المحتوى الرئيسى

الشرعية الفلسطينية المأزومة أمام الانتخابات

01/31 22:54

تذكرت المحكمة العليا الفلسطينية أن هناك شرعية يجب أن تحرص الأمم والدول والشعوب على إقامتها والإصرار على وجودها، وتجلى هذا التذكر في قرارها الخاص بتأجيل الانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين أول 2016 في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقالت المحكمة في قرارها إن التأجيل يستند إلى استثناء القدس من الانتخابات، وإلى عدم توفر شرعية إجرائية في قطاع غزة على اعتبار أن المشرفين على الانتخابات في غزة غير شرعيين ولا يستندون إلى شرعية منبعها سلطة رام الله. وقررت المحكمة متابعة القضية في القادم من الأيام.

لمست المحكمة الفلسطينية مشكلة كبيرة بقيت مواكبة للعمل الفلسطيني على مدار السنوات، وقد شكل الميثاق القومي الفلسطيني بداية مصدر شرعية وثم الميثاق الوطني بعد إلغاء الميثاق القومي. وقد كان المجلس الوطني الفلسطيني حارسا على الميثاق لأن الميثاق بات يشكل أسس الشرعية الفلسطينية، لكن المجلس الوطني الفلسطيني لم يكن على قدر أمانة الحراسة فانتهك الميثاق عام 1974 عندما صاغ النقاط العشرة والتي من ضمنها إقامة سلطة فلسطينية على أي مساحة من فلسطين يتم تحريرها.

انتقل المجلس من مرحلة التحرير لكامل التراب الفلسطيني إلى مرحلة إقامة سلطة فلسطينية. وقد قام رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بانتهاك قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة عندما زار الرئيس المصري في الإسماعيلية عام 1983، وفتح الباب أمام مصر التي وقعت اتفاقية كامب ديفيد للعودة إلى الجامعة العربية. لم يحاسب المجلس الوطني الفلسطيني رئيس المنظمة.

انتهك المجلس الوطني الفلسطيني الميثاق الوطني بصورة فاضحة في جلسته المنعقدة في الجزائر عام 1988 عندما قرر الاعتراف بالكيان الصهيوني وإعلان الاستقلال وفق قرار الأمم المتحدة رقم 181. الاعتراف بالكيان، وفق نصوص القانون الثوري الفلسطيني، عقوبته الإعدام رميا بالرصاص، والميثاق ينص برفض كل مقررات الأمم المتحدة الخاصة بالاعتداء على الحقوق الفلسطينية.

لم يطالب أحد بمحاكمة المجلس الوطني الفلسطيني أو التخلص منه، وارتكب رئيس منظمة التحرير مخالفة عظيمة للميثاق عام 1993 عندما وقع اتفاق أوسلو مع الصهاينة في واشنطن. اتفاق أوسلو مخالف لبنود الميثاق الوطني الفلسطيني، وكان على منظمة التحرير أن تعدل الميثاق أولا، لكنها فضلت الدوس عليه. وبدل أن يحاسب المجلس الوطني رئيس المنظمة، اجتمع عام 1996 ليلغي الميثاق الوطني، وقضى بذلك على أسس الشرعية الفلسطينية لتقوم أسس جديدة مستندة إلى اتفاق أوسلو.

اتفاق أوسلو غير شرعي لأنه يخالف الميثاق الذي كان معمولا به في حينه، وكان يتوجب على المنظمة أن تلغي الميثاق أو تعدله قبل أن يوقع أحد على اتفاق مع الصهاينة. وما بني على باطل فهو باطل. أي أن كل الإجراءات التي تم اتخاذها عقب اتفاق أوسلو على الساحة الفلسطينية غير شرعية. وأيضا يجب تفعيل القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ما زال معمولا به في المحاكم العسكرية الفلسطينية حتى الآن.

لقد تمت محاكمة بعض الضباط الفلسطينيين وفق هذا القانون بتهمة الهروب من غزة أمام حماس، وتمت محاكمة شاب من قوصين بتهمة سرقة سلاح وحكم عليه مدة خمسة وعشرين عاما سجنا. أما أباطرة أوسلو الذين ألحقوا أضرارا هائلة بالشعب الفلسطيني فلم يسألهم أحد غيري حتى الآن عن مسؤولياتهم في انتهاك القوانين الفلسطينية.

كان من المفروض أن تقوم المؤسسات القانونية الفلسطينية منذ زمن بعيد بتصويب المسار الفلسطيني، لكن للأسف حكمت الأبعاد السياسية سلوكيات العديد من المثقفين والأكاديميين والكتاب الفلسطينيين والمحامين والقانونيين على حساب الأبعاد القانونية والأخلاقية. كانت تتم جرائم بحق الشرعية الفلسطينية تتبعها جرائم صمت أهل القبور.

قبل الفلسطينيون قرار الاحتلال عام 1972 بإجراء انتخابات محلية. تمنّع الفلسطينيون بداية عن المشاركة لكن ضغوط الاحتلال بخاصة على أصحاب رؤوس الأموال أثمرت ووافقوا على إجراء الانتخابات. جاء الرفض بداية بسبب ما يمكن أن تضفيه الانتخابات من شرعية على الاحتلال. لا يجوز لمحتل أن ينظم انتخابات ديمقراطية وهو نقيض الديمقراطية. فضلا عن أن القبول بإجراءاته لتنظيم الحياة العامة وإشرافه عليها وحمايته لها يشكل اعترافا قويا بشرعية هذا الاحتلال.

لقد خاض المؤيدون لمنظمة التحرير الفلسطينية الانتخابات المحلية عام 1976 وفاز عدد منهم برئاسة المجالس البلدية مثل نابلس وقلقيلية وطولكرم والخليل وحلحول. وقبل الفلسطينيون بإجراء انتخابات للغرف التجارية عام 1992 تحت إشراف الاحتلال الصهيوني. ونظرا لذلك جرت العادة على إجراء انتخابات دون تفحص انعكاساتها السياسية والأخلاقية والوطنية والقانونية. لقد تورط الشعب بأعمال تلهيه بصورة كبيرة عن التركيز على الهم الوطني.

الأمر العظيم أن المؤسسات الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية تقبل بشرعية إشراف الاحتلال على الانتخابات لكنها لا تقبل بشرعية إشراف حركة حماس على الانتخابات في قطاع غزة. هذا سلوك مشين ويؤكد رؤيتي بأن العرب أشد خصاما فيما بينهم منهم ضد عدو خارجي.

لماذا تتذكر المحكمة العليا الفلسطينية الآن الانتخابات في القدس؟ لقد جرت عدة عمليات انتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تكن القدس مشمولة في الانتخابات، ولم يثر أحد مسألة الشرعية. لقد جرت الانتخابات وفق إرادة الاحتلال الصهيوني، وبعد موافقته على توفير الأمن يوم الانتخابات في الضفة والقطاع.

أما بالنسبة لغزة، فقرار المحكمة سليم بأنه لا يوجد شرعية في القطاع. لكن هذا صحيح أيضا في الضفة الغربية. الأرض المحتلة عام 1967 تفتقد الشرعية، ولا أحد شرعي في الضفة والقطاع.

عباس لا شرعية له لأن مأموريته انتهت عام 2009، والمجلس التشريعي الممنوع من الانعقاد غير شرعي أيضا لأن مدة صلاحيته انتهت عام 2010، ورئيس وزراء السلطة غير شرعي.. الخ. لا يوجد من بيده صلاحيات اتخاذ القرار في الضفة الغربية بما في ذلك قرار ترتيب مواعيد انتخابية، وكان من المفروض أن تقوم محكمة العدل العليا بطرد كل المسؤولين من مناصبهم ومحاكمتهم على انتهاكهم للقوانين الفلسطينية، والبحث عن طريقة لإقامة شرعية فلسطينية.

محكمة العدل العليا نفسها غير شرعية لأن قضاتها يتم تعيينهم من قبل رئيس السلطة الفلسطينية الذي لا شرعية له وهو مغتصب للسلطة ويمسك عنوة بزمامها رغم أنف الشعب الفلسطيني. رئيس السلطة الفلسطينية لا يملك حق التشريع أو حق تعيين قضاة لأنه من المعروف ووفق الأعراف الدولية أن قضاة المحكمة العليا يتم تعيينهم من قبل المجالس التشريعية. ورئيس السلطة غير الشرعي يمنع المجلس التشريعي الفلسطيني الذي لم يعد شرعيا من الانعقاد، وينصب نفسه مشرعا، ويجعل من قراراته الإدارية قوانين يلزم المحاكم بها. ولأن أغلب القضاة مسيرين سياسيا فإنهم لا يترددون في الاعتراف بقراراته الإدارية على أنها قوانين.

أما لجنة الانتخابات المركزية فغير شرعية أيضا، ومن المفروض أن يتم تعيينها من قبل المجلس التشريعي وذلك وفق توافق مختلف القوى على الساحة الفلسطينية. رئيس السلطة هو الذي يعين أعضاء هذه اللجنة، وهي ذات صبغة فتحاوية منذ أن تم تعيينها.

حيثما نظرت في الساحة الفلسطينية تصطدم بغياب الشرعية، ولا يحاول المتنفذون سد هذه الثغرة الخطيرة التي من شأنها تأجيج المشاعر وتوليد الكراهية والبغضاء بين الناس، والتسبب في الاقتتال الداخلي. والمجتمع الفلسطيني بالضفة وغزة يعاني من ثلاث أزمات خطيرة جدا وهي: أزمة الشرعية وأزمة الهوية وأزمة التوزيع. هذه أزمات كفيلة بتدمير أي مجتمع إذا تواجدت. إنها تنخر عظام المجتمع ونسيجه الاجتماعي ومقوماته الأخلاقية. ولهذا لا غرابة في تدهور المجتمع الفلسطيني وتدمير منظومته القيمية الوطنية. شعب فلسطين في كرب عظيم. لم يستطع الاحتلال تدمير البنية الفلسطينية على مدى السنوات، لكن السلطة الفلسطينية استطاعت ذلك بمهارة فائقة.

أصدرت محكمة العدل العليا مؤخرا قرارا بعدم شرعية الانتخابات في غزة لأن محاكم غزة غير شرعية، ولم تأت على ذكر القدس، وأقرت إجراءها في الضفة الغربية. هذا قرار سياسي لأنه لا يتطرق إلى عدم شرعية رئيس السلطة وما ينبثق عنه من تعيينات وقرارات إدارية. هناك عدم شرعية في غزة، لكن المؤسسة السياسية في الضفة غير شرعية أيضا. واضح أن قضاة محكمة العدل العليا لا يبحثون عن العدل، ويجب مساءلتهم بمجرد تغير الأحوال السياسية في الضفة الغربية. والساحة الفلسطينية إجمالا تعاني من عدم استقلال القضاء وتسييره سياسيا.

اعتقلتني السلطة الفلسطينية عام 2011 بسبب مقال كتبته انتقدت فيه رئيس جامعة النجاح الوطنية الذي أصبح رئيس وزراء السلطة فيما بعد لأنه لم يلتزم بقرار محكمة العدل العليا. قضت المحكمة عندئذ بعودة طلاب كانوا قد فصلوا من الجامعة إلى مقاعد الدراسة لحين البت النهائي بالقضية. لم يلتزم الدكتور رامي ورفض إعادة الطلاب إلى دراستهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل