المحتوى الرئيسى

«ذا دايلي بيست»: ربَّما لا تحب التكنولوجيا.. لكنَّها تحبُّك - ساسة بوست

01/29 13:34

منذ 1 دقيقة، 29 يناير,2017

الكاتب «سكوت ريردون»، مؤلّف رواية «رجل برومثيوس»، يتحدَّث عن التكنولوجيا وكيف تخطَّت تغيير العالم الخارجي إلى التلاعب بذواتنا نحن. يقول:

في الميثولوجيا الإغريقية، علّم برومثيوس رجلًا الزراعة، لكنّه عندما أعطاه النار، شعرت الآلهة أنّه تخطّى حدوده؛ لذا كانت العقوبة: سلسل زيوس برومثيوس إلى صخرة، حيث يأتي الصقر كل يومٍ ويأكل كبده، وينمو كبده مجددًا؛ لأنه من الخالدين.

قصة برومثيوس هي عن هيمنة البشرية على عالمها، وكيف أن القوة المُطلقة مفسدة، لكن على عكس البديهي، انحاز العديد من الفنانين والكتّاب في الأعوام الألف الأخيرة إلى جانب زيوس، وليس برومثيوس. القصة ذات أهمية اليوم؛ لأن البشرية عند منعطفٍ مهم، وقوتان متضادتان علقتا في حربٍ تبدآن للتو في التكوّن. على جانبٍ هُناك ابتكاراتها والقوة التي تأتي معها، وعلى الجانب الآخر هناك حقيقة أنّه لا ابتكار على مستوى ذواتنا نحن.

لعشرات الآلاف من الأعوام، اتجهّت التقنية إلى الخارج – نحو العالم كلّه. الآن، لأول مرة في التاريخ البشري، وصلت التكنولوجيا إلى نقطة يُمكن معها أن ترتد إلى الداخل – على صانعيها. لقد وجدت التقنية شيئًا جديدًا يمكنها تغييره: نحن.

في 2010، أجرى الباحثون في جامعة كولورادو ما ظنّوه تجربة عادية على فئران المعمل. جرحوا أطراف الفئران وحقنوها بخلايا جذعية بهدف معالجة الضرر. ثمّ حدث شيءٌ غريب. تضاعفت العضلات في تلك الأطراف الصغيرة تقريبًا في الحجم والقوة. ليس ذلك فقط، بل إن العضلات بقيت هكذا مدى حياة كل فأر، متحدّية عملية الكِبر نفسها. لقد صنع الباحثون عن طريق الخطأ عرقًا من «الفئرات الخارقة».

تجربة أخرى في 2001 تضمنّت حقن خلايا جذعية بشرية، من بين كل الأشياء، في أمخاخ فئران متقدّمة في السن. وبعد فترة قصيرة، بدأت الفئران تؤدي أفضل في اختبار متاهة موريس المائية. بعبارات أخرى: لقد جعلت الخلايا الجذعية الفئران أذكى.

عندما يفكّر الناس في الخلايا الجذعية، عادة ما يفكّرون في علاجٍ محتمل لأمراض، مثل شلل باركينسون الرعّاش، لكن هناك استخدام آخر، وأكثر سوادًا بكثير، للخلايا الجذعية، على أشخاص أصحاء تمامًا. هذا التطبيق للخلايا الجذعية – تغيير الجسد البشري من الأساس – هو ما أعطاني فكرة روايتي، «رجل برومثيوس».

لقد سمع كلنا قصصًا عن الأم التي تمكنت من رفع سيارة عن طفلها بسبب ضخّ الأدرينالين في جسدها. تخيل استخدام الخلايا الجذعية في تكبير الغدّة الكظرية المُفرزة للأدرينالين إلى ثلاثة أضعاف حجمها. ستُنتج شيئًا على نفس مستوى الأشخاص الذين يتناولون عقّار PCP ويصبحون أشبه بالزومبي، لدرجة أنّهم يتلقّون ثلاث رصاصات ويظلون قادرين على ضرب ستة شرطيين. الاستخدامات العسكرية لمثل هذه التقنية، والأجزاء التي يُمكن «تحسينها» من جسم الإنسان، تمر برأسك كما لو أنّها شرائح عرضٍ في حلمٍ سيئ.

كل هذا ولم نتطرق حتى إلى الجزء الأكثر فتكًا من تشريح الإنسان: الدماغ. هناك كمية ثابتة من المساحة الفارغة في جمجماتنا. نظريًا، بتكبير الأجزاء التي تُريد تحسينها، مثل الجزء الذي يتحكم في ردود الأفعال والتنسيق، يُمكنك أيضًا تقليص الأجزاء التي تُريد إضعافها، مثل الجزء المُرتبط بتأنيب الضمير.

وضع في حسبانك أن الأشياء لا تحتاج إلى أن تؤول إلى هذا في العالم الواقعي. كما حاولت أن أُظهر في كتابي، غالبًا ما تكون المحاولة نفسها هي المصدر الحقيقي للرعب.

لقد شهد القرن العشرين اختراع أسلحة الدمار الشامل. وشهِد أيضًا ابتكاراتٍ في الأيديولوجية هلّلت لتدمير 200 مليون شخص، حوالي 8% من سكّان العالم، في الحروب وأعمال القمع،لكن التقنيات الوليدة اليوم تأخذ الأشياء في الاتجاه المُعاكس. بتحسين أجسادنا، تزيد قدرتنا على ارتكاب عنفٍ أكثر حميمية – وبالتالي أكثر خُفية. تأخذنا تلك التحسينات إلى جذورنا. وتفعل ذلك في وقتٍ لا يقتتل في حروبه جانبان متساويان في ساحة قتال. إنها غالبًا هجمات سريعة – تنتهي قبل أن يعرف أغلب الناس بها – حيثُ الهدف هو إنزال أقصى درجات اليأس، ليس بالهدف، وإنما بالمشاهدين في المنزل.

لكن الأمر لا ينتهي هنا. يُمكن للتكنولوجيا تسليح الجسد البشري، لكن مع الإنترنت، تمتلك الحكومات واللاعبون الآخرون القدرة على مُلاحقة العقل.

الإنترنت هو المصدر الأكبر للبيانات عن الروح البشرية في التاريخ، وهو على وشك التعمّق أكثر مع تكنولوجيا الواقع الافتراضي. كل آمال الناس وأحلامهم، ومخاوفهم، وأحقادهم، كلها هناك. وعلى مدار العقد الماضي، شهدنا صعود شيءٍ مصمّم بمثالية لاستغلالها: الخوارزميات. عادة ما تتفوق الخوارزميات في الأداء على المحللين البشريين في وول ستريت. ويُمكنها أيضًا إجراء تشخصيات أكثر دقة للأمراض العقلية من الأطباء النفسيين. الخوارزميات أكثر كفاءة من الأطباء بكثير، لدرجة أن الأطباء أداؤهم أسوأ، حتى وإن أُعطوا نتائج الخوارزمية.

تُصبح الخوارزميات جيّدة جدًا في التنبؤ بالسلوك البشرية لدرجة امتلاكها القدرة على التعرّف، ليس فقط على الحاجات والاهتمامات غير المرغوب فيها، وإنما الأنشطة التي تتنبأ بهذه الحاجات والاهتمامات. القتلة المتسلسلون، الإرهابيون، المتمرّدون – من المحتمل أن عاداتهم على شبكة الإنترنت تتسّق وبعض الأنماط الشائعة للسلوك. نظريًا، يمكننا فهم اتجاه حياتهم أفضل من فهمهم هم لأنفسهم. وما إن يُمكنك فهم شيءٍ بما فيه الكفاية لتوقّع أفعاله، يُمكنك التحكم فيه.

لكن التدخّل ليس الهدف الحقيقي. الهدف الحقيقي أبعد من ذلك بكثير. الهدف هو تعديل شيءٍ جوهري في هويّتنا: اختبارنا للواقع.

تكشف الأبحاث عن أنماطٍ في حاجاتنا أغلب حاجاتنا البدائية يُمكن استغلالها. إن بدا ذلك قولًا نابعًا من جنون الشكّ، فلننظر إلى د. روبرت سيالديني، مؤلف الكتاب الأفضل مبيعًا، «التأثير: سيكولوجيا الإقناع»، عن الطرق التي يستغلّ بها الآخرون برمجتنا لخلق انطباعات ليست حقيقة، وإرغامنا على سلوكيات لا تصب في مصلحتنا. الهدف المصرّح به من هذا الكتاب هو تحريرنا من ذلك التلاعب، لكن هذه المُثل لم تمنع د. سيالديني من أن يصبح مستشارًا لحملة أوباما. لقد كانت حسنات أوباما الموضوعية على ما يبدو غير كافية وحدها. شعر الطبيب الطيّب بأن رئاسة المرشّح تصبّ في مصالحكم الشخصية لدرجة لم يجد معها بأسًا من استخدام فنونه المظلمة ليعبث بأصابعه في عقولكم.

هناك استنتاجٌ هنا. يبدأ الناس دومًا بمحاولة فهم الواقع ببساطة، لكنهم في الحقيقة متعطّشون دومًا لتغييره.

إلا أنّ د. سيالديني كان يستهدف شيئًا تطوعيًا: التصويت. فلننظر، على الجانب المضاد، إلى تقنية «ريد»، الخوارزمية من نوعٍ ما ذات تسع خطوات، يستخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في الضغط على المشتبه بهم خلال الاستجواب. تقنية ريد تم اختبارها وتحسينها على عشرات الآلاف من المشتبه بهم، لكن بها عيب. إنّها تنتج اعترافات زائفة. التقنية فعّالة لدرجة أنّها تسبب توقيع الأبرياء على استلاب حريتهم، فقط لكي يتوقّف الأمر.

تخلق تقنية ريد، في أعلى درجات قوتها، واقعًا زائفًا في عقل المشتبه به، أقوى من الواقع المبني على الحقائق خارجها. انس تغيير جسد أحدهم. تحقق تقنية ريد التغيير الأكثر جذرية من بين كل التغييرات. وهو ابتكارٌ لأكثر أنواع العنف إرعابًا، النوع الذي يصل بنا إلى شنق أنفسنا.

التلاعب بأجسادنا، التلاعب بعقولنا – هي أشياء مخيفة جدًا. واستجابةً لذلك، هناك من يعتقدون بأن المشاكل الأخلاقية التي تثيرها التقنيات الجديدة يُمكن حلّها من خلال النقاش، لكن متى فعلنا هذا سابقًا؟ يُمكن أن تدمر الأسلحة النووية الجنس البشري، لكنها ما زالت موجودة. انسَ هذا. لقد كان أمرًا منطقيًا بالنسبة لبعض الدول أن تخرج الأسلحة النووية إلى الوجود. وهذا يُخبر بشيءٍ صارخٍ عنّا. يقول ذلك إن الحقيقة الأكبر ربّما تكون الأكثر إرعابًا: نحنُ لسنا متحكّمين. نحن – أخلاقنا، وفضائلنا – متخلفون عن التقنية، وليس العكس. ربّما كان هناك سببٌ لعدم لجوء زيوس إلى مناقشة برومثيوس، وإنما وضع حدًا للأمر كله ببساطة.

أحبّ قراءة الأشياء التي كُتبت قبل وقت طويل – قبل قرونٍ، وحتى قبل آلاف الأعوام. سأخبرك بما دفعني لقول هذا. لقد أدركت أن الكثير من هؤلاء الكتاب كانوا مثلي تمامًا. وشعرت بهذه.. الرابطة. لأنّها تعني أن الأشياء التي أرقتني وأذهلتني لم تكن مميزة. لقد كانت جزءًا من معنى الحياة.

لكن هناك لازمة لهذا. إن كان شخصٌ عاش قبل مئات أو آلاف الأعوام هو مثلي تمامًا – ومثلك أيضًا – على افتراض أنّك رجعي مثلي – فهذا يعني بدرجة كبيرة أنّنا لم نتغير، لكن في الوقت الراهن، بمساعدة التكنولوجيا، تكبر قوتنا. فكّر فيما يعنيه. التكنولوجيا لا تقلّص العالم من أجل راحتنا وفقط. إنّها تكبّر ما بداخلنا. وبتحريرنا من الوجود الناحت في الصخر حيثُ نحتاج إلى العمل 12 ساعة يوميًا من أجل النجاة، فإنها تُعطينا مساحة للتعبير عن ذواتنا العميقة.

لكن ذواتنا الأكثر عمقًا مليئة بالإشكالات. على مدار الخمسين عامًا الأخيرة، اختبر العالم المتقدّم سلامًا ورخاءً وراحة تكنولوجية غير مسبوقة. وهذه هي النتيجة. في الولايات المتّحدة، تتناول امرأة من كل أربعة دواءً موصوفًا للمرض العقلي. وفقًا لمراكز التحكّم في الأمراض CDC، لا يزداد متوسط الأعمار. بل نقص لتوه. تُظهر بيانات هيئة التعداد وإحصاءات مكتب العمل أن 25% من الرجال بين أعمار 25 و64 ليست لديهم وظيفة بدوامٍ كامل، وأغلبهم لم يعُد يبحث عن واحدة. وقد تتوقّع أن الناس أصبحوا أقل عنفًا. بدلًا من ذلك، وبدءًا من السبعينات، كان هناك انفجار في الجريمة العنيفة، والتي لم تتّم السيطرة عليها إلا باحتجاز أكبر نسبة من المواطنين في أية دولة في العالم. وأثناء ذلك، وفقًا للاستطلاع الاجتماعي العام، من 1972 إلى 2006، صنّفت النساء أنفسهن أقل سعادة كل عامٍ عن العام السابق، وبينما تحسّن كل مقياسٍ موضوعي لحياتهن.

ولأننا أكثر حرية من الشقاء من أيٍ ممّن سبقونا، فقد تتوقع أننا أكثر صحّة، وثراءً وحكمة، لكننا أصبحنا العكس بطرقٍ كبيرة. لماذا؟ لأننا معيبون. لأن نفوسنا العميقة تُريد أشياءً ربما ليس من المفترض بها الحصول عليها أبدًا. وبالنسبة للكثيرين منّا، فقد أعطانا الرخاء مساحة نتمزّق فيها إلى أشلاء.

العالم، كما يتضّح، ليس تقدّميًا إلى ما لا نهاية. إنّه يتراجع، وليس فقط بسبب العوامل غير الشخصية من العشوائية أو ندرة الموارد، بل بسبب العامل الأكثر شخصية من بين كل العوامل: نحن.

هُناك من يعتقدون بأن الناس معيبون لدرجة أن المجتمع لابد وأن يتدّخل ويتحكّم فيهم بكميات هائلة من القوانين التنظيمية، أي بالقوة. لكن هناك حدًا لهذا، ويمكننا أن نراه بالنظر إلى أوروبا. تحظى أوروبا، بدولها العملاقة التنظيمية المرفهة، بمعدّلات بطالة أعلى من الولايات المتّحدة، ونموًا أقل في الناتج الإجمالي المحلي، وابتكارٍ تقني أقل بكثير، ومعدّلات خصوبة لا يُمكن وصفها إلا بأنّها كراهية للنفس. كل مشكلة تعاني منها الولايات المتّحدة تُعاني أوروبا من أسوأ منها بنسبة 20%. والمضحك بشأن كل هذه التنظيمية؟ في أوروبا، الاقتصاد غير الرسمي، أي الجزء الذي لا يدفع الضرائب أو يسير وفقًا للقانون، أكبر من الموجود في الولايات المتّحدة، أكبر بكثير. لذا فبدلًا من جعل الناس أكثر أخلاقية، كل ما فعلته محاولة السيطرة عليهم: أنها دفعتهم تحت الأرض. عند نقطة معيّنة، تنكسر الليبرالية على الواقع الذي تحاول ثنيه.

لقد حاول الأوروبيون نزع المخاطرة عن الحياة، فانتهى بهم المطاف وقد انتزعوا الحياة من أنفسهم.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل