المحتوى الرئيسى

«سحرة فرعون» و«الأقل نزاهة».. الإعلاميون! | المصري اليوم

01/28 23:07

فى نهاية شهر مارس 2012، زار مرشد «الإخوان»، الدكتور محمد بديع، إحدى المحافظات، وتحدث إلى جماهير محتشدة فى مؤتمر أقامته الجماعة للترويج لمرشحها فى الانتخابات الرئاسية التى جرت لاحقاً فى شهر مايو من العام نفسه.

ومن بين ما قاله المرشد فى هذا المؤتمر إن «بعض وسائل الإعلام مثل سحرة فرعون، الذين جمعهم لسحر أعين الناس.. والشيطان الذى أوحى للسحرة هو الذى يوحى للإعلاميين الآن بأن يصوروا للشعب أن (الإخوان) هم بديل (الحزب الوطنى)».

لم تكن تلك المقولة مجرد «زلة لسان» أو «تقييم شخصى» من قبل رأس تنظيم «الإخوان» للمجال الإعلامى والإعلاميين المصريين، ولكنها، كما اتضح لاحقاً، كانت «تصوراً عاماً» لدى الجماعة عن مجمل الأداء الإعلامى.

لماذا أتذكر تلك الوقائع الآن؟

فى الأسبوع الماضى، أصدر الرئيس الأمريكى «ترامب» بياناً رأى فيه أن «الصحفيين هم بين الأشخاص الأقل نزاهة فى العالم»، قبل أن يصرح كبير مستشاريه للشؤون الاستراتيجية «ستيفن بانون» بأن «وسائل الإعلام الأمريكية يجب أن تشعر بالحرج والإهانة، وأن تبقى فمها مغلقاً، وتستمع فقط فى الوقت الحالى».

لا أجد فارقاً كبيراً بين ما قاله «ترامب» ومستشاروه وبين آراء مرشد «الإخوان» وتابعيه، حين حاولوا أن يوصفوا المجال الإعلامى فى مصر والولايات المتحدة.

سيمكننى أن أتفهم أن معظم المجال الإعلامى المصرى كان معادياً لتنظيم «الإخوان» على مدى عقود، كما أعرف أن معظم وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسة عارضت «ترامب» وأثرت سلباً فى حظوظه، عبر ممارسات منحازة ضده، دون أن نغفل أن الكثيرين بيننا يعتقدون أن «ترامب» و«الإخوان» يمثلان أسوأ ما يمكن أن تنتجه السياسة وتفرزه الصناديق.

يقودنا هذا إلى سوء الفهم الكبير الذى يقع بين بعض القادة والجماعات السياسية من جانب والصحافة والإعلام من جانب آخر، وهو سوء فهم يمكن أن نجد تبريراً له.

يقول «هتلر» فى كتابه «كفاحى»: «إن دور حاجز النار الذى تنفذه المدفعية، ستقوم به فى المستقبل الدعاية، التى ستعمل على التحطيم المعنوى للخصم قبل أن تبدأ الجيوش عملها». ونحن نعرف الآن الثمن الذى دفعته ألمانيا والعالم بسبب سياسات هذا الزعيم.

يسعى الكثير من السياسيين الذين يعتقدون بامتلاكهم «الحقيقة المطلقة» إلى تحويل وسائل الإعلام إلى «آلة دعائية»، تُلمّع صورتهم وتلطخ سمعة أعدائهم، فإن لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يشنون عليها الهجمات العنيفة، ويصفون الإعلام والعاملين فيه بأشنع الأوصاف.

وبالطبع، فإن حرية الصحافة والإعلام تدفع أثماناً غالية لقاء تلك المحاولات، وهى أثمان تدفعها أيضاً الأوطان، لأن حرية الإعلام ليست منحة أو ميزة للإعلاميين ولكنها «مصلحة عامة»، وهى أيضاً أحد المؤشرات الرئيسة التى تُصنف على أساسها المجتمعات لجهة الديمقراطية والتقدم أو الديكتاتورية والتخلف.

يعتقد باحثون كبار أن وسائل الإعلام الجماهيرية تلعب أدواراً سلبية حيال الديمقراطية والنقاش العام، من بين هؤلاء يبرز الفيلسوف الألمانى «هابرماس»، الذى يرى أن «الإعلام بات يقوم بدور صناعة الرأى العام عن طريق الاستمالة والتلاعب والسيطرة المفروضة عليه، بسبب هيمنة المال السياسى، والمصالح التجارية».

تتبنى «مدرسة فرانكفورت» الرأى نفسه، ويذهب المفكر الفرنسى «جان بودريار» إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن «وسائل الإعلام لا تعكس العالم أو تعرضه علينا، لكنها تعيد تعريف ماهيته بناء على رؤيتها».

ثمة مقاربات أخرى تعارض هذه التوجهات، وترى أن الإعلام يلعب دوراً مهماً فى إحاطة الجمهور بالتطورات الحيوية، كما يوفر ساحات للنقاش العام، إذ يعتقد المفكر «جون تومسون» أن «الإعلام يقوم بتوسيع دائرة القضايا العامة وإثرائها، وينمى المهارات والمعارف».

والشاهد أن الإعلام «نظام تابع» وليس «نظاماً رئيساً»، ولأنه «نظام تابع» فإنه يعكس صوراً يريدها من يقف وراءه، ويقدم أفكاراً تخدم مصالح مالكيه، ورؤى القائمين عليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل