المحتوى الرئيسى

الاستسلام والمقاومة.. قراءة في رواية

01/31 17:05

ذات مساء كانت الفتاة الفرنسية "إيزابيل" وأختها الكبرى "فيان" تتابعان بشغف أخبار الحرب العالمية الثانية من خلال الراديو؛ وإذا بصوت الجنرال الفرنسي العجوز "المارشال بيتان"؛ يعلن استسلام فرنسا أمام القوات الألمانية المحتلة.

صرخت "إيزابيل": لا.. لن نستسلم، هذا مستحيل.. لقد لطّخ الجنرال العجوز شرف فرنسا في التراب.

ردت عليها الأخت الكبرى "فيان": عزيزتي إيزابيل.. أنت لا تعرفين شيئاً عن الحرب، وبالطبع أنت لا تعرفين مصلحة فرنسا أكثر من الجنرال "بيتان" -أسد فرنسا- وصانع الملاحم العسكرية، أنت مجرد فتاة مغرورة.

بهذا المشهد السابق بدأت الكاتبة الأميركية "كريستين حنا" روايتها الرائعة (Nightingale; 2015) التي تحكي من خلالها قصة عائلة فرنسية صغيرة، خلال فترة الاحتلال الألماني النازي لفرنسا.

وتتكون عائلة "نايت أنجل" من أب وبنتين؛ "إيزابيل" و"فيان"، أما الأم فقد رحلت في ظروف غامضة.

ومن خلال هذه الأسرة الصغيرة، روت الكاتبة حكاية روحين سادتا فرنسا أثناء الاحتلال النازي: الأولى هي روح "الاستسلام" التي قادها "المرشال بيتان"، ومثَّلتها البنت الكبرى "فيان".

والثانية هي "روح المقاومة" التي قادها الجنرال "شارل ديغول"، ومثَّلتها الأخت المتمردة "إيزابيل".

أما الوالد فقد عاد لتوّه من الحرب مدمَّر النفس، ولم يلبث أن قرر الهروب إلى باريس، وترك الفتاتين لمصيرهما مع دخول قوات هتلر إلى قريتهم في الريف الفرنسي.

دخلت القوات الألمانية إلى القرية، وأعلنوا أنه يجب على الأهالي تسليم كل ما لديهم من متاع، لقوات الاحتلال.

وبينما كانت "فيان" تجهز الأمتعة لتسليمها للجنود الألمان، حسب التعليمات، كانت "إيزابيل" تدمر كل شيء لا تستطيع إخفاءه، فقد أخفت الراديو، وفصلت محرك السيارة عن مخزن الوقود حتى لا يستفيد منها الجنود الألمان.

ولقد أصيبت أختها بالرعب عندما علمت أنها أخفت الراديو، وبعض الأشياء الهامة، فصرخت في إيزابيل: "ماذا لو اكتشف الجنود أننا أخفينا شيئاً عنكم، أنت فتاة مجنونة، وأفعالك تعرضنا للخطر".

كانت القرية خالية من الرجال تقريباً، فقد ذهب الرجال إلى الحرب، بمن فيهم "أنطوان" زوج "فيان"، ولذلك كان كبار الجنود الألمان يختارون ما يشاءون من بيوت الفرنسيين للإقامة بها.

وفي الليل جاء كولونيل ألماني بأمتعته إلى بيت عائلة "نايت أنجل" وطرق الباب، وأخبر الفتاتين بأنه سيقيم بهذا البيت، وبينما رحبت به الأخت الكبرى "فيان"، فإن "إيزابيل" قد انفجرت في وجهه صارخة:

"إن هذا البيت ليس بيتك.. لا مرحباً بك.. أنت محتل لبيتنا بالقوة، كما احتلت جيوشكم فرنسا بالقوة". وعلى الفور سارعت "فيان" بالاعتذار قائلة:

"آسفة سيدي الكولونيل، هذه فتاة طائشة، لا تدري ما تقول".

نظر الكولونيل نظرة إعجاب إلى شعر إيزابيل الذهبي، وتبسم، ثم انصرف إلى غرفته..

وهنا أخذت "فيان" في عتاب "إيزابيل":

"أنت فتاة مجنونة.. أنت تكرهينني، إنك لا تحاولين الانتحار وحدك؛ بل أنت تحاولين إهلاكي، وإهلاك طفلتي الصغيرة معكِ".

ولم تمضِ الأمور بين الأختين على ما يرام، واضطرت "إيزابيل" إلى الهروب من القرية، فهي كما قالت لأختها:

"لا أستطيع الحياة مع هذا الوغد، تحت سقف واحد.. سأذهب إلى باريس"!

وقبل الذهاب إلى باريس كانت إيزابيل قد تعرّفت على مجموعة من مجموعات المقاومة الفرنسية السرية، التي يقودها الجنرال شارل ديغول، وبدأت في التعاون معهم بتوزيع المنشورات التي تحض على المقاومة.

وصلت "إيزابيل" إلى بيت والدها في باريس، الذي رفض استقبالها في البداية؛ لكنها أقنعته أنها لن تتدخل في حياته مطلقاً، إذا سمح أن تعيش معه، وقد كان الوالد يبدو منهمكاً في عزلته وشرابه، ويحاول دائماً أن لا تعلم ابنته أي شيء عن حياته وأعماله، ولم تمر إلا أيام قليلة على إقامتها في بيت والدها بباريس، حتى اكتشفت إيزابيل في مفاجأة مذهلة أن والدها يعمل مترجماً لدى قوات الاحتلال النازي.

لم تكن الكارثة بالنسبة للفتاة أنها اكتشفت أن والدها يعتبر (خائناً) للوطن فحسب؛ لكن المصيبة الأكبر أنه يعتبر خطراً شديداً عليها، وعلى مجموعة المقاومة السرية التي تعمل معها، فقد يشي بهم إلى قوات الاحتلال الألماني، والتي كانت تتعقب أي أثر للمقاومة الفرنسية.

لم يمر كثير من الوقت حتى تحققت مخاوف إيزابيل بطريقة ما، فقد أخبرت المقاومة الفرنسية أن عليها أن تغير اسمها فوار؛ لأن هناك معلومات تسربت للألمان عن شخصها، وأنها أصبحت مطلوبة لهم بالاسم. وقد شكّت "إيزابيل" في أن والدها له يد في ذلك، ولكنها لم تملك أي دليل لاتهامه؛ لتؤكد أن والدها متورط في ذلك؛ لأنه على يقين أن والدها لم يكن يعلم أي شيء عن أنشطتها السرية.

ذات يوم كانت إيزابيل تتجول في شوارع باريس، وعلمت من بعض المارة أن نيران الاحتلال الألماني قد أسقطت طائرة من طائرات قوات التحالف (التي تساند المقاومة الفرنسية)، وأن الطيار قد استطاع الهروب في منطقة مجاورة لمحل سكنها، واستطاعت إيزابيل الوصول إلى مكان الطيار الهارب، وقامت بأخذه إلى بيت والدها، وأخفته عن أعين قوات الاحتلال.

كان هذا الحادث نقطة تحول في عمل "إيزابيل" النضالي من أجل فرنسا؛ حيث تحولت إلى (مهربة طيارين) محترفة، وساعدت في تأمين وإخفاء العشرات من الطيارين الذين سقطت طائراتهم، وأعادتهم إلى قواعد قوات التحالف سالمين، وكان هذا العمل العظيم لهذه الفتاة الشابة يعتبر من أهم عوامل نجاح المقاومة الفرنسية، بحفاظها على حياة الطيارين الذين تسقط طائراتهم، فلا يخفى على أحد أهمية الطيارين في الحرب، خصوصاً مع قلة عددهم، وارتفاع تكلفة تدريبهم، وصعوبة استبدالهم.

في هذه الأثناء تعود الرواية إلى القرية؛ لتحكي لنا كيف سارت حياة الأخت الكبرى "إيفان"، وكيف أن "إيفان" المسكينة أصبحت مجرد خادمة للعسكري الألماني الذي احتل منزلها، فكانت تغسل له ملابسه، وتنظف له حجرته، وتطبخ له طعامه، وتلبي له رغباته الجنسية مكرهة، في مقابل أن يحضر لها ولطفلتها شيئاً من الطعام.

وتنتهي الرواية عندما يكتشف الألمان أمر الآنسة "إيزابيل" وتتم مداهمة شقتها والقبض عليها، ثم اقتيادها إلى أحد المعسكرات الألمانية للتحقيق معها.

وكانت المفاجأة الكبرى لإيزابيل بعد الاعتقال، هي ظهور والدها في التحقيقات، متهماً معها في نفس القضية، واكتشفت الفتاة الحقيقة، فالوالد كان بالفعل يعمل مترجماً لدى قوات الاحتلال، ولكنه كان يتجسس عليهم وينقل الأخبار إلى المقاومة الفرنسية، واكتشفت أيضا أن والدها كان يعلم منذ أول يوم أنها تعمل مع المقاومة، وأنه هو الذي منحها الاسم المستعار، بعد أن توافرت لديه معلومات بأن الاحتلال يبحث عنها.

وعلمت أيضاً إيزابيل من والدها أنه لم يتم القبض عليه، ولكنه هو الذي سلم نفسه للقوات الألمانية، بعد أن تم القبض على ابنته، وأمام المحققين قال والد إيزابيل للألمانيين، إنه هو المسؤول عن كل شيء، وإن ابنته بريئة ومغرر بها، وإنها لم تقُم بأي أعمال مهمة، وإنه هو العقل المدبر والمخطط لمعظم عمليات المقاومة حول باريس.

وكانت نتيجة اعترافات الوالد أنه تم تخفيف الحكم عن "إيزابيل"، وتم إعدام الأب أمامها رمياً بالرصاص.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل