المحتوى الرئيسى

غريب في وطنه الأم - حكاية لاجئ بعد ترحيله من ألمانيا

01/28 21:02

ليس اسمه الحقيقي "فريد"، ولا يود ذكر اسمه الحقيقي خلال لقائنا به، فهو يخاف أن يتعقبه طالبان أو تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو لن يوافق على  ذكر هويته إلا إذا تم تقديم ضمانات له، كما يقول، وإن كان يعلم أنه لا يوجد من يستطيع تقديم مثل تلك الوعود. "لدي شعور كبير بالخوف. أشعر بنفسي في أفغانستان وكأنني غريب عنها. لم أعد أعرف أحدا هنا. وضعي سيء جدا".

فريد الذي يبلغ اليوم من العمر 22 عاما فقد والديه وهو في سن المراهقة، ويعتبر أن حركة الطالبان كانت وراء مقتلهما. وصل فريد إلى ألمانيا كطفل لاجيء بدون مرافق، فدرس اللغة الألمانية وكان يود بدء حياة جديدة في ألمانيا، لكنه لم يتمكن من الحصول على حق اللجوء رغم مساعدة الأصدقاء والمتطوعين في خدمة اللاجئين. وفي يوم 14 من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي انتهى حلمه بشأن البقاء في ألمانيا، حيث وجب عليه صعود الطائرة في مطار فرانكفوت مع 33 أفغانيا باتجاه كابول. "في الطائرة كان أفراد الشرطة الألمانية يجلسون على يميني ويساري. حتى عند ذهابي إلى المرحاض كان الشرطي ينتظرني خلف الباب."

عندما وصلت الطائرة إلى كابول كان  في انتظارهم  ممثلون عن وزارة اللاجئين الأفغانية وعن المنظمة الدولية للهجرة لكن فريد يؤكد أنه لم يحصل على مساعدات من هؤلاء ولم يهتم به أحد هناك، وإن كان من غير الممكن لنا التحقق من هذه المعلومات. سافر فريد إلى بلدته وسط أفغانستان للبحث عن عائلته ليكتشف أنها لم تعد تعيش هناك بسبب الوضع الأمني المتردي، فعاد ثانية الى كابول. لم يكن في جيبه أكثر من 400 يورو حصل عليها من صديقة ألمانية، وهو يعيش الآن في غرفة بسيطة وصرف حوالي نصف ما كان يملكه. " في الساعة السابعة من كل يوم أبدأ في البحث عن عمل أيا كانت صعوبته." لكن ليس هناك عمل، وليست هناك مساعدة يتم تقديمها للعائدين. يشعر فريد بأنه في عزلة تامة ولا يمكنه الثقة بأحد، مضيفا أنه ليس لديه اتصال بالأفغان الذين عادوا معه في الطائرة من ألمانيا إلى أفغانستان.

أول عملية ترحيل جماعية للاجئين أفغان من فرانكفورت إلى وطنهم في ديسمبر/كانون الأول 2016

لقد تم توجيه انتقادات لوزير الداخلية الاتحادي الألماني  توماس دي ميزيير  بسبب عملية الترحيل الأولى هذه وكانت انتقادات من المعارضة ومن صفوف حزبه أيضا، كما تم تنظيم مظاهرات  في المطار من طرف الرافضين للترحيل. بينما دافع الوزير عن موقفه واعتبره "عملا صحيحا وضروريا حتى يمكن الحفاظ على نظام اللجوء"، مضيفا أن الأمر بالنسبة لثلث المرحلين يتعلق "بمحكوم عليهم لأسباب جنائية".

تؤكد الحكومة الألمانية ترسميا على وجود الأمن في بعض مناطق أفغانستان بشكل كاف، وهو ما تعتبره منظمة "برو أزيل" المدافعة عن اللاجئين "فضيحة"، وطالبت المنظمة ألمانيا بمراجعة مقوفها من اللاجئين الأفغان مشيرة إلى تصريحات منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي أكدت  في ديسمبر/كانون الأول 2016  أن الوضع في أفغانستان  ازداد سوءا خلاث الأشهر الأخيرة، حيث إن المنظمة لا تفرق بين المناطق "الآمنة" و"غير الآمنة" في بلد تتغير فيه الأوضاع دائما بين هذه التعريفات.

واستمر الأخذ والرد في موضوع الترحيل وطريقة تطبيقه في عملية جماعية أخرى في 23 من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، حيث أشار وزير داخلية ولاية شليسفيغ هولشتاين، شتيفان شتود، في لقاء صحفيإلى   أنه من الصعب القيام بترحيل اللاجئين بشكل يضمن "الأمن والكرامة". وكانت منظمة برو أزيل قد اعتبرت في بيان لها أن ذلك الترحيل يشكل "اختراقا للمحظورات" في هذا الموضوع حتى الآن: "فلأول مرة تتفق أحزاب على الترحيل إلى مناطق تدور فيها الحروب، رغم الأدلة والمعرفة بما يحدث هناك"، كما شجبت منظمة  برو أزيل "التشهير بلاجئين شباب ورجال غير متزوجين وجناة محكوم عليهم"، بهدف الحصول على مواقف مؤيدة لمثل هذه السياسات، ملاحظة أنه "لاينبغي الدفع حتى بمثل هؤلاء الناس إلى مناطق أزمات وحروب."

احتجاجات في مطار فرانكفورت على ترحيل لاجئين أفغان

اللاجيء الأفغاني فريد ليس من الجناة، لكنه يشعر وكأنه يُعاقب من خلال ترحيله إلى أفغانستان التي يشعر فيه بالغربة: "إن حياتي في خطر وليس لي مستقبل هنا، فهي ليست بلدي". وهو على استعداد لتحدى الصعاب والمتاعب  للوصول مرة أخرى إلى ألمانيا، غير أن فرص تحقيق ذلك أمر صعب. "ليس لدي نقود، فكيف أدفع تكلفة الرحلة؟"، كان فريد قد مول رحلته الأولى بأموال والديه.

في كل مساء يعود فريد إلى غرفته مبكراً لأنه يخشى البقاء في الشارع بعد حلول الظلام، فالوضع خطير جدا هناك. كان يحلم ببناء أسرة في يوم ما، لكن ذلك أصبح الآن أمرا بعيد المنال. فهو يشعر بالانهيار ولم يعد له لذة العيش بسبب شعور الخوف الدائم، ويستخلص فريد قائلا: "حتى الموت أضحت أفضل من العيش هنا. الحياة هنا أصبحت تعني الموت من جديد وفي كل يوم".  

في أواخر عام 2014 ومع اقتراب مرور أربع سنوات على الحرب السورية وتحقيق تنظيم "الدولة الإسلامية" مكاسب مهمة في شمال البلاد، تزايدت أعداد السوريين النازحين. وفي الوقت ذاته كان لاجئون آخرون يفرون هربا من دول أخرى كالعراق، أفغانستان، إيريتريا، الصومال، النيجر وكوسوفو.

بدأت أعداد كبيرة من السوريين تتجمع في مخيمات ببلدات حدودية في كل من تركيا ولبنان والأردن منذ 2011. مع حلول 2015 اكتظت المخيمات بشكل كبير جدا وفي غالب الأحيان لم يكن يجد سكانها عملا يعيلون به أسرهم كما لا يستطيعون تدريس أبنائهم وهكذا قرر الناس بشكل متزايد اللجوء إلى ما هو أبعد من هذه المخيمات.

في عام 2015 بدأ ما قدر بحوالي مليون ونصف مليون شخص رحلتهم من اليونان نحو أوروبا الشرقية عبر طريق البلقان مشيا على الأقدام. وإثر ذلك أصبح اتفاق شنغن، الذي يسمح بالتنقل بين معظم دول الاتحاد الأاوروبي بحرية، موضع تساؤل مع موجات اللاجئين التي كانت متجهة نحو أغنى الدول الأوروبية.

عشرات آلاف اللاجئين كانوا يحاولون أيضا الانطلاق في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط على متن قوارب مكتظة. في أبريل 2015 غرق 800 مهاجر من جنسيات مختلفة بعد انقلاب القارب الذي كان يقلهم من ليبيا نحو سواحل إيطاليا. هذه الحادثة ليست سوى واحدة من حوادث تراجيدية أخرى، فحتى نهاية العام قضى نحو 4000 شخص غرقا وهم يحاولون عبور البحر نحو أوروبا.

الدول الواقعة على حدود الاتحاد الأوروبي واجهت صعوبات في التعامل مع هذا الكم الهائل من الوافدين إليها. شيدت الأسوار في هنغاريا، سلوفينيا، مقدونيا والنمسا. كما تم تشديد إجراءات اللجوء وفرضت عدة دول من منطقة شنغن مراقبة مؤقتة للحدود.

يتهم منتقدو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. في سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل