المحتوى الرئيسى

المال الحرام.. كيف استغل التجار الحرب على الإرهاب؟

01/31 22:03

قاسية هى أجواء الحرب على المدنيين، فحتى وإن كانت العمليات العسكرية تقع فى أطراف بعيدة عن المدينة، إلا أن آثارها تظل تطاردهم وتنغص عليهم حياتهم، فلا يقتصر الأمر على الوقوف بالساعات فى الأكمنة الأمنية، بل يتخطاه إلى صعوبة وصول السلع والمنتجات الغذائية، ومن ثم ارتفاع أسعارها، مع ظهور فئة تظهر دائما مع «الحرب»، وهم التجار المستغلون.

«الدستور» أجرت معايشة حية لواقع الحياة فى مدينة «الشيخ زويد»، البالغ عدد سكانها 50 ألف نسمة، وتكشف فى هذا التحقيق عن استغلال بعض التجار للحالة الأمنية وظروف الحرب على الإرهاب فى سيناء، واحتكار السلع وزيادة أسعارها لأضعاف مضاعفة، فى ظل غياب رقابة وزارة التموين، وتبرز أيضًا، ردود التجار وتبريرهم للزيادات.

كيلو السكر بـ 20 جنيهًا والأرز بـ 18 والطماطم بـ 12

اتهم مواطنو مدينة الشيخ زويد، التجار، بالطمع واستغلال أزمة الإرهاب فى رفع أسعار السلع بشكل غير مبرر، فالشاب مروان الحمايدة، يؤكد: «بعض التجار يستغلون حال الحرب ضد الإرهاب فى سيناء لرفع أسعار المنتجات الغذائية أو الخضروات والفاكهة لزيادة المكسب، ويساعدهم على ذلك قلة المعروض واحتياج الأهالى لتلك السلع».

يضيف «الحمايدة»: «الوضع صعب فى المدينة، ويتم إيقاف دخول بعض السلع على كمين الريسة حين حدوث اشتباكات أو عمليات عسكرية.. نحن نعيش حالة حرب، فطبيعى أن يظهر الاستغلال».

عبدالمنعم محمد، موظف حكومى سيناوى، يتفق مع «الحمايدة» فى أن الاستغلال وطمع التجار من أسباب ارتفاع الأسعار، موضحا أن سعر كيلو الشاى 30 جنيها، كرتونة البيض 43، السجائر العادية 20، كيلو الدجاج 30، الطماطم الكيلو 10، بالإضافة إلى منع البضائع الأخرى من أدوات السباكة والكهرباء والأقمشة.

لم يختلف الأمر كثيرًا فى مدينة العريش، وتحديداً فى شارع 26 يوليو، الأزمة واحدة: شكاوى المواطنين من غلاء الأسعار، بينما يبرر التجار تلك الزيادات بالأوضاع الأمنية، باعتبارها تعيق حركة التجارة، مع تعرض التجار للخطر أثناء النقل من محافظة لأخرى، وصعوبة وتوقف إمداد الموزعين للمنتجات بسبب خطورة، وصعوبة حركة التنقل، وإلزامية الحصول على التصاريح من الجهات الأمنية، مما يضطرهم – أحيانًا - لشراء المنتجات والسلع بتكلفة عالية وبيعها للمستهلكين بسعر مُضاعف لضمان المكسب.

المواطنة سلوى محمود، من أهالى سيناء، طالبت بفرض عقوبات على المحتكرين من التُجار، تقول: «الأسعار ترتفع من حين لآخر تبعًا لحالات الطورائ، ومع نُدرة المنتجات الغذائية والسلع تزيد الأسعار، مثلًا كارت الشحن المحدد بـ12 جنيهًا ويباع بـ20، وفى بعض أوقات حظر التجوال يباع بـ40 جنيهًا، أما المنتجات الضرورية فتصل للضعف، فكيس السكر يباع بـ20 جنيهًا والأرز بـ18، وكذلك الخضروات، فالطماطم بـ12 جنيهًا، والخيار بـ10، ولابد من فرض الرقابة على المحال التجارية وفرض العقوبات على المخالفين».

اختفاء البنزين يزيد أوجاع المواطنين

فى المسافة الواقعة بين مناطق شرق العريش وحتى الشيخ زويد ومعبر رفح والتى تمتد لحوالى 50 كيلومترًا، تنتشر الكمائن العسكرية على امتداد الطريق، تحسبًا لدخول ممنوعات مثل السجائر المستوردة والترامادول لتهريبها وبيعها بأسعار باهظة للتجارة بها فى قطاع غزة عبر الأنفاق، ومنعا لدخول أسلحة لمد الإرهابيين بها، وذلك حسبما قال الناشط السيناوى حسين حافظ لـ«الدستور».

ويتابع: «من ضمن المنتجات والسلع والأشياء الممنوع دخولها «البنزين» وأدى ذلك لتعطيل عمل 4 محطات بنزين رئيسية فى المدينة، مما تسبب فى ارتفاع الأسعار بشكل كبير». يشرح «حافظ» معاناة الأهالى فى حالة انقطاع الكهرباء: «إذا حدث عُطل أو قطع لكابل الكهرباء الرئيسى والمُمتد من مدينة العريش عبر الصحراء لتغذية مدينتى الشيخ زويد ورفح بالكهرباء، يستمر انقطاع الكهرباء لـ4 أيام بعد الدورة الرسمية للتبليغات والإخطارات من محطة كهرباء الشيخ زويد لمحطة كهرباء العريش، لحين إيفاد مُهندس لتصليح العطل فى كابل الكهرباء».

ويضيف: «طوال تلك المدة يحاول بعض السكان إدخال الكهرباء لمنازلهم عبر مولدات تعمل بالبنزين المُتبقى من سياراتهم، وتلك المولدات لا سبيل للاستغناء عنها بسبب استخدامها فى استخراج المياه من الآبار الجوفية».. هذا هو حال مدينة الشيخ زويد الآمنة من الإرهاب، حسب تأكيد «حافظ» إذ يوضح أن العمليات العسكرية تقع فى الأطراف الصحراوية قبل انتقالها مؤخراً لمدينة العريش، أما عن مُعاناة المواطنين فى القُرى المُتطرفة من مدينة الشيخ زويد، فلخصها فى قوله: «يحصلون على كوب المياه بأعجوبة».

وعن معاناة التجار، يقول حسين حافظ، إنه يُمنع دخول أكثر من 10 أغطية «بطاطين» للتاجر الواحد خلال أسبوع، وكذلك يُمنع دخول أجهزة الكمبيوتر ومواد التسليح والبناء إلا عند التصريح لدخولها عبر الأمن وبنسبة 5% فقط.

تجار: غلاء إيجارات المحال وتكاليف النقل السبب

مثلما يشتكى المواطنون من ارتفاع الأسعار، التجار أيضًا لهم شكاواهم، فأحد التجار من سكان الشيخ زويد أغلق محله التُجارى، منذ خمس سنوات، بسبب الحرب على الإرهاب وصعوبة نقل البضائع داخل مدينة الشيخ زويد عبوراً بكمينى الريسة وجرادة، يقول: «أغلقت مصدر رزقى وأصبحت عاطلًا مثل عشرات الشباب الجالسين على المقاهى فى المدينة، الحياة صعبة، والتكافل الاجتماعى والأسرى هو من يجعلنا نتعايش فى هذه الأزمة، 80% من المحال التُجارية قد أُغلقت، وخاصة محال الأدوات المنزلية والملابس والأقمشة والمفروشات، وبسبب الحرب حدث نزوح شبابى إلى محافظات ومدن أخرى للعمل بالفيوم والشرقية والمنوفية، الموظفين البُسطاء بمرتباتهم الضعيفة هم عُلية القوم الآن، وينضم معهم العاملون فى قطاعات حكومية أخرى، مثل التعليم والصحة والكهرباء ومجلس المدينة».

تعليقاً على وضع مدينة الشيخ زويد والحرب على الإرهاب، يقول التاجر إن الشيخ زويد مدينة آمنة من الإرهاب بنسبة 100% الأمن يمنع دخول أى شخص غريب عن المنطقة دون السكان، وجميع العمليات العسكرية بعيدة عن المدينة فى أماكن متطرفة فى الصحراء، حيث تبعد آخر عملية استهدافية حدثت واستشهد فيها 5 من جنودنا البواسل فى الجيش المصرى - فى طريق منطقة الحسنة وسط شمال محافظة سيناء - حوالى 150 كيلو من مدينة الشيخ زويد.

يُضيف التاجر، الذى رفض نشر اسمه: البضائع تزيد 3 أضعاف أسعارها الأصلية بسبب تكاليف النقل والشحن، كما أن بعض التجار يحتكرون السلع لرفع أسعارها استغلالاً لحالة الحرب».

فى مدينة شرم الشيخ تُباع المُنتجات بأضعاف أثمانها توضح «س.ا»، صاحبة محل خضروات، سبب غلاء الأسعار بداية من غلاء أسعار إيجارات المحال كونها مُحافظة سياحية، مع غياب السُياح والزوار معظم أيام السنة، إذ يتم بيع المنتجات بأسعار مُضاعفة لتعويض الخسائر، بالرغم من ذلك فقد أوقف بعض التجار أنشطتهم بسبب الخسائر التى تعرضوا لها.

منسق «القبائل العربية»: لا رقابة.. والأسمر: التجار معذورون

يلقى نعيم جبر، منسق عام جمعية القبائل العربية، بالمسئولية، على وزارة التموين، قائلًا: هناك زيادة مبالغ فيها بجميع الأسعار واحتكار ومضاربة ولا توجد رقابة. تدافع أحلام الأسمر، عضو مجلس قومى المرأة سابقاً، ونائب رئيس إحدى الجمعيات الأهلية فى شمال سيناء، عن التجار، وتصف الحياة المعيشية بسيناء بـ«الوضع الصعب للغاية»، وتقول: «نواجه مشاكل عدة على أرض الواقع، فالدخول والخروج من سيناء أصبح أمرًا مستحيلًا، ولم يشعر بنا أحد أثناء القضاء على الإرهابيين والمسجلين الخطر، والآن يتم قتلنا معنويًا، لأننا نفقد مصدر أرزاقنا».

تتحدث «الأسمر» عن الوضع العام فى محافظة شمال سيناء: «منذ ٣ سنوات كانت سيناء ومحافظة دمياط من أوائل المحافظات فى الإنتاج والضخ للاقتصاد القومى، كان لدينا تجارة الأسماك والموالح، لكن الآن لا يوجد شىء».

تضيف الأسمر: «هناك صعوبة فى نقل البضائع، كما زادت الأسعار على الجميع فى كل محافظات مصر، ونحن نتعاطف مع التجار الذين يُغامرون بحياتهم من أجل إيصال السلع الغذائية لنا، ومن الطبيعى أن تزيد الأسعار نتيجة حالة الحرب وظروف التفتيش على الكمائن والانتظار لساعات طويلة لحين العبور وتلف البعض منها، فالتاجر يتجاوز كل المُعوقات من إيصال السلع الغذائية للمواطنين».

وحول «استغلال التاجر للظروف والسمسرة»، قالت: «لا أستطيع وصف ما يحدث بالسمسرة، لأن التاجر يفقد جزءًا كبيرًا من بضاعته أثناء النقل، بجانب غلاء الأسعار فى جميع أنحاء مصر، مع مجازفته لنقل بضاعته وسط التفجيرات التى قد تحدث وعودته مرة أخرى دون وصول البضاعة إلى مدينته»، مستدركة: «ماهو مبيشتغلش لله والوطن».

«الغرف التجارية»: ارتفاع الأسعار طبيعى.. «المهم يلاقوا السلع»

فى اجتماع سابق للغرفة التجارية فى شهر ديسمبر عام 2016، طالب عدد من تجار شمال سيناء، بتخفيف إجراءات التفتيش على البضائع لتيسير وصولها لجميع مدن المحافظة، فعدم سهولة سير السيارات وتوقفها لمدد طويلة يؤدى إلى زيادة سعر تكلفة النقل، مما يؤدى لارتفاع سعر السلعة، وهذا ينعكس على المستهلك بالسلب.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل