المحتوى الرئيسى

أنواع الاستعانات في القرآن الكريم

01/29 17:32

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 153).

المؤمن بطبعه الإيماني التربوي الروحي والنفسي، بل وحتى الجسدي، هو قوي العزيمة، باسل مِقدامٌ، لا تزعزعه السفاسف، ولا علياء الحوادث، وليس ديدنه القهقرى؛ لأنه دائم الذكر لله القوي المتين، يلجأ ويجأر إليه في كل نائبة، وشاردة وواردة، أكانت في يُسرٍ أو عُسر.

ولكن طبعه البشري، حاله حال أي إنسان آخر، كتلة من مشاعر وأحاسيس ونفسيّات تتأثر بالمحيط، تعتريه أحوال وظروف تجعله في هُنيهةٍ ملؤُه الحزن، بعدما تهلل وجهه فرحاً وسروراً، ولا غرو في ذلك، فهذه طبيعة معتدلة، وظاهرة صحية لا جرم فيها ولا مناص عنها.

السؤال الذي نتأمله هذه المرة هو: ماذا يصنع المؤمن إذا تكدّر، أو تكالبت عليه النوائب؟!

وما الطريقة المُثلى للخروج من الأزمة، بأقل الخسائر وأكبر الفوائد، وهو في كلا الأمرين لله تعالى مطيع وقريب؟!

* ذُكرت الاستعانات في القرآن الكريم صراحة في 3 مواضع فقط هي:

وذُكرت إشارة لا صراحة في مواضع وكلمات وقصص كثيرة جداً، يمتلئ بها الذكر الحكيم، وإليك أمثلة منها:

* استعانات بغير الله تعالى، وهي مما يستعين به الناس بأهل الخبرة من الناس، مثاله قول الله تعالى:

"قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" (النمل: 38).

* استعانة البشر بالحيوان، لقضاء الحوائج:

"وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (النحل: 7 و8).

* وبعض الاستعانات لا تجوز شرعاً البتة، ومنها:

"وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الأنفال: 48).

"وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً" (الجن: 6).

"وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (الأعراف: 113 و114).

إلى آخره من الأصناف الأخرى التي لا يتسع المقام لها هنا.

ولكننا نتأمل تبيين الله -عز وجل- أن الذي تُصبه أحزان وأكدار، فقر وأمراض، أعداء وحروب.. إلخ مما يكدر صفو المؤمن، فإن عليه أن يتحلى بصفة جليلة عظيمة، تحلى بها صفوة الصفوة للأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- إنها صفة وخصلة الصبر، ثم لم يجعلها منفردة، منعزلة عن رب العزة ومن له مطلق القدرة، وهو الله الواحد الْقَهَّار، فالأصل الأصيل للاستعانة هو عليه سبحانه وتعالى.

"قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف: 128).

ثم يجد المتأمل نوعاً من الاستعانات، هو من الأمر الرباني الصريح في القرآن الكريم، وقد اقترن بركن من أركان الإسلام، فقرن بينها وبين الصلاة، فكانت صفة الصبر ملازمة مع الصلاة في موضعين من مواضع وعظ الله تعالى وتوجيهه لعباده المؤمنين، فقال الله عز وجل:

1- "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة: 45).

2- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 153).

قال الإمام القرطبي في تفسيره:

"خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويهاً بذكرها، وكان -عليه السلام- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي له أخوه قثم -وقيل بنت له- وهو في سفر فاسترجع، وقال: "عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله"، ثم تنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ (واستعينوا بالصبر والصلاة)، فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية..".

ولفتة مفيدة من خواطر الشيخ الشعراوي لالتزام الصبر والصلاة معاً:

(ويطلب الحق في قوله: "وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ والصَّلاَةِ" الاستعانة بشيئين هما الصبر والصلاة.

وكان سياق الآية يقتضي أن يقال: "وأنهما"، لكن القرآن قال: "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ"، فهل المقصود واحدة منهما، الصلاة فقط أم الصبر؟

نقول إنه عندما يأتي أمران منضمان إلى بعضهما لا تستقيم الأمور إلا بهما معاً، يكونان علاجاً واحداً، واقرأ قوله تعالى:

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل