المحتوى الرئيسى

«القاهرة» تبدأ مشروع إحياء التراث من «سوق السلاح» و«باب الوزير» | المصري اليوم

01/31 00:39

بدأت محافظة القاهرة مشروع إحياء وتطوير الأماكن التراثية بالعاصمة وفق خطة يتم خلالها تأهيل المناطق التاريخية وتنميتها وتحويلها إلى مناطق جذب سياحى لما تحويه من آثار إسلامية وقبطية من حقب زمنية مختلفة بالإضافة لتضمنها لسيرة شخصيات شهيرة وقصص وأحداث مهمة ومؤثرة فى تاريخ مصر الحديث والقديم.

مشروع الإحياء أو التطوير أو التأهيل يعمل حاليا فى 3 مناطق بالقاهرة التاريخية هى سوق السلاح وباب الوزير بالدرب الأحمر ومسار آل البيت بجنوب القاهرة والذى يبدأ من شارع الأشراف خلف جامع أحمد بن طولون وينتهى بمسجد السيدة نفيسة.

مشروع إحياء وتطوير الأماكن التراثية

«المصرى اليوم» قامت بجولة فى سوق السلاح وباب الوزير للتعرف عن قرب على أهمية تلك الأماكن وما تحويه من أسرار وروايات تؤكدها معالم لكنوز وآثار من فترات زمنية مختلفة موجودة بتلك الأماكن، إلا أن من هذه الكنوز والنوادر ما طالته يد العبث والإهمال، الأمر الذى يتطلب السرعة فى إنجاز المشروع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

كانت بداية الجولة من ميدان السلطان حسن الذى به مسجده ومسجد الرفاعى ومسجد المحمودى والذى تطل عليه قلعة محمد على والبسطة القديمة، حيث يأخذك هذا الميدان لشارع سوق السلاح وأول ما يلفت انتباهك عند دخولك الشارع تلك البوابة القابعة عند بدايته والتى تحمل اسم «منجك السلحدار»، والتى يرجع تاريخها إلى العصر المملوكى، حيث أنشأها الأمير سيف الدين منجك السلحدار عام 1347 ميلادية وكانت تعد فى العصور الأولى للشارع المدخل الرئيسى له، وتحتوى البوابة التى ما زالت تحتفظ برونقها التاريخى على الرغم من سنوات عمرها المديد، على بعض الرسومات لسيوف ودروع تكشف ما كان عليه الشارع قديما كموقع لإنتاج السلاح، نظرا لوجود العديد من ورش ومصانع الأسلحة على اختلاف أنواعها فيه، من رماح وسيوف ودروع، حيث كان الشارع يقدم خدماته التسليحية للقلعة أثناء حكم المماليك بمصر، ولكن بعد إنهاء هذه المرحلة، تحولت الورش الموجودة فى الشارع إلى محلات لتصنيع وإصلاح الأسلحة من مسدسات وبنادق، وفى الخمسينيات من القرن الماضى اختفت هذه المهنة أيضا شيئا فشيئا وتحولت أنشطة المحلات إلى مجالات وأنشطة تجارية وصناعية أخرى لا علاقة لها بنشأة الشارع كسوق للسلاح.

وخلف البوابة تشاهد من الجانبين بقايا «ربع المانسترلى»، والذى يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1645 ميلادية، حيث كان يخصص هذا المكان لإقامة الدارسين من الطلاب فى مدرسة الجاى اليوسفى أو مدرسة مسجد السايس الملاصقة للربع وكان الدور الأرضى مخصصا للمحلات والأدوار العلوية مخصصة لغرف المعيشة وكانت هذه الأدوار العلوية من هذا الربع تتكون من صالة كبيرة تتصل بالحجرة الأساسية التى تطل على شارع سوق السلاح والطرقة التى كانت بنهايتها يوجد بها السلم والحمامات والمطبخ للدور كله، ويقول زكريا السنى، صاحب مسبك لتسييح النحاس بالربع، إن هذه الأدوار العلوية اختفت تماما بعد زلال 1992، حيث أصبحت كلها أدوار أرضية فقط عبارة عن 11 محلا وورشة تابعة لوزارة الأوقاف بالإضافة لمسجد ومدرسة ألجاى اليوسفى أو مسجد السايس، والذى أنشأه الأمير سيف الدين ألجاى اليوسفى، كبير الأمراء، فى زمن الملك الأشرف شعبان 1373 لدراسة المذهبين الشافعى والحنبلى، كما أنشأ بداخله سبيلا للطلاب موجود بنيانه حتى الآن.

ويكشف المهندس عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، عن قيام المحافظة باستئجار مساحة ربع المانسترلى الشاسعة من وزارة الأوقاف كحق انتفاع لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد، بهدف إحياء المبنى على هيئته القديمة واستثماره كفندق سياحى 3 نجوم وسط هذه المنطقة الثرية ضمن مشروع التطوير، والإبقاء على المحلات الموجودة به مع تغيير أنشطتها إلى مجالات تتوافق مع النسق العام للمنطقة، مع إعادة بناء وترميم بعض البيوت ذات القيمة التاريخية مثل بيت الفنان محمد القصبجى، عازف العود والملحن الشهير.

وفى مواجهة مسجد الجاى اليوسفى أو السايس تشاهد موقعا أثريا شديد الروعة تكسوه الأتربة وتحيطه المخلفات هو سبيل مصطفى سنان على ناصية حارة الشماشرجى باشا، وهو سبيل من حجرتين وملحق به مصلى واختلف فى صاحب إنشائه بين محمد أغا والأمير مصطفى جلبى سنان باش زادة عام 1630، ويروى عباس شيبة، 80 سنة، من سكان حارة الشماشرجى، أن السبيل كان يستخدم كمصلى وبه بئر للشرب واستراحتان حتى عام 1960، مؤكدا أنه لطالما صلى واستراح بالسبيل فى أيام الزمن الجميل، بحسب وصفه، مشيرا إلى أنه كان به رسومات وأسطح خشبية مزركشة بألوان متسقة وزاهية وأنيقة وأوانٍ نحاسية إلا أن يد العبث والإهمال طالته وغيرت من معالمه حتى تم إغلاقه منذ أكثر من 57 عاما ولم أشاهده مفتوحا حتى الآن، ويلفت إلى أن سوق السلاح كانت تأتيه الأفواج السياحية لتضمنه العديد من المنشآت الأثرية سواء لفترة الفاطميين أو المماليك أو العلويين.

وعلى بعد خطوات فى نفس الاتجاه بسوق السلاح تشاهد حمام الأمير سيف الدين بشتاك الناصرى، الشهير بحمام بشتاك، والذى يعود تاريخ إنشائه إلى 1339ميلادية، ولم يتبق منه سوى الواجهة الأمامية، والأمير بشتاك الناصرى هو واحد من المماليك المفضلين لدى السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد اشتراه مقابل 6 آلاف درهم، وقام الأمير قوصون على تربيته، وشغل بشتاك الناصرى عدة مناصب فى بلاط السلطان الناصر، منها أمير شكا، والمسؤول عن الصيد الملكى وكاتب السر، كما كان يحظى باحترام كبير فى بلاط السلطان الناصر، ثم تزوج بشتاك الناصرى من ابنة السلطان الناصر، وكان معروفا بالبذخ الشديد، وبنى لنفسه قصرا فى شارع المعز، مشهورا بزخارفه وكثرة غرفه، وكانت نهايته عندما أرسله السلطان الناصر إلى الشام، للقبض على بكتمر والاستيلاء على أملاكه، وأسند إليه نيابة الشام، إلا أنه فى الشام حاول أن يـسقط المماليك الطموحين المتآمرين، من أمثال بكتمر وقوصون، ولكن قوصون أطلق الشائعات بأن بشتاك الناصرى حاول أن يفسد البلاد، واستطاع أن يقنع السلطان بالقبض عليه وإيداعه السجن بالإسكندرية، حيث قـتل بداخله فى عهد السلطان الأشرف كجك، ابن السلطان الناصر، وكان الأمير بشتاك الناصرى واحدا من أهم المماليك فى عهد السلطان الناصر.

ويذكر سعيد حجازى، 75 سنة، صاحب محل فاكهة فى مواجهة الحمام، إن الحمام كان يعمل حتى عام 2004، حيث كان يستخدم بالنهار وحتى الساعة الخامسة للسيدات، وبعد الساعة الخامسة مساء حتى الفجر للرجال وكان عليه إقبال شديد من المصريين والسياح الذين كانوا مصدر رواج تجارى بالمنطقة، مؤكدا أن الحمام مصنوع من الرخام أبلق الأبيض والأسود، ومكون من غرفتين الأولى مغطس، والثانية بها أحواض للاستحمام بالإضافة إلى فسقية للكبس، وأن وزارة الآثار قامت مؤخرا بإغلاق الحمام لأجل غير مسمى، وطالب الأهالى الحكومة بإعادة فتح الحمام مرة أخرى أمام الزوار، مؤكدين على أنه من أهم المعالم ذات الجذب السياحى بالمنطقة.

وعلى بعد خطوات فى مواجهة حمام بشتاك تجد سبيل «رقية دودو» الذى أنشئ كصدقة جارية على روح رقية دودو بنت بدوية شاهين بنت الأمير رضوان بك على 3 طوابق عام 1174، وتقع الواجهة الرئيسية له على شارع سوق السلاح، وكان يجسد قمة التطور الفنى لذلك العصر بما يضمه من مشغولات نحاسية وحوض مياه سبيل، إلى جانب أنه كان مدرسة لتحفيظ القرآن والأحاديث النبوية.

محمد على عواد، من أهالى المنطقة، يقول إن سبيل دودو شاهدناه بأعيننا مملوءا بالأوانى والشرف والفواصل والأسوار النحاسية المزركشة والمرسومة والتى اختفت من المكان تماما الآن، لافتا إلى أن هذا السبيل يعد من أكبر وأهم السبل بسوق السلاح، وأن الآثار تركته عرضة للعبث به واللهو فيه، وأن الجهات المعنية تحركت وقامت ببناء سور حديدى حول السبيل بعد العديد من شكاوى أهالى المنطقة الذين طالبوا بفتح تحقيق فى سرقة مقتنيات رقية دودو، مع إعادة ترميمه وبناء الأجزاء التى تهدمت منه.

وأثناء تفقدنا لمعالم المنطقة التقينا، ربيع محمد عبد الظاهر، مسؤول شركة المقاولات، التى أسندت له محافظة القاهرة بناء وتأهيل 15 عقارا بسوق السلاح وباب الوزير، مؤكدا على أن أهم ما تقوم الشركة ببنائه وترميمه، هو مسجد بن زادة الذى تم تأسيسه من أكثر من 700 سنة، ودرب السوايسة الذى يقيم فيه المهجرون من أهالى مدينة السويس أثناء نكسة 1967، وسبيل حسن أغا، وأقدم عقار بالقاهرة عمره أكثر من 500 سنة، كان صاحبه ومقيما به محمد القصبجى، ويلفت «عبد الظاهر» أنهم يواجهون صعوبات شديدة فى عملية التطوير والبناء بسبب قيامهم بالأعمال مع إقامة الأسر وأصحاب المحلات بالمكان، ورفضهم ترك مواقعهم لحين الانتهاء من أعمال التطوير تحسبا منهم لنزع أملاكهم وخوفهم من عدم قدرتهم للعودة مرة أخرى، لافتا إلى أنهم يخشون من انهيار أى من العقارات أثناء عملية الإصلاحات والذى قد يتسبب فى كارثة، خصوصا أن المنشآت قديمة جدا ومعظمها بها شروخ وأجزاء منهارة ومتهدمة.

ويأخذنا الحديث مع مسعد أحمد السيد، 63 سنة، مهندس على المعاش، ومقيم بدرب السوايسة، إلى فترة تاريخية تجسد مشاهد حية من آلام التهجير من مدن السويس والإسماعيلية وبورسعيد فى حرب 1967، وروايات مختلفة للعودة بعد ملحمة النصر فى حرب أكتوبر، حيث يحكى «السيد»، أسباب وجود السوايسة بسوق السلاح، وهو أنه بعد العدوان الإسرائيلى على مصر وخصوصا على المدن الثلاث السالفة ذكرها جاء إلى القاهرة وهو فى المرحلة الإعدادية مع أسرته المكونة من والده الذى كان يعمل بورش هيئة الإسعاف، ووالدته ربة المنزل، وأشقائه الخمسة المكونين من 3 بنات وولدين والذى يكبرهم، كانوا يعيشون فى منزل بمنطقة المثلث بمدينة السويس، وانتقلوا إلى القاهرة فى نوفمبر من عام النكسة بعد صدور أوامر بإخلاء المدن الثلاث من الأهالى بسبب قيام العدو الإسرائيلى بالضرب بالأسلحة البيولوجية والكيميائية، وأنهم حلوا ضيوفا داخل شقة كانت تقيم بها خالتهم فى منطقة الإمام الشافعى، وكان الزعيم جمال عبد الناصر قد أصدر قرارا بأحقية المهجرين من المدن الثلاث بالإقامة فى أى وحدات سكنية غير شاغرة فى أى مكان، وأن الأهالى قاموا باقتحام الوحدات السكنية المملوكة للدولة فى العديد من الأماكن وأقاموا بها، إلا أنهم نظرا لحداثة سنهم، ورفض والدهم ترك عمله بالسويس لم يستطيعوا الدخول فى هذا الماراثون، وظلوا ضيوفا على خالتهم، حتى جاءهم أحد أصدقاء والدهم بعد عام وعرض عليهم أن يقيموا فى مسكنه بدرب السوايسة نظرا لرغبته فى مغادرة القاهرة والانتقال للإقامة بالإسكندرية، وأن درب السوايسة هو عبارة عن عمارتين فى حرم مسجد بن زادة يقيم بهما حوالى 45 أسرة من المهجرية بالسويس، وذكر أن شباب المهجرين جميعهم تطوعوا فى الجيش حتى ملحمة النصر فى أكتوبر 1973، وأنه عقب انتهاء الحرب عادت الأسر بالطبول والأفراح إلى مدنهم، وأن والده طلب منهم البقاء فى القاهرة حتى انتهاء فترة الجامعة، وأن من ينهى دراسته الجامعية يعود إلى السويس، وأنه نظرا لكونه الشفيق الأكبر ظل مع أخوته حتى أنهوا جميعا دراستهم بالجامعة وغادروا إلى السويس، وكان هو قد التحق بالعمل فى إحدى الشركات بالقاهرة وتزوج وكون أسرة داخل مسكنهم بدرب السوايسة الذى ارتبط به ورفض مغادرته.

وعندما تغادر درب السوايسة وفى أواخر شارع سوق السلاح تجد أهالى حارة المبيض وأصحاب المحلات بمسجد الظاهر برقوق المقام على مساحة 186 مترا مربعا ويعود تاريخ إنشائه لعام 1284 يشكون من تهدم جدران المسجد الأثرى، مؤكدين أنهم فى انتظار كارثة محتملة بسبب تجاهل وزارة الآثار لشكواهم والعمل على ترميم الأجزاء المهدمة والمنهارة بالمسجد ذو الارتفاع الشاهق والمئذنة العالية، مؤكدين على أنه فى حالة انهيار المسجد سينهار معه العقارات المجاورة بسوق السلاح وحارة المبيض، ومطالبين بسرعة الاستجابة لمطلبهم بترميم المسجد.

وعندما تغادر شارع سوق السلاح وتتجه يمينا حيث شارع باب الوزير الملىء بالمبانى والتحف الأثرية خصوصا لعصور الفاطميين والمماليك والعلويين، حيث فى منتصفه الجامع الأزرق والذى شيده الأمير أق سنقر الناصرى عام 1346 ميلادية، والذى سمى بالأزرق بسبب لون القيشانى الذى أعد خصيصا له، وغير أن المسجد من التحف المعمارية النادرة فله قصة وهى أن الأمير سنقر عندا قرر بنائه قام ببناء ربع فى واجهته والمسمى بربع التبانة لإقامة المهندسين والمشرفين والعمال الذين قاموا ببناء المسجد بداخله، وأن الربع المكون من عمارتين اللذين يدرجان تحت رقمى 4 و5 وكل منهما به 4 طوابق، العقار رقم 4 لملكية الفنان الراحل محمد القصبجى، عازف العود، والملحن الشهير، والذى كان يقيم به حتى باعه فى أواخر عمره لمحمد سلامة النجار بمبلغ 100 جنيه، الأمر الذى يؤكده عمرو سعيد، الذى يقيم بالدور الأرضى بالعقار، لاقتا إلى أنه شاهد عقد بيع العقار من القصبجى للنجار، حيث يتم الآن تطوير وتأهيل الربع بعد وضعه ضمن العقارات التراثية بالقاهرة.

من جانبها، تقول الدكتورة ريهام عرام، مدير إدارة حماية التراث بمحافظة القاهرة، إن مشروع إحياء التراث الذى بدأته المحافظة فى حى وسط القاهرة والخليفة هو مشروع متكامل يقوم على المشاركة المجتمعية ويهدف إلى رفع كفاءة الأماكن التاريخية وزيادة الوعى لدى المواطنين، مؤكدة على أن الإدارة قامت ببناء مركز شباب بالخليفة وإنشاء عدد من المساحات الخضراء فى الدرب الأحمر معظمها كان يستخدم للقمامة، وأن هناك مبانى لها قيمة تقوم الإدارة بتوثيقها وتسجيلها للاستفادة منها.

وتكشف «عرام» أن هناك تعاونا مع البنك الأوروبى لدراسة عقارات منطقة وسط البلد، ودراسة استهلاك الطاقة، وأعداد السكان، بهدف إحياء مساكن وسط البلد وتسجيل أكبر عدد من الأماكن التراثية على قوائم اليونسكو، بهدف إقامة رحلات سياحية للمصريين والجاليات الأجنبية المقيمة بمصر، وتوجيه الدعوة للمصريين بالخارج لتنظيم رحلات لهذه الأماكن مع وضعها على أجندة السياحة الثقافية الأجنبية.

نرشح لك

Comments

عاجل