المحتوى الرئيسى

رداً على باسم يوسف: أين العدل الإلهى؟ | المصري اليوم

01/30 00:56

لكل منا شكوكه الخاصة، وأسئلته الحيرى التى لا يجد لها جوابا. لكن واجب الرحمة ألّا نصدرها لغيرنا، خصوصا عندما تخرج هذه الحيرة من شخصية بالغة التأثير بحجم د. باسم يوسف، الذى تساءل عن العدل الإلهى، وكان ذلك تعقيبا على مشاهدته فيلما يحكى المجازر التى حدثت فى إندونيسيا فى ستينيات القرن الماضى، حيث قُتل نحو مليون شخص بتهمة الشيوعية على أيدى عصابات، وكان من المؤلم أن أكابر مجرميها لم يلقوا الجزاء المُستحق!.

يتساءل د. باسم يوسف قائلا: «فين العدل هنا؟ فين الحكمة اللى مش شايفينها؟ وحتى لو بمعجزة الناس دى (أو اللى فاضل منها) اتعاقبت مثلا، طب ملايين الناس اللى اتقتلت وانحبست واغتصبت واتشردت فين مكافأة صبرهم وعذابهم؟، إنهم يشوفوا اللى قتل وعذب فى السجن يعنى؟، ده آخرة صبرهم على قتل أهلهم وبهدلتهم أو وعد إنه يتعذب فى حياة أخرى؟ فين العدل؟ فين المنطق؟ فين العدل الإلهى من كل ده؟ وقس على كده آلاف المجازر التانية». انتهى كلام د. باسم يوسف.

إنها شبهة الشر إذاً التى حيرت العالم قديماً وحديثاً. وعدّها العقاد فى كتابه المبهر «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» أول وأكبر شبهة ضد جميع الأديان عموما، وليس الإسلام وحده. وهى تقريبا الشبهة التى يدندن حولها كل اللا دينيين. والرد على هذه الشبهة غاية فى البساطة والوضوح، إنها آية واحدة، بل جزء من آية، كلنا قرأناها آلاف المرات، لكن لم نفهمها قط، ولو فهمناها حق فهمها ما تملكتنا تلك الحيرة.

والآية المقصودة هى: «إنى جاعل فى الأرض خليفة». وكلنا نعلم السياق عندما أخبر الله، جل جلاله، ملائكته بخلق آدم واختياره خليفة.

ما معنى أن يجعل الله فى أرضه خليفة؟ معناها ببساطة أن هذا إيذانٌ ببدء عالم الأسباب والمسببات دون تدخل إلهى ظاهر. يدفع الناس بعضهم البعض، فيتعاونوا ويتنافسوا، ويتراحموا ويستأثروا، ويعدلوا ويظلموا، ثم تنتهى حياتهم، ليبدأ الحساب فى الآخرة، وقتها يتحقق العدل الإلهى بكل معانيه (اليوم تُجزى كل نفس بما كسبت. لا ظلم اليوم)، فيرحم الله من يستحق الرحمة، ويعاقب من يستحق العقاب.

هكذا الأمور ببساطة. القرآن لم يعد قط فى أى لحظة بتحقق العدل الشامل فى الدنيا (وإلا ما فائدة يوم القيامة؟). القرآن نصّ بوضوح على قتل الأنبياء، وهم أكرم الخلق، وصرّح بأن الله سيبتلى الناس بنقص من الأموال والأنفس والثمرات. وفهم المسلمون الأوائل هذه الحقيقة فهما صحيحا، وحين أُشيع قتل النبى فى غزوة أحد لم يشكّوا فى صدق دعواه، وإنما تعاهدوا على أن يموتوا على ما مات عليه. ولقد قُتل أكابر الصحابة وآل البيت فلم يشكّوا فى أصل الإيمان! ولا تساءلوا عن العدل الإلهى، لأن المعادلة كانت واضحة فى أذهانهم: ظلم فى الدنيا وعدل فى الآخرة.

وهناك مئات الآيات فى القرآن تؤكد ذلك المعنى. ولذلك أقول بمنتهى الوضوح إن القرآن لم يتعهد بالعدل فى الدنيا قط، بل أعلن أن الله يملى للظالمين ليزدادوا إثما. فالمسألة واضحة ولا حيرة فيها. نعم، قد يفلت الظالمون بجرائمهم فى الدنيا، لكن لن يفلتوا أبدا بجرائمهم فى الآخرة. على ذلك نزل القرآن والأمر إليك: فلتؤمن أو لا تؤمن، أنت حر.

وأخيراً، أقول إن سبب الالتباس - فى رأيى - هو حماسة بعض الدعاة الذين أوهموا الناس - على غير علم - أن الظالم سينال جزاءه حتما فى الدنيا! فإذا شاهد الناس عكس ذلك قالوا: أين العدل الإلهى؟.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل