المحتوى الرئيسى

حاكموا الشارع

01/28 22:10

ليس هناك فى كشوفات الشخصيات الإخوانية فى دفتر الوطن أفذاذ أو عظماء أو عباقرة أو نوابغ أو موهبون بين كافة أنماط البشرية فى تنوعها الكبير عبر التاريخ الإنسانى، حتى إن «سيد قطب» الأديب الشهيد كما كان يسميه الإخوان فى كتاباتهم.. وهى التسمية التى يمكننا أن نفسر من خلالها ما تردد أن أديبنا الكبير «نجيب محفوظ» كان على صلة به ويصفها «نجيب» بأنها أدبية أكثر منها شخصية أو إنسانية.. وقد أوضح الناقد الكبير الراحل «رجاء النقاش» أن «سيد قطب» كان أول ناقد أدبى انتبه إلى أعماله وكتب عنها فى الأربعينات من القرن الماضى.. وتعرف عليه فى ذلك الوقت حيث كان يجىء بانتظام للجلوس مع مجموعة من الأدباء والنقاد أصدقاء «نجيب محفوظ» فى كازينو أوبرا.. كما أنه كان من تلاميذ الكاتب الجبار «عباس العقاد»، كما كان يسميه «سعد زغلول».. وكان «قطب» يواظب على حضور ندوات «العقاد» الأسبوعية.. ومتأثراً به فى كتاباته.. و«العقاد» هو الذى توسط له لدى «النقراشى» باشا لإرساله فى بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (1947) وقد أوفدته وزارة المعارف إلى أمريكا للاطلاع على مناهج التعليم ونظمه.. وظل هناك عدة أعوام وعاد عام (1954) وحينما جرت محاولة اغتيال «جمال عبدالناصر» فى ميدان المنشية بالإسكندرية (28 أكتوبر 1954) تم القبض عليه.. ووجهت إليه تهمة كتابة المنشورات السرية للإخوان منذ الثورة ومنها بعنوان «الإخوان فى المعركة».. ثم أفرج عنه بعفو صحى عام (1964) حيث توسط له الرئيس العراقى «عبدالسلام عارف» لدى «جمال عبدالناصر» فعفا عنه بعد أن قضى فى السجن عشرة أعوام وعقب خروجه من السجن ذهب «نجيب محفوظ» لزيارته حيث فوجئ بالتحول الكبير فى شخصيته وأفكاره، حيث أصبح إنساناً حاد الفكر.. متطرف الرأى يرى أن المجتمع قد عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لا بد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقاً من فكرة الحاكمية.. وقيل إن هذا التحول قد أصابه أثناء وجوده بالبعثة عندما اغتيل «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بتدبير البوليس السياسى، حيث أطلق عليه الرصاص وهو خارج من جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس، وعقد «سيد قطب» وقتها العزم على أن يحمل المشعل من بعد الإمام ليواصل رسالته المروعة.

يقول الأستاذ «حلمى النمنم» فى كتابه عنه: «منذ أن صعد الباخرة من الإسكندرية إلى أمريكا قرر فيما يبدو ألا يرى فى رحلته إلا ما يعزز حالة الكراهية والاحتقار لديه.. لقد كان هناك ما يمكن أن يجعله يعيد النظر فى تلك الكراهية.. لكنه لم يشأ ذلك.. فقرر الابتعاد عن النقد والأدب والفن.. وفى رسالة إلى صديقه وتلميذه الناقد أنور المعداوى يقول له: هنا الغربة.. الغربة الحقيقية.. غربة النفس والفكر.. هنا فى تلك الورشة الضخمة التى يدعونها العالم الجديد.. لم ألمح وجهاً إنسانياً يعبر عن معنى الإنسان أو نظرة إنسانية تطل منها معانى الإنسانية.. لكنى وجدت القطيع فى كل مكان.. القطيع الهائج الهائم.. لا يعرف له وجهة غير اللذة والمال.. لذة الجسد الغليظة التى ترتوى حتى تهمد.. وتهدر ريثما تستيقظ فى سعار ورغبة المال التى تنفق الحياة كلها.. خيرها وشرها.. ليلها ونهارها فى سبيل الدولار».

وهكذا يمكننا تقييم «سيد قطب» تقييماً لا يرتقى به إلى العبقرية، فالحساسية النقدية لديه -إن كانت لديه حساسية- اصطدمت بروحه العدوانية ونفسه السيكوباتية التى اختارت الكراهية والتكفير والإرهاب هدفاً.. يتناقض تماماً مع روح المبدع والموهوب والفنان.. فقد اختلطت اختلاطاً مشوشاً وملتاثاً بالخطاب الدينى المتطرف الذى يختلف عن الخطاب الفكرى والإبداعى السوى والخطاب الجمالى الذى يسمو فوق العنف والازدراء ولفظ الآخر.. وشهوة التدمير وتكدير الأمن والإعلاء من شأن الطائفية فوق الوطن بل وفوق الضمير الإنسانى، وهكذا يمكننا أيضاً أن نقيم إمام الإخوان ومؤسس التنظيم «حسن البنا» الذى مارس هذا التزاوج غير العضوى بين الخطابين الدينى والفنى وأنشأ فرقة مسرحية كل أعضائها من الرجال.. وليست بها امرأة واحدة، وقدمت بعض العروض ذات الطابع الدينى الوعظى والإرشادى الأصولى.. ففشل فشلاً ذريعاً.. ولم يصبح «عزيز عيد» أو «يوسف وهبى» أو «جورج أبيض» أو «الريحانى»، ولم يشفع إقحامه لنفسه وعشيرته فى هذا المضمار طمعاً فى تألق يضمه ومشاهير عصره من الأفذاذ، وينصرف ذلك على «بن لادن» و«عمر عبدالرحمن» و«الظواهرى» وغيرهم من زعماء التكفير.. ناهيك عن شيوخ الفتاوى الكريهة.. والفتن السامة وهم يحاولون تبوؤ مكانة العلماء ومشاهير الدعوة الذين يرتدون مسوح التقوى وأقنعة الإعلاميين وكتاب الرأى فى الصحافة المقروءة، ومن هنا فإن «أبوتريكة» ساحر الكرة الذى تخطى كل النوابغ وتفوق على كل الحواة فى المستطيل الأخضر.. بل قل إنه اللاعب الفذ فى تاريخ الكرة المصرية.. إذا ما اعتبرنا أن هناك ارتباطاً شرطياً للأخلاق بالدين فإن ذلك يزيد من شعبيته.. ويجعل سلوكه الدمث فى الملعب مرادفاً لتألقه فى الملعب، بل إنه يصعده إلى درجة (الرمز) الرمز الدينى والرياضى معاً.. وترفعه الجماهير الغفيرة على الأعناق، حيث تصبح الموهبة منحة أتته نتيجة التزامه الأخلاقى.. وصعدته إلى مكانة الأفذاذ.. وأى أخلاق سامية تلك التى تسجد لله شكراً فى حالة الفوز.. وتسجيل الأهداف وفى حالة الخسارة أيضاً.. فى مجتمع سادته حالة وهابية شملت المجتمع المصرى بكل أطيافه وطبقاته.. وسيطرت فيه ثقافة الحلال والحرام.. والتدين الكاذب المظهرى، وأصبح رجل الشارع نهباً للخزعبلات والخرافات من دعوة إلى التكفير والتحريم والمصادرة.. وهذا ما دعا الكاتب الصحفى «محمد الصاوى» إلى أن يكتب بسخرية مقرراً إذا كان «أبوتريكة» فذاً بهذا القدر.. لماذا لا تمنحونه جائزة.. وتكرمونه التكريم اللائق به لا اتهامه بالإرهاب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل