المحتوى الرئيسى

مترجم: «دونالد ترامب» ضد العالم - ساسة بوست

01/27 21:41

منذ 1 دقيقة، 27 يناير,2017

جون فيفر، مؤلف رواية «سبلنتر لاندز» الخيالية، يكتُب عن الحرب المقدّسة التي يشنّها دونالد ترامب، ورفاقه ضد النظام العالمي القائم، والنظام الجديد الذي يخطّطون لبنائه بعد انتهائهم.

دونالد ترامب شخصٌ عالمي. يسافر في أنحاء الكرة الأرضية على متن طائرته الخاصة. تزوّج امرأة سلوفينية وطلّق تشيكية. لا يتحدّث أي لغاتٍ أخرى، لكن مهلًا إنه أمريكي؛ لذا فإن أحادية اللغة حق مكتسب بالولادة.

تعتمد ثروته –جزءٌ كبير منها– على الاقتصاد العالمي. لديه مصالح تجارية في حوالي دستتين من البلاد في أربع قارات. والعديد من المنتجات المرتبطة بماركة ترامب تخرج من خطوط تصنيعٍ عالمية: أثاث ترامب يُصنع في تركيا وألمانيا، نظارات ترامب تأتي من الصين، قمصان ترامب من بنجلاديش والهندوراس (ضمن دولٍ أخرى). وتمامًا كما يقلل الأمريكيون الأغنياء غالبًا من الدور الذي لعبته البنية التحتية الداخلية في صنع ثرواتهم، يستخف ترامب بشكلٍ روتيني بمدى اعتماد ثروته على البنية التحتية للاقتصاد العالمي.

والمرشّحون الوزاريون في إدارة الرئيس الجديد هم مثله، مجموعة من العالميين؛ جنرالاتٍ أو مليونيرات (أو كليهما)، أو ببساطة مثل رئيسهم، مليارديرات بشكلٍ مباشر. أثرياء يسافرون بطائراتهم النفاثة إلى أماكن غريبة لقضاء عُطلة، أو عقد صفقة؛ جنرالات يُبعثون في كل اتجاهات البوصلة ليقتلوا الناس. وبثروة تقريبية تقدّر بأكثر من 13 مليار دولار، يُمكن أن تنشئ إدارة ترامب دولتها الخاصة على جزيرة صغيرة. سمّها دولة عدوانية جدًّا على جزيرة صغيرة: قاتل رجال الجيش في وزارة ترامب المقترحة في كل بلد تقريبًا تاجر فيه ترامب، الجنرالات السابقون مايك فلين (مستشار الأمن القومي)، وجيمس ماتيس (وزير الدفاع)، وجون كيلي (رئيس جهاز الأمن القومي)، بالإضافة إلى عضو القوات الخاصة البحرية السابق ريان زينكي (وزير الداخلية).

وعلى قدر عالميتهم، فإنّهم لا يبدون مثل بقية العالم. يبدون، وغالبيتهم من الرجالي الأثرياء البيض، مثل الناخبين الأمريكيين، في عام 1817. ومع ذلك، انقلب الإعلام رأسًا على عقب في محاولة لإيجاد أكبر قدرٍ ممكن من التنوع في هذه الزمرة من التجانس.  على سبيل المثال، عرّفت المرشحين وفقًا لبيئاتهم المحيطة المختلفة: وول ستريت، البنتاجون، الحزب الجمهوري، جماعة المختلّين المتطرفين.

في هذا التصنيف للظاهرة «الترامبية»، يفوت وسائل الإعلام باستمرار أمرٌ واضح. الإدارة القادمة هي في الواقع ملتفّة حول مهمّة رئيسية واحدة: إنها على وشك إعلان الحرب على العالم.

لا تخدعنّكم الكوزموبوليتانية السطحية للرئيس الجديد ومعاونيه. فعلى كل خبرتهم الدولية، يكترث هؤلاء النفر للكوكب بنفس الطريقة التي يهتمّ بها مصورو المواد الإباحية بالجنس. تفاعلاتهم محض تعاملات تجارية، مجرّد وسيلة لغاية. لا يُمكن أن يوجَد نفرٌ أقل إحساسًا بمشاعر الناس في الخارج المُشاركين في الدراما من هؤلاء. الأمر كلّه متعلّق بالمال، المال وذلك الحسّ النافذ بالإخضاع.

نهج إدارة ترامب –عولمة الواحد بالمائة– تنفعهم، حتّى مع تدعيمها للاستثنائية الأمريكية. رؤيتهم العالمية عبارة عن مجرة بعيدة عن ذلك النوع من الدولية الديمقراطية التي تُقدّر الدبلوماسية، وحقوق الإنسان، والتعاون متعدّد الأطراف على مخاطبة مشاكل الكوكب مثل التغير المناخي، وغياب المساواة الاقتصادية. في الواقع، سياسة المشاركة المتبادلة الخارجية هذه هي الواقعة تحت التهديد المباشر. مثل «أوباماكير»، تُريد الإدارة القادمة تمزيق مشروع احتوائي، واستبدال آخر إقصائي به. بفعلها هذا، ستستبدل مجموعة من الدوليين الليبراليين بشيءٍ أسوأ بكثير: كونفيدرالية الأقليّة.

من أجل مثل هذا الإجراء الذي يرفع الأقليّة فوق الأغلبية بصورةٍ جذرية، تحتاج الإدارة القادمة إلى مبرّرات منطقية تتجاوز التأكيدات المستمرّة على خلل الوضع القائم، وعدم فعالية المؤسسات الدولية، وكون الولايات المتّحدة القوة التي لا يُمكن الاستغناء عنها على الكوكب. لا تواجه أمريكا مجرّد أزمة قديمة مثل فشل البنوك، أو الدول الساعية إلى امتلاك السلاح النووية. بالنسبة لشخصٍ مثل دونالد ترامب، ينبغي أن يكون التهديد ضخمًا، التهديد الأضخم قاطبة.

لذا، استعدّوا لصراع الحضارات القادم. يُدير الرئيس الجديد رحى الحرب؛ دفاعًا عن طريقة الحياة الغربية، لا أقل. يهدف ترامب إلى تدمير المجتمع الدولي بهدف إنقاذه، كما لو كان المجتمع الدولي بلدة في جنوب فيتنام في 1968.

في صيف 2010، كانت المشاعر المناهضة للإسلام في أوجها في الولايات المتّحدة. كانت هناك تظاهرات ضدّ مقترحٍ ببناء مركزٍ إسلامي في ولاية نيويورك، ومحاولاتٍ لحرق المساجد في أنحاء الولايات المتّحدة، وتهديدٍ من واعظٍ أصولي في فلوريدا بحرق القرآن. كانت حملة في مراحل البدء لإيقاف المسلمين من تطبيق الشريعة في أمريكا. بحلول نهاية أغسطس (آب)، ازدادت حدّة المواجهات لدرجة أنّ مجلة «تايم» وضعتها على غلافها.  كتبت حينها في كتابي، «الحملة الصليبية 2.0»:

لقد كان صيف الكراهية، والهدف كان الإسلام.

كان الخائفون من الإسلام في ذلك الصيف مضلّلين تمامًا مثل الإرهابيين الذين كرهوهم. مجموعتان من المتطرفين حوّلتا ديانة يُمارسها 1.6 مليار شخص، أغلبهم يبغضون الإرهاب، إلى عدوٍ للحضارة الغربية. وكما وجدت القاعدة  القليل من الأنصار في أمريكا، كان الإسلاميون أيضًا في ذلك الوقت على هوامش المجتمع.  كانت باميلا جيلر، التي قادت الحملة ضد بناء المركز الإسلامي في نيويورك، مدوّنة مغمورة. والرجل الذي أكسب الحملة ضدّ الفرض التخيّلي للشريعة الإسلامية شعبيتها، فرانك جافني، ترأس مركزًا بحثيًّا لم يأخذه أحد على محمل الجد إلا مذيعو الراديو اليمينيين المتطرفين. تيري جونز، الواعظ من فلوريدا، لم يكن يحضر له سوى جماعة صغيرة من المصلّين. كان تمويل صناعة الإسلاموفوبيا جيدًا، لكنّها لم تنتشر جيدًا في دوائر صناعة القرار بواشنطن، بخِلاف القليل من المجانين في الكونجرس. استمرّ المتطرفون في تقديم قصصهم الملفّقة –ومن ضمنها الإسلام السرّي للرئيس أوباما– لكن الإعلام السائد مضى قدمًا (أو هكذا بدا الأمر في ذلك الوقت).

كما اتضّح، لم تختفِ الإسلاموفوبيا إطلاقًا. في 2015، ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتّحدة بنسبة 78%، لتصل إلى مستويات لم تُشاهد منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ومع احتدام السباق الرئاسي في 2016، احتدمت معه تلك الهجمات على المسلمين، وفقًا لإحصائيات موقع هافينغتون بوست، وتحليلات دراسة جامعة جورجتاون. في الأشهر التي تلت انتصار ترامب في نوفمبر (تشرين الثاني)، سجّل مركز قانون الفقر الجنوبي أكثر من 100 جريمة كراهية ضد المسلمين في أنحاء البلد.

ما يجعل اللحظة الحالية مختلفة، هو أنّ الهوامش جيدّة التمويل قد أصبحت التيار العام المتّصل. ما يعلنه المسؤولون القادمون في إدارة ترامب باعتباره حقائق هو ما غمغم به أصحاب نظريات المؤامرة قبل سبعة أعوام. بدأ هذا الهراء الخطير بدونالد ترامب نفسه، الذي قاد بالطبع حركة التشكيك في محل ميلاد الرئيس أوباما حتى ترشّحه للرئاسة. خلال حملته الانتخابية، تعهّد ترامب بإبعاد أي مهاجر مسلم جديد عن الشوائط الأمريكية، وإنشاء سجلٍ بأسماء من نجحوا بطريقةٍ ما في الدخول قبل إغلاق البوابات. وتعهّد بإغلاق المساجد. في مارس (آذار) 2016، في مثالٍ ملحوظٍ على الإسقاط، قال لشبكة CNN إن «الإسلام يكرهنا».

صحيحٌ أن ترامب تعهّد أيضًا بالعمل مع «كل الإصلاحيين المسلمين المعتدلين» في الشرق الأوسط. لكن يبدو أن هذه الفئة تتضمّن بكلٍ أساسي الديمقراطيين السلطويين من أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقادة الانقلابات مثل عبد الفتّاح السيسي في مصر، وحتى مجرمي الحرب مثل بشار الأسد في سوريا. بالنظر إلى الوراء، كان ترامب ليدعم الديكتاتورين صدام حسين، ومعمر القذافي لأنّهما قضيا على الإرهابيين المحتملين بدرجةٍ عالية من الكفاءة. بالنسبة للرئيس الجديد، ما تعنيه كلمة «الإصلاحيين» حقًّا هو القادة المستعدّون لقتل أعداد كبيرة من الناس يتصادف لحسن الحظ كونهم مسلمين. لمَ ينبغِ على الولايات المتّحدة تلويث أيديها؟ يقدّر ترامب، رجل الأعمال دائمًا وأبدًا، قيمة المقاولين.

ومايكل فلين، اختيار الرئيس ترامب لمستشار الأمن القومي، لديه سمعة أسوأ في الإسلاموفوبيا. لقد قارن «الإسلاموية» بالنازة والشيوعية، وسمّاها «سرطانًا شرسًا داخل جسد 1.7 مليار شخص». خلّد فلين أكذوبة تطبيق الشريعة التي زرعها بقوّة فرانك جافني.

في خطاب حالة الاتحاد عام 2002، ربط جورج و. بوش ربطًا سيئ السمعة بين إيران والعراق، دولتين تكرهان بعضهما البعض، في «محور شرٍ » إلى جانب دولة شيوعية مزعومة، وهي كوريا الشمالية التي لها القليل من التعاملات مع أيٍ منهما. في كتابٍ شارك في تأليفه مع مايكل لادين، أحد المحافظين الجدد، خطا ترامب عدّة خطواتٍ إضافية، متخيلًا الإسلاميين المتطرّفين يصنعون شبكة عالمية مناهضة لأمريكا، تربط بين كوريا الشمالية، والصين، وروسيا، وإيران، وسوريا، وكوبا، وبوليفيا، وفنزويلا، ونيكاراجوا.

وهاجم أيضًا ليس «الإسلام المتطرّف» وفقط، وإنما الإسلام بشكلٍ عامٍ، وقذف كلًّا من النبي محمد والقرآن، مجادلًا بأن الإسلام ككلٍّ ديانة لا تتوافق مع الحداثة.

ومهما تكُن الاعتراضات كثيرة على السياسات الخارجية لإدارة جورج بوش الابن، فإن مسؤوليها على الأقل حاولوا التفرقة بين القاعدة، والإسلام. ليسوا مثل فلين، فهو ليس مضطرًا إلى المرور بعملية التيقّن. لكن يمكنكم التيقّن من شيء واحد: لن يكون فلين مجنونًا منعزلًا في إدارة ترامب. أدلى نائبه، ك. ت. ماكفارلاند، بتصريحات ملتهبة مشابهة بشأن الإسلام، وكذلك فعل مايك بومبيو (مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية)، وستيف بانون (الاستراتيجي الأعلى بالبيت الأبيض)، وجيف سيشنز (المحامي العام).

ليس كل مرشّحي ترامب مولعون بالأخبار الزائفة مثل مايك فلين. هناك بعض ظلال الفروق الطفيفة في زمرة الرجال فوق العاديين الذين اختارهم ترامب. لقد بحث المشرعون الديمقراطيون والمعلقون الليبراليون بحثًا يائسًا عن علاماتٍ على أن الإدارة القادمة ليست حلقة ساخرة من برنامج  «ساترداي نايت لايف»، عن «أصوات المنطق» في صفوف مرشحي ترامب. امتدحوا وزير الدفاع جيمس ماتيس، ورؤية البنتاجون التقليدية نوعًا ما للعالم، بينما وزير الخارجية المحتمل ريكس تيلرسون حصل على الدعم من أجل رؤية المدير التنفيذي التقليدية نوعًا ما للعالم.

لكن حتى ماكس وتيلرسون يتشاركان عداءً تجاه الإسلام. على سبيل المثال، خلال جلسة الاستماع الخاصة به بمجلس الشيوخ، زعم تيلرسون زعمًا مضحكًا بأن جماعة الإخوان كانت «عميلة للإسلام المتطرف مثل القاعدة»، مثبتًا أنّه جاهلٌ بالانقسامات داخل العالم الإسلامي تمامًا، مثل دونالد ترامب (الذي قال مرة إنّه لن يُزعج نفسه بمعرفة الفرق بين حماس، وحزب الله حتى يصير ذلك ضروريًّا بشكلٍ قاطع). ويتصادف تزامُن زعم تيلرسون مع آخر تشريعٍ مناهض للإسلام يمر إلى الكونجرس: المحاولة الخامسة في خمسة أعوام لوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. هذه المرة، بدعمٍ من ترامب، وربّما حتى ماتيس، والذي أدلى بتصريحاتٍ ضد «الإسلام السياسي»، ربّما يمرّ التشريع.

الإسلام السياسي، مثل المسيحية السياسية، أو اليهودية السياسية، يتّخذ بعض المواقف الهدّامة، بالأخص فيما يتعلّق بالحريات المدنية، إلا أنّه يمكن أن يكون دافعًا في اتجاه الاستقرار، وحليفًا ضد المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وأيًّا يكن ما تظنّه عن الإخوان المسلمين، فهي ببساطة ليست منظمة إرهابية. في الواقع، وبسبب تركيزها على تحقيق أهدافها من خلال المشاركة في العملية السياسية؛ فقد حازت الجماعة على كراهية الدولة الإسلامية، والقاعدة، وكلّ كيانٍ إسلامي إرهابي آخر حول العالم تقريبًا. وإنّه لمظهرٌ سيئ أمام العالم الإسلامي –والعالم كلّه– ألّا يتمكن مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأمريكية من إدراك تلك الفروقات الأساسية.

الإسلام بالتأكيد هو هدفٌ سهل في مرمى دولة أُطعمت بالملعقة معلوماتٍ مغلوطة عن الموضوع بلا توقّع، لكنّه ليس الهدف الوحيد. إدارة ترامب لديها طموحاتٍ أبعد بكثير.

في نهاية ديسمبر (كانون الأول)، صوّت مجلس الأمن بالأمم المتّحدة على إدانة إسرائيل بسبب سياساتها في بناء المستوطنات على أرضٍ خاضعة للسلطة الفلسطينية. بدلًا من استخدام حق الفيتو، امتنعت الولايات المتّحدة للمرّة الأولى عن التصويت، لتسمح بتمرير القرار  بأربعة عشر صوتًا، مقابل لا شيء. غرّد دونالد ترامب بشكلٍ شبه فوري «الأمم المتّحدة لديها قدراتٍ هائلة، لكنها الآن مجرّد نادٍ يجتمع فيه الناس، ويتحدّثون ويقضون وقتًا طيبًا. يا للحزن!».

في الواقع، من الصعب تخيّل مؤسسة تحظة بـ«أوقاتٍ طيبة» أقل من الأمم المتّحدة. ربّما نفكّر في مجلس الأمن، وروح الرصانة فيه، على أنّها النقيض المُباشر لأحد كازينوهات ترامب. على كلّ عيوبها وتناقضاتها، تُحافظ الأمم المتّحدة على جذوة الدوليّة الديمقراطية مشتعلة، وعلى الإيمان بأن القوانين واللوائح ربّما تكون قادرة على احتواء فوضى الصراعات والمساعدة في حل أكثر مشاكل العالم إلحاحًا. هذا هو ما جلب عليها سخط ترامب، وليس قدراتها الضائعة على حد زعمه.

أول قذيفة في هجوم ترامب على تلك المؤسسة كانت ترشيح نيكي هالي سفيرة الولايات المتّحدة إلى الأمم المتّحدة. لا تتمتّع عُمدة ولاية ساوث كاليفورنيا بأي خبرة في الشؤون الخارجية. اختيارها كان إشارة بالبغضاء، تمامًا كاختيار ريك باري لرئاسة وزارة الطاقة، الوكالة التي عبّر يومًا عن رغبته في تفكيكها. بالنسبة لإدارة تتجنّب الأمم المتّحدة، الاختيار لمنصب سفير المؤسسة يُساوي النفي إلى سيبيريا.

وإن أصبح سفير الأمم المتّحدة السابق جون بولتون الرجل الثاني في وزارة الخارجية –ما زال مرشّحًا للمنصب برغم بعض المعارضة الجمهورية– فإنّه سيضع المؤسسة فورًا في مرمى نيرانه. لم يخفِ بولتون أبدًا عداءه تجاه الأمم المتّحدة، مُعلنًا ذات مرة أن مقرها في نيويورك لن يُضيره فقدان عشرة طوابق. كان بولتون غاضبًا من تصويت مجلس الأمن الأخير على بناء المستوطنات، وحرض إدارة ترامب على الضغط فورًا باتجاه إلغائه. قال: «إن فشل هذا، وهي النتيجة المرجّحة، ينبغي أن نُلغي مساهماتنا في الأمم المتّحدة ربما كليًّا حتى إلغاء القرار».

بالتأكيد، الطريقة الأسهل بالنسبة لإدارة ترامب في سبيل إضعاف الأمم المتّحدة، ستكون ببساطة إطلاق سراح الكلاب النبّاحة المناهضة للدولية في الكونجرس، ممّن يتحرّقون شوقًا إلى قطع التمويل الأمريكي للمؤسسة.  والآن وقد وصلوا إلى سدّة الحكم، توقّعوا من الإدارة الجمهورية أن تستهدف التمويل الموجّه للاجئين (الأمم المتّحدة هي المموّل الأول لوكالة اللاجئين بالأمم المتّحدة)، وصندوق السكان (والذي يتحرّق الحشد المُناهض للإجهاض شوقًا لمحاربته)، وصندوق المناخ الأخضر (طريقة محكمة لإضعاف اتفاقية باريس المتعلّقة بالتغيّر المناخي)، وقوات حفظ السلام (أحد أهداف المراكز البحثية اليمينية). حتى ريكس تيلرسون، والذي تُشيد مؤسسة الأمم المتّحدة بجهوده الخيرية في محاربة الملاريا، بصفته المُدير التنفيذي لشركة إكسون موبيل، سيكون من الصعب عليه التغلّب على المشاعر المناهضة للأمم المتّحدة، والتي يكنّها صقور الموازنة في الكونجرس.

ولا يغيب عن الأذهان أن الأمم المتّحدة تمثّل مصدرًا محتملًا للمقاومة المنظّمة لإدارة ترامب، طريقة يُمكن بها «للآخرين» توليد حراكٍ ضد «الغرب». لكن يتضّح بصورة متزايدة أن ذلك «الغرب» نفسه سيشكّل بعض التحديات بالنسبة للإدارة المقبلة. يكره ترامب بشدّة، على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي. وقد جاهر بدعمه التصويت البريطاني على مغادرته، ودعا قائد حملة «بريكست»، نايجل فاراج إلى حفل التنصيب. وفريقه الانتقالي يفتّش عن استفتاءات المغادرة التالية من أجل دعمها. وقال ترامب قولًا مشؤومًا في مقابلة أجرتها صحيفة التايمز اللندنية مؤخرًا: «أعتقد فعلًا أن المحافظة على تماسك الاتحاد الأوروبي لن يكون بالسهولة التي يظنّها الكثير من الناس». مثل الأمم المتّحدة، يمثّل الاتحاد الأوروبي قيم الدولية الاحتوائية، سواءً من ناحية استعداد ألمانيا لاستضافة اللاجئين السوريين، أو جهود بروكسل لحلّ النزاعات في إقليم يوراسيا والشرق الأوسط.

في تحرّقها إلى تفكيك الدوليّة، لن تستهدف إدارة ترامب المؤسسات مثل الأمم المتّحدة ،والاتحاد الأوروبي، وفقط. ستستهدف أيضًا بالتدمير المنجزات الدبلوماسية لإدارة أوباما، ومن ضمنها الاتفاقية النووية الإيرانية، والانفراجة في العلاقات مع كوبا. ستسعى الإدارة إلى إضعاف القيم الليبرالية بكل أنواعها، من دعم حقوق الإنسان، والتعدد الثقافي إلى مقت التعذيب. تتحرّك كرة هدمٍ تحمل اسم ترامب عليها من أجل تدمير بيت الدوليّة الذي عمِل إليانور روزفلت، ورالف بانش، وجودي ويليامز، وجيمي كارتر، وآخرون كثيرون بكدٍ من أجل بنائه.

لكن، وكما هو الحال مع أي مطوّر عقاري، ليس ترامب مهتمًا فقط بهدم المبنى القديم، إنّه يُريد بناء شيءٍ كبيرٍ ومبهرج مكانه.

أوّل جبهات حرب إدارة ترامب من أجل استعادة العالم ستكون بالطبع ضد الإسلام، والذي من المتوقّع أن يتخطّى المسيحية ليصبح أكبر ديانات العالم في النصف الثاني من القرن الواحد والشعرين. من الحملات الصليبية إلى الحرب ضد الإمبراطورية العثمانية، نشأ مفهوم «الغربية» في مواجهة الإسلام. لذا فهناك بعض المنطق المنحرف في أن يستعيد ترامب ذلك التقليد العريق في إنشائه؛ لدفاعه المُفترض عن الحضارة الغربية (أي الأمريكية).

ستيف بانون، المستشار الخاص لبيت ترامب الأبيض، والذي صنع من «بريتبارت نيوز» بوقًا شعبيًّا لليمين المتطرّف، يشعر بأنه في منزله وسط هيكل صراع الحضارات هذا. كتب بانون: «نحن في حربٍ صريحة ضد الفاشية الإسلامية الجهادية»، حركةٌ ترغب في «المحو التامّ لكل شيء توارثناه على مدار الأعوام الألفين، أو الألفين وخمسمائة الأخيرة». يُمكن أن يعتمد ترامب على آخرين في إدارة ترامب متحمّسين مثله تمامًا لشنّ مثل هذه المعركة الأسطورية، ومن ضمنهم نائب مستشار  الأمن القومي المُرتقب ك. ت. ماكفارلاند، الذي يعتقد بأن «الجهاد الإسلامي العالمي في حربٍ مع كل الحضارة الغربية».

لكن بانون وزمرته «الترامبية» لا يركّزون فقط على الإسلام. فكّروا في الحرب على الدين على أنّها فقط مُشكلة مُقحمة بالنسبة لهم. بعد مُشاهد تسعة أفلام أخرجها معلّم اليمين المتطرّف على مدار الأعوام، لخّص الصحفي آدم رين رسالة بانون في مجلة «بوليتيكو» بهذه الطريقة.

الحضارة الغربية كما نعرفها تتعرّض لهجومٍ من قواتٍ شيطانية أو أجنبية –الفرق بينهما غير واضح– والناس في مراكز القوى البعيدة يتطلّعون إلى تدميركم.

يكره بانون الإسلام، لكنه يرى أن العالميين يمثّلون الخطر الأكبر. يقول: «أنا لست قوميًّا أبيض. أنا قومي. أنا قومي اقتصادي. العالميون انتزعوا أحشاء الطبقة العاملية الأمريكية، وصنعوا طبقة وسطى في آسيا. المُشكلة الآن تتمحور حول الأمريكيين في تطلّعهم إلى تفادي الأذى». وفقًا لمنتقديهم، العالميون نخبة ليبرالية انتفعت من التجارة الحرة، ودفعت في اتجاه التعددية الثقافية، وتشابكات أيدي أفرادها مع نظرائهم في كل بقاع العالم في اجتماعاتٍ سرية، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، ومؤسسات مثل الأمم المتّحدة. يبغضون التقاليد الوطنية، ويحطّون من قدر القيم الدينية (المسيحية). وكونهم ملتزمين باللياقة السياسية، فإنهم يكترثون فقط للأقليات، وليس الأغلبية. يُريدون تمزيق الحدود من أجل ملء جيوبهم. العصبة المسؤولة عن «المجزرة الأمريكية» تنضم إلى قائمة طويلة من الجماعات المتآمرة التي سمّمت الجسد السياسي. إنّها مسألة وقتٍ قبل أنّ تنتشر «بروتوكولات حكماء علمون» انتشارًا واسعًا على مواقع الأخبار الزائفة.

لكن ألا يقع ريكس تيلرسون، المدير التنفيذي لشركة طاقة كُبرى، أو توابع مجموعة جولدمان ساكس ممن سينضمون إلى إدارة ترامب، تحت تصنيف العالميين؟ بالتأكيد هؤلاء المرشّحون واقعون في حب التجارة الحرة، والتعديلات الهيكلية التي يُجريها صندوق النقد الدولي، ومؤسسات أخرى من مؤسسات العولمة الاقتصادية. هُنا يأتي بانون. هو المُعادي اليميني لفريدريك إنجلز، الصناعي الذي دعم كارل ماركس في توليد الشيوعية. كل نخبة حاكمة جديدة تحتاج عددًا من الخونة المستعدّين لعض أيادي النظام السابق التي أطعمتهم. وكونه قد عمِل في جولدمان ساكس قبل أن يضع وقته في هوليوود وبريتبارت، يطمح بانون إلى تحويل عمالقة الصناعة والمال إلى قوميين يضعون أمريكا في المقدمة.

إنّه أمرٌ مختلف أن تنتقد الدولية الليبرالية بسبب تركّز الثروة، والامتيازات السياسية، والعجرفة الثقافية. لست في حاجة إلى أن تكون من منظّري المؤامرة لتجد العوار في الاقتصاد العالمي الذي يُدار وكأنه كازينو. لكن ترامب وبانون والآخرين ليسوا مهتمّين بزيادة جرعة الديمقراطية في العولمة. إنّهم يريدون خلق دوليّة جديدة تخصهم. انظروا إلى الأمر على أنّه عولمة الواحد بالمائة الجديدة، من المسيحيين المحافظين الخاضعين للمطالب القومية. وعلى الرغم من أنّها تلقى صدىً واسعًا لدى الأغلبية الصامتة، فإن العولمة 2.0 لن تنفع إلا شريحة أضيق من النخبة. الأكثر من ذلك، أن ترامب وبانون يحشدان بالفعل داعمين دوليين للعولمة الجديدة، رموزًا مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمتأمّلة في الرئاسة الفرنسية مارين لوبان، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

بوتين هو مسمار العجلة في هذا الاتحاد الدولي القومي. في 2013، رسم الزعيم الروسي أجندة توقّعت حملة ترامب بكلّ غرائبها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل