن توليفة تتجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا باتجاه الحلول الوسط بدعوى أن موازين القوى لا تسمح بغير ذلك.

صحيح أن الاحتلال يستند على ظروف موضوعية دولية داعمة له بلا حدود، وقوة مادية يتمدد من خلالها كيفما شاء؛ إلا أن التعاطي مع قوة الاحتلال كمسلمات لا يمكن تجاوزها يعني ذلك انتهاء الصراع، وضياع معنى التدافع بين أمة تريد إلغاء وجود أمة أخرى، وبين أمة تدافع عن كينونتها.

الرؤية التفاوضية في أحد أوجهها

هناك فرق بين فهم الآخر وتفهّمه، وبين دراسة طبيعة سلوك الطرف الآخر لوضع استراتيجيات مواجهة لا باعتبار مصالحه واحتياجاته بقدر مصالحنا واحتياجاتنا، وإلا غدا الأمر وكأنه بين طرفين بينهما وشائج من القربى بحيث لا فرق كثيرًا في القسمة المتنازع عليها، وقد يصل الأمر من أجل إدامة العلاقة بينهما إلى حد التنازل عن كثير من القضايا المتنازع عليها؛ بحجة البرهنة على صفاء النية في جدية المشاركة لحل الخلافات فيما بينهما، وهذا ما تطرق إليه إدوارد سعيد في نقده للاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية عندما قال:

تجاوز المفاوض الفلسطيني لدراسة إسرائيل، واتخاذه موقفًا صلبًا وأكثر وضوحًا تجاه المفاوضين الإسرائيليين، وفهم ديناميكية سياساتها والتزاماتها الأيديولوجية، أدى ذلك للسير في نفق مظلم لا يهتدى فيه إلى طريق، إذ أشار إدوارد سعيد إلى أحد صور هذا التخبط عندما قال إنه حدث عام 1993 أن وجه رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين خمسين سؤالًا إلى الفلسطينيين حصلت كلها على أجوبة إيجابية، وقد استغرب رابين مثل هذه الأجوبة، وزادت غرابته عندما لم يتقدم الفلسطينيون بأسئلة موازية للإسرائيليين في محاولة لاكتشاف نواياهم تجاه عملية السلام!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل