المحتوى الرئيسى

عاكف مرشداً عاماً

01/26 22:02

هذا هو المقال رقم (١٤) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نتناول جملة من المفاهيم المهمة والضرورية قبل الشروع فى الحديث عن الفترة التى شهدت تولى محمد مهدى عاكف منصب المرشد العام، والتى مهدت لصعود الجماعة إلى الهاوية.

(١) إن أهم الضمانات المطلوبة لنجاح أى حزب أو جماعة أن يتوافر لديها قيادة واعية، حكيمة، راشدة، حاسمة، حازمة، ذات أفق واسع، ونظرة ثاقبة، وفهم دقيق، وإيمان عميق، صاحبة علم وفقه وحسن تقدير وتدبير للأمور، تجيد الإنصات، وتنتقى الكلمات، وتختار الميقات.. وقيادة على هذا النحو تسمو بالجماعة إلى أرقى الدرجات، فهى تسوسها برفق، تهديها إلى طريق الفلاح والنجاح، تنجو بها من المهالك، تتخطى بها العوائق، وتصل بها إلى بر الأمان.. لا تستقل برأيها، ولا تقسو على من حولها «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران: ١٥٩)، كما أنها تعمل على وحدة الصف، وإقالة العثرات، وتحرى الصدق فى القول، وإقامة العدل «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» (الأنعام: ١٥٢).. ومن الثابت تاريخياً وعلمياً وواقعياً أن هناك توافقاً بين نوعية القيادة وطبيعة الأفراد؛ بمعنى أن الأفراد الصالحين تقودهم قيادة صالحة، والعكس صحيح، إلا فيما ندر.. وقد قيل «كيفما تكونوا يول عليكم»، وقيل أيضاً «إن الشعب يأتيه الحاكم الذى يستحقه».. وسواء جاء هذا الحاكم أو القيادة بطريقة ديمقراطية حقيقية أو بطريقة فرضية قسرية، فالمثال صحيح.. ففى الأولى تكون القيادة ترجمة وانعكاساً لثقافة الأفراد ووعيهم، وفى الثانية تكون القيادة تجسيداً لتخلف الأفراد وغفلتهم.

(٢) إن الاهتمام بالشعوب (أفراداً وجماعات)، ثقافة وأخلاقاً وسلوكاً، أمر ضرورى، إذ منها تخرج القيادة.. نحن كثيراً ما نقرأ عن عظمة وعبقرية عمر؛ وهى حقيقة لا جدال فيها، لكننا ننسى عظمة وعبقرية الرعية فى عهده، التى كان من تجلياتها تلك الكلمات: «والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا».. فيرد عمر العظيم، قائلاً: «الحمد لله الذى جعل فى أمة عمر من يقوم عمر بسيفه إذا اعوج».. لذا، وجدنا الإمام على عندما سأله أحدهم: لم كثرت الفتن فى عهدك، ولم تكن فى عهد عمر، فيجيب: لأن عمر كان يحكم من هم مثلى، أما أنا فأحكم من هم مثلك.. لقد عايشنا عن قرب قيادات كثيرة فى جماعة الإخوان، ورأينا كيف كانوا يتكلمون ويتصرفون فى المواقف المختلفة.. صحيح، كان لكل شخصيته وطبيعته، وقدراته وإمكاناته، لكن كانت هناك سمات عامة مشتركة بين الجميع.. لقد عركتهم المحن وصقلتهم التجارب، فهم يفكرون قبل أن يتكلموا، يضعون فى حسبانهم واعتبارهم -وهم يتحدثون إلى الرأى العام- كل ألوان الطيف السياسى، ونظم الحكم فى الداخل والخارج، وأفراد الصف من الإخوان، على اختلاف قدراتهم وإمكاناتهم ومستوياتهم.. إذ، لكل فئة أو شريحة من هؤلاء أو أولئك فهمها واستقبالها لما يقال، وردود أفعالها، حيث إن أى خطأ فى عبارة أو كلمة قد تكون له عواقبه الوخيمة وانعكاساته السلبية على الجماعة ككل.. وقد رأينا شخصاً كعبدالرحمن السندى (مسئول النظام الخاص) كيف فهم كلمات «البنا» التى قال فيها عن القاضى أحمد الخازندار عقب إصداره حكماً ظالماً على بعض الإخوان: «يعنى ربنا ما يخلصناش من الرجل ده»، على أنها أمر من «البنا» له بالتخلص من القاضى الخازندار، فتم اغتياله بعد خروجه من منزله!!

(٣) إن الضعيف أمير الركب، كما جاء فى الحديث.. والضعف له صوره المتعددة؛ فقد يكون فى ضعف الإيمان، أو قلة العدد، أو تشرذم الأفراد، أو نقص العلم، أو عدم الإدراك.. إلخ. ومعنى هذا أن على القيادة قبل أن تتخذ قراراً بخوض معركة مع الخصوم، أن تستكمل عدتها وتسد ثغراتها وأن تتمهل فى سيرها وأن تتجنب مواجهة ليست مؤهلة لها، وقد تكلفها ما لا تطيق أو تحتمل؛ خاصة إذا كان هؤلاء الخصوم ليس لديهم خطوط حمراء.. إن القيادة الحكيمة الراشدة لا تنخدع بحماس جماهيرها، ولا تنقاد لصيحاتها وهتافاتها، ولا تتأثر بانفعالاتها.. كما أنها لا تسعى لدغدغة عواطفها أو هدهدة مشاعرها؛ خاصة فى تلك المواقف التى تتطلب حرصاً وحذراً.. ولأن هذه النوعية من القيادة لها حساباتها ورؤيتها وتقويمها للأمور، فهى تعرف جيداً كيف تختار الموقف المناسب فى الوقت الملائم، ومتى تتقدم ومتى تتأخر.. كما أنها تعرف قدرات وإمكانات خصومها، ومشروعاتهم ووسائلهم وأدواتهم وأهدافهم.. وغنى عن البيان أن الجماهير -أى جماهير- تريد قيادة مقاتلة، تعرف كيف تستخلص لها حقوقها، بغض النظر عن تورطها من عدمه فى معارك لا تتحمل هى تبعاتها.. وقد علمتنا تجارب الأيام أن الجماهير المتحمسة هى أول من يفر من الميدان، وأول من يتبرأ من القيادة حال فشلها، بل هى أول من يلقى اللوم عليها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل