المحتوى الرئيسى

في حوار سابق لمصر العربية.. سيد حجاب يتحدث عن ذكرياته مع الاعتقال والإخوان

01/25 20:22

راهن على الحياة فكتب للدراما وراهن على المستقبل فكتب للأطفال ، صلبت أحلامه ظهره كما وصفها في تتر المال والبنون، حالمًا بجنة للإنسانية يعيش بها الناس بطيبة وبصفو نية، صرخ من جروح أخر الليل بلهجة صعيدية في مسلسل الليل وأخره، وجه عتاب شعري للزمن في مسلسل ليالي الحلمية ﻷنه لم يتركنا أبرياء، وصف الصديق بأنه كنز الأيام وتحويشة الحياة، إنه سيد شعراء العامية الشاعر سيد حجاب.

التقت "مصر العربية" بالشاعر الراحل سيد حجاب قبل رحيله، ليحكي عن ذكرياته مع رفيق دربه عمار الشريعي، والشاعر صلاح جاهين، ويخبرنا عن مشاريعه القادمة، معربًا عن أمانيه بأن تغني فيروز أشعاره.

تعكس نوع من التقدير، وأفرح بها أكثر من أي تكريم أخر.

أشعر عندها أن العمر لم يذهب هدر، ويزداد إيماني باالآية الكريمة التي تقول "فأما الزَّبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

ومن الأشياء المدهشة التي حدثت بالنسبة لي أنه في عام 2009 أصدرت قصيدة اسمها " قبل الطوفان الجاي" كنت أحاول أن اقرأ خلالها أحوال القرن الواحد وعشرين، وأنه سيشكل بداية جديدة للشرق الأوسط بهزيمة المشروع اﻷمريكي لتفتيت المنطقة، وكنت أقول عن الشباب "شباب ﻻ يغويها دهب وهاج.. وﻻ تنتفض من الكرباج"، وعندما إندلعت ثورة 25 يناير قابلت كثير من الشباب مبتهجين قائلين لي "أنت اللي بشرتنا يا عمنا بالكلام ده"، وهذا كان أجمل إحساس بأن الكلمة نورت سكة للآخرين.

كأي شاعر بدأت بتقديس الفصحى والنظر باستعلاء للعامية، ففي سن 11 عام كتب أول قصيدة بحياتي وكانت بالفصحى، وتقدمت للحياة الأدبية في عمر 16 عام في "مجلة الرسالة الجديدة" والتي كان يشرف عليها الشاعر "فوزي العنتيل"، ثم بعدها بقليل قدمني محمد مندور في برنامج "كتابات جديدة" والتي كانت تقدمه سميرة الكيلاني، قدمني بمجموعة قصائد واحتفى بي حفاوة شديدة ، ثم بعد ذلك قدمني الدكتور عبدالقادر القط في مجلة الشهر التي كان يصدرها سعد الدين وهبة بقصيدة في صدر العدد اسمها "ثلاث أمنيات إلى البعيد"، تقدمت كشاعر فصحى.

بعد أن تقدمت للحياة الأدبية بشعر فصحى قدمني جاهين بكلمات حملتني مسؤلية طوال العمر، حيث قدمني في باب كان يكتبه اسمه "شاعر جديد يعجبني" في مجلة صباح الخير

فقال:”عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد ﻻ تُلبيني إلا الكلمات العاطفية، وإذا كان هناك حب من النظرة الأولى فقد أحببت شاعرنا هذا من الشطرة الاولى..تذكروا شاعرنا هذا فسيكون له مستقبل"وحاولت بقدر الإمكان أن أكون قدر المسئولية.

وعندما اقتربت منه قدمت له عبدالرحمن الأبنودي وهو قدم الأبنودي، كنا مجموعة كبيرة من شعراء العامية حول صلاح جاهين، ونحن من أسسنا العامية المصرية الحديثة.

التقيت مع الشريعي عام 1977 جمعت بيننا صديقة مشتركة، ومن أول لقاء أدركت أنه سيكون رفيق العمر والمشوار القادم، وأول ما بدأت صداقتنا انتجنا أعمال لمزاجنا الشخصي، وكان من بينها مجوعة الأطفال التي غنتها عفاف راضي فيما بعد، وأغنية حبيبتي من ضفاريرها طل القمر، وظلت تلك الاعمال حبيسة الادراج إلا أن جاء وقتها.

وفي عام 1978 عُرض علي كتابة مسلسلين وهم "بابا عبده" و"الأيام" رشحت عمار لهم ، وكانت بداية عملنا كمحترفين، تلك العلاقة التي امتدت لفترة طويلة والآن أنا أفتقده كثيرًا.

أي عمل كتبته بذمة وضمير فهي حبيبة لقلبي، وكل أعمالي كتبتها بذمة وضمير.

كتبت للدراما ﻷنها رهان على الحياة، واﻷطفال ﻷنه رهان على المستقبل، والشائع عن كتابة الأطفال أنها سهلة ولكنها أصعب بكثير ﻷنها تقتضي معرفة دقيقة بمراحل العمر معرفة تربوية، وامتلاك كامل للأدوات الشعرية، ومطلوب فيها الإحتفاظ ببكارة المشاعر وبراءة الأحاسيس التي تمس الطفل.

أي شاعر يمر بتأثرات عديدة فكما قيل أن "الأسد عدة خراف مهضومة" فأي شاعر جديد في بداياته يكون مفتوح على كل التأثرات ولكن بعقل يقظ، وأنا انفتحت على تراث الشعر العربي مثل "المتنبي، أبو العتاهية، أبو تمام" ، وصولًا لمدرسة شوقي بيه وحافظ إبراهيم، ثم مدرسة أبو اللو، ثم المدارس المعاصرة مثل صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي، تعلمت من كل واحد منه شئ هضمته جيدًا وأخرجته بمذاقي الشخصي.

الصوت الوحيد الذي افتقد أدائه لتعبيري صوت فيرز ولم تشأ الظروف أن نقترب، ففيروز من معشوقات صبايا.

أنا خارج هذا السباق منذ الثورة، وبالأساس كان ﻷني أنشغلت بأمور خاصة بالشأن العام، كما تغير المناخ الإنتاجي الذي ينتج الدراما المصري، فكان التليفزيون المصري بأجنحته هو الرائد للإنتاج، وفي هذه الفترة كان هناك جيل عبقري على مستوى المؤلفين والمخرجين بجوار شعراء والملحنين.

والآن استقالت الدولة عن أعمالها الريادية في السينما والتليفزيون وترك المجال للمنتج الخاص، فظهر نوع من عشوائية التفكير وعدم الإدراك الكامل لإحتياجات السوق، وهناك نوع من النزوع لمخاطبة ما هو غريزي ومتخلف في النفس المصري.

الأمر يرجع لمرحلة ارتباك اجتماعي نعيشها منذ أربع سنوات، حيث أن هناك فكر وقيم تحاول أن تجد لنفسها مكان على الساحة، ويُصدر إلى المتلقي أمور فارغه ﻻ تحمل قيم إنسانية.

الامتلاء بالحياة وعشقها والإيمان بعبقرية الشعب كان الدافع الملهم الدائم لي.

إذا لزم الأمر لبس قناع شخصية ما فأقوم بذلك، و كتبت شعر بالعامية المصرية الصعيدية لأني قارئ جيد وحافظ للكثير من الأشعار الفلكورية الصعيدية، كما كتبت باللهجة الإمارتية في أحد المسرحيات، بعد أن أطلعت على مجموعة دواوين لشعراء الخليج منه الشيخ زايد، ومقتضيات الدراما تستلزم نوع من اتساع الدائرة اللغوية التي يتحرك بها الشاعر.

كنت في تنظيم يساري، أنضممت له في إبريل عام 1959، وهذا التنظيم كان يرى أن ما يحدث في مصر رأسمالية وليست اشتراكية، وكان مطالبنا الديمقراطية، وأُعتقلنا في عام 1964 ﻷننا صممنا على أنه من حق الجماهير أن تحتفظ بتنظيماتها المستقلة، و الاعتقال والشدائد والهموم مثل النار التي تظهر المعدن الحقيقي .

هي كانت فترة طفولية وﻻ أندم عليها، لاني استخلصت الدروس من التجربة بصدق وإخلاص وأنا انضميت للإخوان وأنا في سن 11 عام وتركتهم في عمر 14، وكنت من أشبال الدعاة، وكنت مُكلف بتوزيع منشور ضد إتفاقية الجلاء لسنة 1954، وكل جيلنا اتربى على فكرة الاستقلال التام أو الموت، واكتشفت أنهم يعارضون إتفاقية الجلاء، فتركت المنشور ورحلت عن الجماعة.

أتابع حركة الشعر بشكل عام، والشاعر الشاب مصطفى إبراهيم من الشعراء الذين أتابعهم دائمًا، وهذا شاعر يبدو أنه صاحب مشروع شعري كبير، وننتظر أعماله.

دائما تكون القوى الناعمة تعبير عن قوى صلبة للمجتمع، بمعنى اقتصاد سليم ومجتمع متماسك، وأقوى تأثير بلغته القوى الناعمة كان أيام مشروع عبدالناصر للوحدة العربية بأن هناك مجتمع متماسك وبالتالي في هذا الوقت كان للسينما والدراما والغناء المصري تأثيرهم، فمثلًا كانت أم كلثوم تجمع العرب وكذلك الدراما، ولكن حين يتراجع المجتمع تتراجع دور قواه الناعمة.

في 25 يناير أسقط الشعب منظومة القيم الفاسدة السائدة سابقًا وأسس لثقافة جديدة وبجوار الثورة السياسية والاقتصادية كان هناك بذور ثورة ثقافية تُلقى في الميادين، ونحن لدينا جيل جديد يشق طريقة لصنع ثقافة جديدة، وهذا الجيل يصارع من أجل البقاء والنصر محتم له.

الثورة ليست زر نور نضغط عليه فيضئ، وإنما هي عملية صراع وجدل طويل، والشباب قادر على ابتكار أساليب جديدة، و الشباب عصي على الكسر، وسيواصل مسيرته لبناء مستقبل جديد لمصر ، برغم كل الإحباطات التي تسد عليه الطريق.

وﻻ حد يقدر يوقف بكرة في السكة

وﻻ حد يقدر يرجع بكرة ﻹمبارح

شبابنا طالع وباقي على الظلام تكة

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل