المحتوى الرئيسى

آية إبراهيم يوسف تكتب: الحدود المصرية.. أزمة طابا عام 1906مǃ ج (2) | ساسة بوست

01/29 19:14

منذ 1 دقيقة، 29 يناير,2017

 بدأت الأزمة مع تأخر إصدار فرمان التولية للخديو عباس حلمي (1892- 1914م)؛ إذ رغبت الدولة العثمانية في استعادة سيناء، وقد استمرت المناوشات بين الدولة العثمانية وبريطانيا قُرابة الثلاثة أشهر، أفضت إلى نزع العقبة (6) مع الإبقاء على الحدود المصرية وفق ما جاء في وثيقة التسوية 1840-1841م ، حيث كانت في صورة برقية أرسلها الصدر الأعظم جواد باشا(1851- 1900م) تعطي مصر الحق في إدارة سيناء؛ لتعود الأوضاع كما كانت من قبل، مع الاتفاق عل عدم إجراء أي تعديل بالحدود المصرية، دون الرجوع للدول الموقعة على التسوية، وصدر فرمان التولية، وباتت الحدود المصرية الشرقية تمتد من رفح شمالًا حتى أم الرشراش (إيلات حاليًّا) جنوبًا . هذا وقد توجه عباس حلمي إلى إسطنبول؛ لتسلم فرمان التولية عام 1893م، لكنها لم تكن النهاية!

وهنا لابد من الإشارة إلى إبرام الوفاق الودي Entente-Cordiale بين إنجلترا وفرنسا الذي تم إبرامه في 8 إبريل (نيسان) عام 1904م، والذي أفضي لاحتجاج الدولة العثمانية على لسان سفيرها في لندن، وقد أعلنت بريطانيا في العام ذاته عدم إضرار التحالف الأنجلو – فرنسي بعلاقة مصر بالدولة العثمانية، لكن عواقب الوفاق مع فرنسا تجلى في إعادة فتح مسألة الحدود، في محاولة من الدولة العلية لإعادة طرح المسألة المصرية (أي احتلال مصر) على الساحة الدولية من جديد.

فقد تجددت الأزمة عام 1906م؛ حيث تم تنصيب سعد بك رفعت قومندان لسيناء كما تولي مستر جينس براميلي Jenus-Brimely مفتشًا لشبه جزيرة سيناء، وذلك في عام 1905م ، حيث تولي براميلي إعادة تنظيم إدارة البوليس الأهلي (الهجانه – المشاة )، والاهتمام بالمشروعات الزراعية، حيث أقام سدًّا في وادي العريش لزيادة مساحة الأرض المنزرعة، كما عمل على إعادة توطين البدو في وسط سيناء؛ مما أثار استياء الدولة العثمانية، خاصة مع تردد بعض الأنباء التي تحدثت عنها جريدة اللواء في عددها الصادر في 9 ديسمبر (كانون الأول) عام 1905م، حول سعي إنجلترا القيام بأعمال حربية كإنشاء القلاع؛ مما أثار حفيظة الدولة العثمانية، خاصة مع تواتر الأنباء عن قيام الأخيرة بإنشاء قائمقامية بئر السبع، ونقطة عسكرية عند عين القصيمة وأخرى عند مشاش الكنتلا (7) في وادي الجرافي، وهو ما تزامن مع صدور الأوامر لمستر براميلي عام 1906م بإنشاء نقطة عند نقب العقبة وتمركز عدد من الخفر للحراسة، في محاولة للقضاء على تهريب الأسلحة والحد من الاعتداءات التي تتعرض لها قوافل الحجاج، الأمر الذي تعاملت معه الدولة العثمانية من منطلق كونه رد فعل على ما قامت به.

تصاعدت الأحداث مع نزول خفر النقب إلى سفح النقب غرب خليج العقبة (أم الرشراش- إيلات) بحثًا عن المياه، وهو ما رفضه رشدي باشا قائد الحامية العثمانية فكانت المواجهة. فقد سارعت بريطانيا بإرسال سعد بك رفعت ومستر براميلي علي متن السفينة نور الدين البحر، (8) وبصحبتهم خمسين رجلًا من العساكر النظامية، حيث تمركزوا في جزيرة فرعون عقب الرفض العثماني بالسماح لهم بالتوجه نحو طابا. لم تتوقف حدة التصعيد عند ذلك الحد، فقد عمدت بريطانيا إلى زيادة عدد قواتها في القاهرة ، كما أرسلت المدرعة ديانا 17 فبراير (شباط) 1906م وأصدرت أوامرها بتحرك السفينة منيرفا من تمركزها في بورسعيد إلى العريش في محاولة لمنع تقدم القوات العثمانية في سيناء، وهو ما لقي تفاعلًا عثمانيًا بزيادة عدد قواتها التي اتخذت من خان يونس مركز لها ولعتادها، كما أرسلت قوة قوامها خمسين جنديًّا إلى رفح بقيادة يوزباشي أركان حرب مفيد بك والملازم إسماعيل أفندي، حيث تمركزوا في المنطقة الواقعة بين السدرة وطريق رفح، كما تم إزالة أعمدة التلغراف البالغ عددها أحد عشر عمودًا حيث نقش عباس حلمي على أحدها تاريخ زيارته عام 1898م ، إذ تم الاستبدال بها أخرى، وهو ما أكده فرسان الرُميلات ، إضافة إلى ذلك حالة التلكؤ العثماني المتمثلة في مفيد بك عن مقابلة مندوب نظارة الحربية نعوم شقير وسعد بك رفعت 28 إبريل (نيسان) عام 1906م؛ مما أفضى (9) لاحتجاج الحكومة المصرية والبريطانية.

لم يعد هناك سبيل سوي ترسيم الحدود، وهنا تجلي دور المندوب العثماني الغازي مختار باشا (1839- 1918م) الذي تقدم بتقرير لناظر الخارجية بطرس غالي، ارتكز علي تسوية لندن المصدق عليها بختم الصدارة العظمي حيث تمتد حدود مصر الشرقية من العريش إلى السويس، مع ضم قلاع الطريق البري إلى الحجاز، وهو ما أكد عليه فرمان تولية عباس حلمي، أما عن طابا؛ فهو ميناء يقع علي الخليج جراء مرور خط الحجاز من العقبة ولا يستوع وقوعه تحت إدارتين، وبالتالي فإن التقرير منح الدولة العلية الحق في استرداد ما منحته لمصر محملًا سلطة الاحتلال المسئولية الكاملة عن تفاقم الأزمة ، وهو ما تعاملت معه بريطانيا بالتهديد بضم جزر بحر إيجه لممتلكاتها كما أعلنت منح أسطولها كامل الصلاحيات لحماية مصالح بلاده، وإزاء هذا التصعيد؛ تشكلت لجنة لترسيم حدود مصرالشرقية جمعت ممثلين من الجانب المصري والعثماني اتفاق الحدود في 1 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1906م(13 شعبان 1324ھ)، حيث تم بناء عدد من الأعمدة التي نصت اتفاقية الحدود في مادتها الرابعة أن تخضع للحماية العثمانية – المصرية، هذا وقد كانت الأعمدة على شكل هرم ناقص قاعدته 1*1م، إذ كانت العلامة الأولى عند رأس طابا تحمل رقم 91، والأخيرة عند تل الخربة الواقعة عند ساحل البحر المتوسط؛ لتنتهي الأزمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 1906م حيث امتدت حدود مصر الشرقية من رفح تتجه نحو الشرق علي خط شبه مستقيم إلى نقطة علي خليج العقبة تبعد عن قلعة العقبة (أم الرشراش) بحوالي ثلاثة أميال، هذا وقد تم الاتفاق بين بريطانيا والدولة العثمانية على فصل أم الرشراش عن مصر، أي كانت جزء من مصر وتم فصلها، بالرغم من الرفض المصري ، إذ كانت بريطانيا هي المتحكم الرئيس في المفاوضات حيث بات هناك خط إداري فاصل بين الحجاز (10) ومتصرفية القدس وسيناء، وبذلك تم ترسيم أولى الحدود السياسية في المنطقة العربية التي لا تتجاوز الـ200 كم، كما كانت الحدود الوحيدة في المنطقة التي تم تخطيطها باستخدام السلاح بين الدولة العثمانية وبريطانيا.

شبه جزيرة سيناء عام 1906 م .

الحدود بين فلسطين وقناة السويس وشبه جزيرة سيناء 1906 .

جملة القول؛ لقد شكلت أزمة الحدود المصرية فصلًا من فصول تقويض الدولة العثمانية، التي لطالما احتلت مكانة بارزة في الفكر الإستيراتيجي والسياسي البريطاني، فسيطرة الدولة العلية على منطقة استيراتيجية كسيناء تهديدًا لمصالح بريطانيا المتحكم الرئيس في ترسيم الحدود الشرقية (طابا 1906م) .

6) أحمد السيد حلمي ، دراسة وثائقية في تاريخ تطور حدود مصر الشرقية ، ( د.ن.) ، ص 16- 20 ؛ درويش مصطفي ، «تاريخ المشكلة الحدودية في طابا» ، مجلة الدوحة ، (1 أغسطس 1986م) ، ص1-2 .

7)أحمد شفيق ، مذكراتي في نصف قرن ، (القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1998م) ، ج3 ، ص78- 85 .

8) آية الله أحمد ، مرجع سابق ، ص104 – 105 .

9)درويش مصطفي ، مرجع سابق ، ص 3 – 4.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل