المحتوى الرئيسى

مانويل فالس.. يسارى بـ «خلطة» ليبرالية!

01/27 21:47

قام الفرنسيون بالتصويت فى الدورة الأولى للانتخابات التمهيدية لليسار، لاختيار اثنين من بين سبعة متنافسين للترشح للدورة الثانية التى تبدأ الأحد وسيخوض الفائز فيها الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها على دورتين فى 23 أبريل و7 مايو المقبل، فيما يترتب على الفائز مهمة صعبة تقضى بتوحيد صفوف اليسار فى مواجهة اليمين واليمين المتطرف.

يجىء مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية السابق، على رأس أبرز المرشحين لرئاسة فرنسا على أجندة اليسار الذى يواجه مأزقاً فرنسياً ودولياً صعباً سواء على مستوى خطابه الفكرى أو ممارساته السياسية على الأرض.

يدعو فالس فى برنامجه الانتخابى إلى «تجديد دماء اليسار» متهماً الأحزاب الاشتراكية بأن أداءها تقليدى، لكن المدقق فى طرحه البديل يرى أنه ليس سوى خلطة «مشوشة» ومستلبة تجاه الطروحات الليبرالية، إضافة إلى اقتراب أفكاره من طرح الأحزاب اليمينية المتشددة، فيما يخص المهاجرين، خاصة المسلمين، وهى تقارب أفكار برنامج فرانسوا فيون الذى فاز بانتخابات اليمين الفرنسى منذ أسابيع قليلة.

وأسفرت نتائج انتخابات الجولة الأولى عن تأهل كل من مانويل فالس وبنوا هامون للدورة الثانية، لكن رغم تقارب الأصوات بين المرشحين، تظل فرصة مانويل فالس قوية فى التأهل لانتخابات رئاسة فرنسا فى الربيع المقبل، مراهناً على خبرته كرئيس سابق للحكومة.

ويواصل مانويل فالس حملته الإعلامية المكثفة، لإقناع الفرنسيين بأنه سيكون المرشح الأفضل فى معسكر اليسار للفوز بالانتخابات الرئاسية، قائلاً فى لقاءات تليفزيونية: «أتحمل المسئولية الكاملة فيما يتعلق بالحصيلة السياسية والاقتصادية لولاية فرانسوا هولاند، وأريد أن أمثل اليسار الحديث الرافض لليبرالية، لكن فى نفس الوقت اليسار الذي يسير قدماً نحو تحسين وضع فرنسا».. مضيفاً أن اليسار والتيار الديمقراطى الاشتراكى فى فرنسا والعالم رضخا كثيراً فى السابق للأسواق والمؤسسات المالية ولقوة المال.

ويجىء ترشح فالس وسط معارضة لسياساته فى أوساط فئة معتبرة من الشباب الفرنسى، حيث صفعه شاب بينما كان فى زيارة لمدينة لامبال الصغيرة فى منطقة بريتانى غرب فرنسا منذ أيام قليلة.

ويقارن كثير من الاشتراكيين مانويل فالس بالرئيس اليمينى السابق نيكولا ساركوزى لسلطويته وتشدده وعلاقاته القوية بنقابات رجال الشرطة، كما يثير امتعاضا كثيرا من المنظمات المناهضة للعنصرية فى البلاد، ويفتقر كثيراً لثقتها نظراً لتصريحاته المتعلقة بالملونين فى فرنسا، فقد صرح أثناء تجواله فى سوق إيفري عام 2009 بأنه غير راض عن هذا الحضور الكثيف للملونين فى السوق.

ولا يتردد فالس عادة فى كسر المحرمات لدى اليسار، كما أن أسلوبه السلطوى ودفاعه عن علمانية متشددة، من العوامل التى تنفر قسماً من معسكره منه، ففى عام 2007 اقترح تغيير اسم الحزب الاشتراكى، معتبراً أنه تجاوزه الزمن، وفى عام 2014 قال «إنه يجب الانتهاء من اليسار المتمسك بالحنين إلى ماض ولى».

كما عرف فالس بموقفه المتشدد تجاه المعارضة المناهضة للتغييرات التى أدخلتها وزيرة العمل مريم الخمرى على قانون العمل، وهو ما أثار موجة ضخمة من الإضرابات والمظاهرات فى الشارع الفرنسى، وأدى تشدده إلى أن ضرب عرض الحائط بديمقراطية الحوار وتمرير القانون بالقوة فى الجمعية الوطنية ودون نقاش ثلاث مرات عبر استخدام المادة الاستثنائية 49-3، وهو ما كلفه عداوات قوية داخل حزبه الاشتراكى، وبعد أن كان مدعوماً من وزير اقتصاده إيمانويل ماكرون الذى يتبنى أيضاً الخط الإصلاحى الليبرالى فى مجال الاقتصاد، قام الأخير بالاستقالة من الحكومة ليبدأ منفرداً مغامرة الانتخابات الرئاسية، وحاول أكثر من مرة تسخيف مواقف فالس فى القضايا الاجتماعية، آخذاً عليه نزعته العلمانية الانتقامية.

ويقول موقع قناة «فرانس 24»: إن إعلان فالس المتأخر خوض الانتخابات التمهيدية لليسار لم يترك له إلا القليل من الوقت لحشد الأنصار داخل الحزب الاشتراكى، وهو أمر صعب، نظراً لأنه لم ينجح أبداً فى خلق أية قاعدة له داخله، فالكثير من أنصار الحزب يقارنونه بساركوزى من جهة الطموح، فهو لم يخف أبداً رغبته فى الوصول لكرسى الرئيس، وكذلك مزاجيته السياسية، فهو بلا شك رجل سياسة يفرق ولا يجمع.

وأضاف الموقع، أن إحدى أهم نقاط ضعفه هو ارتباطه بالبرنامج الليبرالى الاجتماعى للرئيس المنتهية ولايته، ولأنه ليس لديه خيار آخر فإنه سيستمر فى الدفاع عن هذا البرنامج الذى لم يحقق أية نتائج على المستوى الاقتصادى للبلاد، ولم ينجح فى الحد من نسبة البطالة، وساعد على ارتفاع أسهم «الجبهة الوطنية» المتطرفة بين الفرنسيين.

وأوضح الموقع أن غياب المنافسة أمام فالس ستساعده على تسويق نفسه كسياسى صاحب خبرة وملتزم بمبادئ الدولة، وكأمل وحيد لإنقاذ يسار ضعيف أمام يمين ناجح ونشيط ويمين متطرف يخطو إلى الأمام يوماً تلو آخر.

واعتبر الموقع أنه حتى إذا لم ينجح فالس فى تقديم نفسه كوريث لفرانسوا هولاند فهو لا يزال يجسد صورة اليسار الحديث والإصلاحى فى وجه مرشحين من اليسار التقليدى.

يأخذ مانويل فالس موقفاً متشدداً من المسلمين، فى الوقت الذى يأخذ موقفاً متسامحاً وودوداً مع اليهود وإسرائيل، حيث ندد مرات عديدة بما أسماه «تنامى ظاهرة السلفيين فى شوارع باريس»، بالإضافة إلى معاداته للحجاب، حيث قال فى رده على سؤال شابة فرنسية متدينة أرادت معرفة موقفه من الحجاب: «ما هى العوامل التي تدفع النساء لتغطية وجوههن وجسدهن.. أنت حرة فى ارتداء الحجاب لكن فى نفس الوقت تدركين جيداً ماذا يحدث اليوم فى بعض الأحياء الشعبية».

وقد أثارت تصريحات مانويل فالس حول الحجاب والتى زعم فيها «أن تونس وإيران تجبران النساء على ارتداء الحجاب, وأن التونسيات والإيرانيات يحاربن يومياً من أجل نزعه»، حالة من السخط السياسى والشعبى فى تونس، حيث قام عدد من نواب البرلمان التونسى بجمع التوقيعات على عريضة احتجاج تطالبه بالاعتذار عن تصريحاته المغلوطة والمفاجئة ضد المرأة التونسية.

دافع مانويل فالس عندما كان رئيساً للحكومة عن مبدأ «الأرثوذكسية المالية» وضرورة إدارة اقتصاد أموال الدولة عبر حزمة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، لكنه غير مواقفه فجأة حيث أصبح يروج لأفكار يسارية بحتة، وهو ما يعتبره خبراء انتهازية سياسية تهدف لدغدغة مشاعر الناخب الفرنسى بهدف الحصول على أعلى عدد من الأصوات.

ومن بين هذه الأفكار الجديدة عدم تقليص نفقات الدولة بل التكفل بكل احتياجات الفرنسيين لا سيما المادية والدفاع عن راتب لا يقل عن 800 يورو لكل موظف أو عامل، إضافة إلى إلغاء قانون 3/49 الذى يسمح للحكومة بتمرير القوانين دون تصويت من البرلمان، رغم أنه كان المسئول الفرنسى الذى حطم الرقم القياسى فى استخدام هذا القانون «6 مرات» لكن اليوم يريد استعماله فقط عندما يتعلق الأمر بالتصويت على الميزانية.

ويتضمن برنامج فالس الانتخابى مشكلة السكن التى تعنى ملايين الفرنسيين، حيث وعد فى حال أصبح رئيساً لفرنسا بأن يبنى 40 ألف مسكن جديد للشبان العاطلين عن العمل، مذكراً بأن أكثر من 100 ألف وحدة سكنية تم إنشاؤها فى 2015 بفرنسا، أى بزيادة تقدر بـ 2.3%.

وأعلن أنه سيفرض ضريبة جمركية على كل المواد التى لا تحترم المعايير الاجتماعية والبيئية المعتمدة من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبى، وللحيلولة دون تنامى البطالة، أعلن أنه سيلغى الضريبة المفروضة على ساعات العمل الإضافية والتى غالباً ما يلجأ إليها العديد من الموظفين والعمال الفرنسيين من أجل رفع مستوى رواتبهم الشهرية.

وبهدف حماية الفرنسيين، وعد مانويل فالس بخلق ألف وظيفة إضافية فى صفوف الشرطة والدرك فى كل سنة من ولايته الرئاسية وتخصيص 2.5 مليار يورو لتحديث التجهيزات والمعدات التى تستخدمها قوات الأمن فى حال فاز بالرئاسة، وبالإضافة إلى هذا، اقترح فالس رفع ميزانية وزارة الدفاع وخلق 10 آلاف زنزانة جديدة فى السجون الفرنسية.

بالنسبة إلى السياسة الخارجية، لم يغير فالس موقفه إزاء روسيا داعياً هذا البلد الكبير إلى تحمل مسئولياته بصفته قوة عظمى فى سوريا، ورافضاً رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.

وفيما يخص الأزمة السورية، اعتبر فالس أن مستقبل البلاد سيكون حتماً دون بشار الأسد، داعياً فى الوقت نفسه إلى «المزيد من البراجماتية إزاء هذا الملف وإلى إشراك الأسد فى المحادثات الدولية».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل