المحتوى الرئيسى

كل ما تحتاجون معرفته عن تداعيات قرار ترامب وأشكال المعارضة الأمريكية الجديدة

01/30 19:26

كأن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب هارب من إحدى روايات غابرييل غارسيا ماركيز.

في قراراته ما يشبه قرار المصوّر الفوتوغرافي في رواية "الحب في زمن الكوليرا" بالانتحار وهو في الثمانين من العمر لأنه "لا يريد أن يشيخ".

وفي تصريحاته ما يذكرنا بـ"رواية" الزعيم الليبي معمّر القذافي "القرية القرية.. الأرض الأرض.. وانتحار رائد الفضاء" الذي يشتكي فيها من الجموع التي يحاول أن يعطيها الكثير ويفجر لها الينابيع العذبة بعصا موسى التي وجدها في العراء، بينما هي تصر على المطالبة بصغائر الأشياء ولا تعرف سوى "المجاري والسمكرة والشبكات الضيّقة".

يشكو ترامب بدوره ظلم الجموع، هو يحاول أن يجعل "أمريكا عظيمة" مجدداً، بينما تصرّ الجموع على ردّ جميله بـ"الأخبار الكاذبة" إعلامياً، وبالتظاهر ضدّ قراراته المتسارعة التي ينشد من خلالها حماية بلاده من "الإرهاب". لهذا كان جواب ترامب بالتطبيق السريع لكل وعوده الانتخابية. متسلّحاً بنزق حاد وبمستشارين "مخلصين"، تسارعت قراراته بعد أقل من أسبوعين على تنصيبه.

ست قرارات تنفيذية أصدرها خلال الأسبوع الأول، كـ"ثورة" على الحقبة الأوبامية. آخرها كان قرار منع دخول مواطنين من سبع جنسيات (ليبيا/ سوريا/ العراق/ السودان/ الصومال/ اليمن/ إيران) إلى البلاد.

برّر ترامب القرار بحماية بلاده، فبدا كذاك المصوّر الصحافي الذي قرّر الانتحار في الثمانين خوفاً من الشيخوخة، محارباً "الإرهاب" القائم على الكراهيّة عبر تعزيز الكراهيّة.

توزعت ردود الفعل محلياً وعالمياً، وظهر عبرها أشكال جديدة من المعارضة خاصة بـ"عالم ما بعد ترامب"، سواء في الاعتراض الشعبي أو في التنسيق المؤسساتي أو في العلاقات السياسيّة. كما في سبل محاربة الإرهاب الفعلي التي تُتّهم أميركا بخلقه عبر سياساتها في العالم العربي.

ازدحمت المطارات الأميركية بقصص الواصلين إليها والعالقين فيها بعدما صدر القرار أثناء تواجدهم في الجوّ. غطّت الدموع على المشهد، نبيلة السوريّة انهارت في مطار دالاس من طريقة التعامل معها ومنعها من الوصول إلى زوجها الذي يبعد أمتار قليلة.

زوجان إيرانيان بكيا بحرقة بعدما وصلا لزيارة ابنتهما وزوجها وكانا متحمسان لرؤية حفيدتهما للمرة الأولى. آخر عراقي من حاملي "البطاقة الخضراء" منع من العودة إلى عمله وعائلته. وآخر عمل مترجماً لصالح القوات الأميركية لأكثر من عشر سنوات. قصص كثيرة أخرى عاشها ما بين مئة ومئتي شخص علقوا في المطارات وبقي مصيرهم مفتوحاً على المجهول.

إضافة إلى تعليقات أخرى شاركها من يشملهم القرار بينهم نائب بريطاني من أصل عراقي لديه أولاد يدرسون في الولايات المتحدة، ومخرج إيراني فائز بجائزة الأوسكار وعداء صومالي - بريطاني يعيش في الولايات المتحدة وغيرهم…

شارك غرد"هدية كبرى" يقدمها ترامب لـداعش... ما هي؟

شارك غردكل ما تحتاجون معرفته عن قرار ترامب، من رفضه ومن أيده، دور الإعلام ودور القضاء الأميركي وقصص المتضرّرين

وسط حفل الجنون هذا، برز اسم القاضية آن دونلي. سريعاً استعملت دونلي مطرقة القضاء، وسمح القرار الذي أصدرته بمنع ترحيل عدد ممن تواجدوا في المطار. خطوة القاضية، التي عطلت قرار ترامب جزئياً، أعادت إلى الواجهة دور المؤسسة القضائية في الولايات المتحدة وسلطتها في خلق توازن ضد سياسات ترامب، الذي خصها بتغريدة تنتقد الاستخفاف بمعايير حماية الحدود.

وكانت دونلي قد انتظرت عاماً كاملاً قبل أن يتمكن أوباما من حلّ النزاع داخل مجلس الشيوخ لفرض خياره في إيصالها إلى المحكمة في نيويورك. وقد سلط تحرّكها الأخير الضوء على منصب الرئاسة الشاغر في المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائيّة)، والذي سيبدأ النزاع عليه مطلع فبراير الحالي، بعدما توفي القاضي الذي يشغل المنصب. وكان هذا التعيين مثار نزاع بين أوباما والجمهوريين، بينما يُنظر للإسم الذي سيقترحه ترامب كاستكمال لأيام حكمه الأولى المليئة بالزخم والتطرّف.

كما بدأ أول يوم من عهد ترامب بتظاهرات في الشوارع الأميركيّة تنديداً، وتابع بتظاهرات ضخمة عرفت بـ"مسيرة النساء" عبر عدد من عواصم العالم، تجمّع عدد كبير من المتظاهرين في المطارات لدعم المتضررين، وكان بينهم ناشطون حقوقيون ومحامون عملوا بجهد لمحاولة احتواء التداعيات ومساعدة العالقين.

ردود الفعل الشعبية التي بدأت ترافق عهد ترامب، رسمت شكلاً جديداً للشارع الأميركي آخذٌ في التبلور في وجه تفرّد ترامب بالسلطة كديكتاتور وصل بانقلاب على أوباما وليس عبر صناديق الاقتراع. هكذا بدأ يرتسم شكل المعارضة الأمريكية، التي جمعت سياسيين وأناس عاديين في وجه "تدمير القيم الأميركية"، ضد "العائلة المالكة".

بين هؤلاء برز دور الاتحاد الأميركي للحريات المدنية الذي نجح في تأمين الإقامة المؤقتة لعدد من المحتجزين في المطار، بينما حمل المحتجون لافتات ذكرت ترامب بأن زوجته ميلانيا من المهاجرين، وبأن الولايات المتحدة قامت أساساً على المهاجرين. وصفوا قرارات الرئيس بالفاشيّة، وافترش كثر منهم الأرض. ودعا بعضهم لتظاهرة في مدينة نيويورك أمام مطار جون كينيدي شارك فيها أعضاء في الكونغرس عن الحزب الديموقراطي، ونزل مئات أمام مطاري سان فرانسيسكو وشيكاغو ضد السياسات العنصرية التي شبهوها بسياسات هتلر النازية.

ونالت ابنة ترامب، إيفانكا، حصتها من الهجوم بعدما شاركت صورتها مع زوجها في حفل عشاء وهي ترتدي فستاناً تفوق قيمته الـ5000 دولار، فيما كان العالقون في المطار يصارعون للعودة إلى حياتهم الطبيعية. ولُقبت إيفانكا بـ"الملكة أنطوانيت" في تذكير بمقولة "أعطوهم الكعك إذا جاعوا".

في المقابل، رحب مؤيدون لترامب بالقرارات التي رأوا فيها أنها ضمانة في وجه الإرهاب.

منذ البداية، يعي ترامب أهمية التواصل مع قاعدة تتلقف كل ما يريد قوله، لكنه رأى في تويتر منصة لهذا التواصل بعيداً عن "تحريف" وسائل الإعلام التقليدية. في العلاقة مع الإعلام أراد ترامب كذلك التطهّر من التركة الأوبامية. الأخير طالب الصحافيين بالجرأة وعدم المهادنة، بينما هو الآتي من عالم تلفزيون الواقع لم يوفّر فرصة للتجريح بصحافي وللتهجّم على وسيلة.

شكلت أزمة المنع باباً إضافياً يوضح العلاقة التي يودّها ترامب مع كل من يخالفه. بعد تغطية "نيويورك تايمز" للأزمة وإضاءتها على العديد من الثغرات في قراره، اشتعل الخلاف - الذي كان قد بدأ أساساً بعد فوزه - مع الصحيفة العريقة.

هي قالت إن ترامب اختار بلداناً دون أخرى للائحته، بينما تظهر الوقائع أن ثمة منابع أخرى للإرهاب لم يلحظها ترامب لأن بينه وبينها مصالح. من بين هذه الدول علّق كثر على استبعاد السعودية وتركيا من اللائحة، إن كان ترامب حريص فعلاً على "منع سكان الدول التي تصدّر الإرهاب من دخول بلاده".

ردّ ترامب على "نيويورك تايمز" قائلاً بأن "الأوان حان لكي يشتري أحدهم الصحيفة فيغلقها بكرامة أو يديرها بشكل صحيح". ولم يوفر كذلك صحيفة "واشنطن بوست" التي اتهمها بالتحريف.

Thr coverage about me in the @nytimes and the @washingtonpost gas been so false and angry that the times actually apologized to its.....

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 28, 2017

هذه العلاقة المستجدة بين الإعلام والإدارة الأميركية، قلبت الأوراق وجعلت الصحف التقليدية تتحرك خارج النمط السائد القائم تاريخياً على علاقات جيدة مع "السيستم". وهذا ما رأى فيه متابعون كثر خدمة يسديها ترامب للإعلام كي يبحث عن بدائل، ويتخلى عن كونه مرآة لما تريد السلطة إيصاله.

اختلفت ردود الفعل بين الزعماء الدوليين. عبّرت عواصم عالمية عن قلقها، كما الدول العربية المعنية التي استدعت السفراء الأمريكيين للنقاش معهم. واستغلت كندا الفرصة لترحيب مضاعف باللاجئين.

على خطّ آخر، بادلت إيران القرار الأميركي بالمثل، ودعا سياسيون في دول أخرى كالعراق واليمن للتحرّك في هذا الاتجاه. في المقابل، تحفظت دول عربية أخرى غير معنية بالقرار (حتى الساعة) عن التعليق.

وعلى الصعيد الشعبي عالمياً، ووجه القرار بالتنديد والصدمة، ووقع أكثر من مليون شخص في بريطانيا عريضة تطالب بإلغاء زيارة الدولة التي يتحضر ترامب للقيام بها خلال العام 2017. مع العلم أنه إذا تجاوز العدد مئة ألف توقيع، يتوجب على البرلمانيين مناقشة العريضة من دون طرحها بالضرورة للتصويت.

في المقابل، رأى معلقون أن ترامب لا يختلف كثيراً عمن سبقه، باستثناء كونه مباشراً. الإدارات السابقة حاربت العالم العربي بخبث، وهو يريد فعل ذلك بوضوح.

حاول ترامب أن يبعد شبهة استهداف الإسلام من قراره، لكن ذلك لم يمنع من تصنيف الأخير في خانة الحرب على المسلمين.

"الحرب على الإرهاب" و"حماية الحدود" يعدان في أساسيات خطاب ترامب، لكن المراقبين علقوا على أن الطريقة التي صدر فيها قرار المنع لن يفعل سوى مفاقمة الكراهية ضد الولايات المتحدة، وبالتالي زيادة الخطر عليها.

وانتشرت لائحة تظهر عدد القتلى الأمريكيين في اعتداء إرهابي إسلامي ضئيلاً مقارنة بأولئك الذين قتلوا على يد أميركي آخر.

في المقابل، رأى محللون أن القرار يراعي مصالح ترامب أكثر من مصالح الدولة، واستغرب محلل سياسة الهجرة في معهد كاتو أليكس نوراستي أن الإدارة الأميركية لم تشمل في قرارها دولاً مثل السعودية والإمارات وأفغانستان وباكستان، نفّذ مواطنوها أكبر العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل