المحتوى الرئيسى

انتفاضة «الحرامية» أم ثورة الغلابة؟ | المصري اليوم

01/26 00:07

شاهدنا فى جيلنا انتفاضات وانقلابات وثورات يصعب التمييز بينها بدقة. البعض بقيادة الحركة الطلابية. والبعض الآخر بقيادة الجيش. والبعض الثالث بواسطة الشعب. والغالب عليها الحركة الطلابية مثل اللجنة الوطنية للطلبة والعمال فى 1946 ضد الاحتلال البريطانى والقصر. ومنها الحركة الطلابية فى 1968 بعد هزيمة يونيو 1967، احتجاجا على ما سُمى فى ذلك الوقت أحكام الطيران. فقد كان ضرب الطيران على الأرض. وكان القائد العام للقوات المسلحة معلقا فى الفضاء. وكانت أحكام قادة القوات الجوية مخففة للغاية ولا تساوى حجم الخسارة، الهزيمة فى الحرب، مما أثار حفيظة الطلاب فى مارس 1968 لأسباب داخلية محضة، وليس لأنها جزء من ثورة الشباب العالمية فى نفس العام، احتجاجا على النظام الرأسمالى الغربى والحياة الغربية بوجه عام. ومنها اعتصام الطلاب عام 1972 فى ميدان التحرير، احتجاجا على استمرار احتلال إسرائيل لسيناء والادعاء بتجهيز الحرب، ولا حرب فى الأفق. وكانت الثالثة ضد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، والحكومات العربية لا تتحرك. بل منها من ساعد الغزو الأمريكى بإطلاق صواريخه من أرضها أو من مياهها الإقليمية.

ومنها ثورة الجيش بقيادة الضباط الأحرار فى يوليو 1952، وقد اختلف وقتها ثورة أم حركة أم انقلاب؟ وقد استقر على لفظ الثورة نظرا لما حمله الضباط من مبادئ ستة: القضاء على الاحتلال، والإقطاع، والملكية، والتحقيق فى هزيمة فلسطين، واغتيال حسن البنا، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة. إلا أن المبدأ السادس، إقامة حياة ديمقراطية سليمة ما زال متعثرا حتى الآن. ونحن ما زلنا فى عصر الثورة بعد سبعين عاما.

ومنها ما حدث فى 30 يونيو- 3 يوليو 2013 عندما قام الشعب بانتفاضة ضد الحكم الدينى الذى شفط الدولة واستقلالها فساندها الجيش. واختلفت عليها التيارات السياسية، ثورة أم انقلاب؟ كانت المبادرة فى 1952 للجيش وساندها الشعب. ثم كانت المبادرة فى 30 يونيو 2013 للشعب وساندها الجيش.

ثم كانت أخيرا ثورة الشعب كما حدث فى 1919 عندما تحركت جميع طوائف الشعب تلقائيا نحو القصر. وزادت مطالبها تدريجيا من الاقتصاد، الفقر والفساد، إلى السياسة، استقالة الرئيس أسوة بثورات الربيع العربى أولا فى تونس ثم مصر ثم العراق ثم ليبيا. ومازالت دائرة فى سوريا واليمن. وكانت بلا قيادة واضحة أو تنظيم سياسى عصب للثورة، وإن كانت المطالب واضحة، المبادئ الأربعة: الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. ثم حدث ما حدث فى مصير الثورة بين الإسلاميين والعسكريين وما زال الصراع على السلطة دائرا حتى الآن.

وقامت انتفاضة الأمن المركزى فى يناير 1986 ضد التفاوت الطبقى، فمجند الأمن المركزى يتقاضى حوالى أربعة جنيهات شهريا ويحرس الفنادق الكبرى. وينظر داخل الزجاج فيجد الموائد الممتدة لرجال الأعمال والأغنياء وهم يأكلون ما لذ وطاب فيجرى لعابه من الحرمان. ولا يدرى هل يطيع رؤساءه أم يثور على وضعه؟ فثار. ثم جاء الجيش وقضى على ثورة الأمن المركزى فاختار طاعة الرؤساء وليس ثورة «الغلابة».

وأهم ثورتين شعبيتين هما ثورة 17- 18 يناير 1977، وثورة يناير 2011، مقدماتهما ونتائجهما، فبعد انتصار الجيش فى أكتوبر 1973 واكتسب الرئيس المغدور شرعية جديدة انقلب على الناصرية فى 1974، وأصدر قانون الانفتاح الاقتصادى الذى يعنى الاقتصاد الحر بعد أن تخلص من الناصريين فى الجيش والحزب والشعب فى 15 مايو من نفس العام، وبدأ التحول من الاشتراكية إلى الرأسمالية. فالرأسمالية ليست جريمة. وشعارها «اكسب واجعل الآخرين يكسبون». ثم تطور هذا الشعار فى عصر الرئيس المخلوع «اسرق واجعل الآخرين يسرقون». فقامت ثورة الشعب بكل طوائفه خاصة الغلابة من الإسكندرية إلى أسوان خاصة شارع الهرم بالجيزة، رمز الغنى والكباريهات، يقتحمون الجمعيات التعاونية. ويأخذون قوت الشعب بالقوة، والشرطة لا تفعل شيئا لأنها شرطة الشعب وليس النظام. واستعد الرئيس للهروب بطائرته من أسوان إلى طهران عند صديقه الشاه. أما ثورة الغلابة فى 11/11 فلم تبلغ هذه القوة. فالناس خائفة. والأمن المركزى والشرطة والجيش مجندون من الإسكندرية إلى أسوان. فالميادين مغلقة مثل الميدان- الرمز، ميدان التحرير، والسلاح مشهر. ولم تنضم كتلة الحركة الإسلامية بكامل ثقلها إليها. ولم يستشهد أحد إلا القبض على بعض المئات طبقا لقانون التظاهر الذى تعاد صياغته الآن، لأنه ضد حرية التعبير. كان الجيش ضد الشعب فى يناير 1977. لذلك لم تستمر الثورة طويلا إلا يوماً وليلة. وكان الجيش مع الشعب فى يناير 2011. لذلك استمرت حوالى أسبوعين حتى استقال الرئيس المخلوع. وكان الجيش محاصرا للشعب فى ثورة الغلابة 11/11 بدعوى استقرار الأمن، ومنع انتشار الفوضى حتى لا تصبح مثل سوريا والعراق واليمن. وفى كلتا الحالتين كان السبب غلاء الأسعار، ورفع الدعم، وسوء الأحوال الاقتصادية. فالشعب يبحث عن قوته. وينتزعه من يد السارقين والفاسدين. مع أن الرئيس المغدور سمى ثورة يناير 1977 ثورة «الحرامية». وكانت النتيجة خوفا من الشعب وحتى لا تتكرر ثورة يناير 1977 من جديد أن يبحث عن أحلاف خارجية بعد التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. فزار إسرائيل فى نوفمبر 1977 نفس عام الثورة. وعقد معاهدة كامب ديفيد فى 1978 ومعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 حتى تم اغتياله بعد استبعاد المعارضة من وظائفها، أساتذة الجامعات، الصحفيين، الأنبا شنودة، محمد حسنين هيكل وغيرهم فى سبتمبر 1981 حتى تم اغتياله فى 6 أكتوبر من نفس العام.

لم يكن لثورة الغلابة فى 11/11 هذه القوة ولا هذه النتائج التى كانت لثورة يناير 1977. كانت فقط أن الشعب لم يعد قادرا على تحمل النظام. فكان من ضمن الشعارات المناداة بإسقاطه. هى مقدمة لثورة الجياع التى قد تأتى فيما بعد، ومؤشر للدولة على أن الجيش قد يقف مع الشعب فى المرة القادمة كما فعل فى ثورة 2011. وظهور المشير طنطاوى فى ميدان التحرير الذى ما زال يحظى باحترام الشعب مثل الرئيس محمد نجيب فى أوائل ثورة 1952، وأن البديل موجود وليس الفوضى. أصبح الشعب يعبر عن نفسه علنا بالكلام بعد غلاء الأسعار، ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والغاز والمياه. وقد لمس الغلاء قوت الحياة اليومية بما فى ذلك الفول والطعمية، قوت الشعب. وقد تتحول الأقوال إلى أفعال. وقد تمرن الشعب على المعارضة فى الشوارع والميادين. ونفض عنه حالة الإحباط والتشاؤم التى حلت به بعد ما حدث لثورة 2011. ثورة الغلابة هى مجرد «بروفة» لثورة الجياع. لم تعد فزاعة الإخوان يصدقها أحد. فقد قام الشعب بكل اتجاهاته فى يناير 1977 كما قام فى يناير 2011 دون أن تكون الحركة الإسلامية هى الموجه الرئيسى بل الشعب الكادح الذى لم يعد قادرا على نفقات قوت يومه. عادت الثقة للشارع، وأنه أصبح قادرا على تجنيد قوى الدولة لتقف أمامه دون أن تطلق النار إلا الرصاص المطاطى.

ولدت ثورة «الحرامية» فى يناير 1977 نتائج سياسية فى الاعتراف بإسرائيل وهى ما زالت تحتل الضفة الغربية والجولان. كما ولدت ثورة يناير 2011 نتائج إيجابية فى خلع الرئيس. وولدت ثورة الغلابة نتائج إيجابية أخرى فى الجهر بالنقد، وتكوين لجان الإفراج عن المعتقلين من الشباب ما عدا المعتقلين السياسيين والإخوان. خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، وتجاوز السلطة القضائية فى الاعتقال والإفراج إلى السلطة التنفيذية، سلطة الرئاسة.

ثورة يناير 1977 كانت بالقلوب والأقوال والأفعال مثل ثورة يناير 2011 فى حين أن ثورة الغلابة فى 11/11 كانت بالقلوب والأقوال دون الأفعال. فهى البداية، وليست النهاية. ويظهر جيل جديد من القادة الثوار يتجاوز القيادة الحزبية القديمة، وقادر على جذب الغلابة إليها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل