المحتوى الرئيسى

سيد عصمت يكتب: هل يمكن لدولة الظلم إقامة عدالة؟! | ساسة بوست

01/31 20:03

منذ 2 دقيقتين، 31 يناير,2017

هل يمكن لدولة الظلم إقامة عدالة وتحقيق الأمن والأمان لمجتمعها؟!

بداية يجب أن نضع المفاهيم والمعتقدات في مكانها الصحيح، خاصةً عندما نتحدث عن دولة وبناء أسس لها؛ فكثيرًا ما سمعنا جملة «دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة»، ومن هذا المنطلق وجب علينا أن نضع مفاهيم واضحة لتلك العبارة، وما معنى دولة الظلم ساعة، وما المقصود بأن دولة العدل إلى قيام الساعة، وهل تستند تلك العبارة إلى حجج واضحة المنهج والآليات.

مفهوم دولة الظلم.. ولماذا أشير إليها بتوقيت ساعة؟

في الآية الكريمة «وتلك الأيام نداولها بين الناس» تعطي تعريفًا واضحًا غير ملتبس لمعنى كلمة دولة، وهو التداول والزوال مهما طال بها الأمد، والبقاء للحي القيوم وحده، والظلم يعرف بأنه وضع الشيء في غير موضعه الصحيح، فبذلك يقع الظلم لأنه غير موضوع على أسس صحيحة وسليمة، وحتمًا سينهار هذا الشيء أيًّا كان، وإن كنا هنا نتحدث عن بناء الدولة؛ لذلك فدولة الظلم القائمة على غير مكانها الصحيح، ووفق آليات صحيحة كالبناء بلا أساس قوي، وحتمًا ستزول، ووقت استمرارها قليل مهما طال؛ لذا أشير إليها بالساعة لصغر وقت وجودها. والأمثلة كثيرة بالتاريخ، إلا أنه على سبيل المثال وليس الحصر، ووفقًا للتاريخ المعاصر لدينا نموذج واضح وهو دولة الاتحاد السوفيتي، والتي قامت على الشيوعية الاشتراكية، أو كما أطلق عليها الدولة البلشفية، قامت على أسس الظلم والقهر، فما لبثت أن سقطت رغم قوتها وذيع صيتها، والباحث عن آليات وسرعة سقوطها يقف متعجبًا أمام تلك العبارة: «دولة الظلم ساعة!» ومن خلال قوله تعالى: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»، وكذلك قوله وتعالى: «ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، نجد أن الله سبحانه وتعالى وضح لنا أن الظلم وفساد الحكام هو السبب الرئيسي لخراب الدولة وهلاك الأمم؛ ولا يمكن أن تقوم لها قائمة وحتمًا هي إلى زوال، وقد يستبدل الله القوم القابلين الصامتين عن الظلم بقوم غيرهم يقيمون العدل، ويهدمون قواعد الظلم والذل والاستعباد، وهي سنة الله في خلقه، والتاريخ يعج بالأمثال الدالة على ذلك.

مفهوم دولة العدل.. ولماذا أشير إليها بتوقيت إلى قيام ساعة؟

العدل هو إرساء قواعد الدولة على أسس متساوية واضحة، وقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم قائد ومعلم الأمة محمد صلى الله عليه وسلم في محكم آياته في قوله تعالى: «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». وفي قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا».

وهنا نجد أن الله سبحانه وتعالى كان واضحًا في محكم آياته، مخاطبًا الحكام أو المسؤولين عن الحقوق للناس بإقامة العدل قدر الإمكان، ووفقًا لما هو متاح لديهم من أسس تحقيق العدالة التي تتفق عليها المجتمعات من قوانين وآليات ومعايير، فحتمًا كلنا نتفهم أن تطبيق وتحقيق العدل المطلق أمر رباني لا يمكن لبشر تحقيقه، ولكن يسعى الحاكم العادل دائمًا للقرب من تحقيق العدالة والمساواة بين الناس لإقامة دولة العدل، وهنا ندلل فقط على واقعة من بين عشرات ومئات وآلاف المواقف.

عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس لهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن «أعذب» بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار، يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة، قالت: فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه .

وهنا نرى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في تحقيق العدل، وإرساء قواعد تحقيقها، مع الإشارة أنه نفسه صلى الله عليه وسلم، والذي كان لا ينطق عن الهوى، بشر يخطئ ويصيب، ويدعو الداعي لتحقيق العدل والعدالة تحري الحيطة من الوقوع في خطأ يجور فيه على حق غيره، ويتبوأ منه مقعدًا من النار.

هل المجتمع الرافض للظلم يدفع ثمن ذلك رغم رفضه؟!

الحقيقة نجد كم الظلم الواقع بمجتمعاتنا، وهناك كثيرون رافضون له، ولكنهم غير قادرين على مواجهته، ويتحملون معاناة عقاب الله للدولة الظالمة، كما جاء بمحكم آياته سبحانه وتعالى ووضح لنا عقوبة الظالمين والراضين عن الظلم ومؤيديه وداعميه والصامتين عنه، فيخبرنا سبحانه أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده:

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» إذًا الوبال والعقاب يصيب الجميع حتى الصابرين، ولكن وعدهم الله سبحانه وتعالى بصلوات عليهم ربانية ورحمة، ووصفهم بأنهم هم المهتدون.

هل يمكن للدولة الظالمة تحقيق الأمن والأمان؟!

طبعا الهزل كل الهزل الحديث عن دولة تحقق الأمن والأمان لمواطنيها، وهي ظالمة، ولا تقيم العدل بين المواطنين؛ لأن تحقيق الأمن مما جاءت به شريعة الإسلام، وهو من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، أن يأمن المسلم على دينه؛ فيعبد ربه آمنًا مطمئنًا، ويأمن على نفسه وماله وعرضه. وقد جعلَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الشُّعورَ بالأمن والأمان في المُجتمع أحد مُقوِّمات السعادة والقنَاعة؛ إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: «من أصبحَ منكم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنِه، عنده قُوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها». وإن أردتم جميعًا أن تعرفوا كيف تقام دولة العدل اقرأوا تاريخكم، تاريخ أجدادكم عمر بن الخطاب وفترة خلافته، وعمر بن عبد العزيز وفترة ولايته، وإدارتهما للدولة خلال فترات حكمهما؛ لتعرفوا كيف كان العدل يحقق الأمن والأمان بين البشر وسائر المخلوقات؛ فاستحق المجتمع أن يحيا في أمن وأمان ورغد وسعادة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل