المحتوى الرئيسى

العالم أجمل .. بدون رجال الدين والسياسة

01/25 19:34

قد يراها البعض علي طريقة مصادفات الأفلام الهندية٬ إلا أنها قصة حقيقية دارت أحداثها إبان حرب الخليج الأولي أو ما عرف باسم الحرب العراقية الإيرانية والتي نشبت من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988.

من قال إن الحياة لا تحمل بين طياتها عجائب مدهشة قد نراها أغرب من الخيال الذي لا يحدث فقط إلا في الحواديت أو الأفلام والروايات؟!، وإن كانت حكاية الجندي العراقي والأخر الإيراني لهي أوضح دليل علي أن الواقع الحياتي المعاش قد يحمل من القصص والحكايات ما يفوق الخيال في غرائبيته ودهشته.

ففي الفيلم الوثائقي الذي أنتجته صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية قصة تحمل بين طياتها حكاية مصادفة تجمع بين الجنديين بعد مرور ثلاثين عام علي لقائهما الأولي في ساحة الحرب الدامية التي دارت بين البلدين مخلفة ورائها أكثر من مليون ونصف شخص من الجانبين.

يفتتح الفيلم بالجندي العراقي ناجح في مطبخ منزله بالمهجر حيث يعد قهوة الصباح قائلا: يقول زاهد : لقد كلفتني هذه القصة ١٧ عاما من حياتي، كنت أبلغ من العمر ١٨ أو ١٩ سنة تقريبا عندما اندلعت الحرب بين العراق وأيران، لقد غيرت الحرب حياتنا، كنت أعيش حياة سعيدة، في الماضي كنت أمتلك مطعما أعمل فيه ما بين ١٣ إلي ١٤ ساعة في اليوم، كنت أحب عملي جدا، وكانت لدي حبيبة رائعة أحببتها وهي أيضا أحبتني، كانت حامل بطفلنا عندما إلتحقت بالجيش.

قلت لها : إسمعي لا يمكنني القيام بشيئ أو فعله إلا بعدما تنتهي الحرب، وفي كل مرة كنت أعاهدها بأنني سأتزوجها حينما أعود بعد إنتهاء الحرب، كنت أقول لها: إمهليني شهرين وسنتزوج٬ كانت تبكي ولم يكن لديها ما تقوله أو ترد به علي.

لا أحد يحب الحرب، ولا يوجد أي إنسان يحبها٬ لكننا لم نكن نملك أي خيار، في العراق قال لنا الطاغية "صدام حسين":( ستقتلون أنتم وعوائلكم يقصد أسركم أو عائلاتكم) لذا لم يكن لدينا أي إختيار.

يبتعد زاهد تاركا مجال الكاميرا للجندي الإيراني"ناجح": كنت في الثالثة عشرة والنصف من عمري عندما إلتحقت بالجيش الإيراني٬ كان والدي يسيئ معاملتي ويتعدي علي بالضرب٬ لذلك قررت الفرار من المنزل والإلتحاق بالجيش. تراودني الكوابيس وأحاول أن أنسي كل شيئ٬ لكنني لا أستطيع لأن ذكريات تلك الحرب وأهوالها ما زالت باقية في ذهني ربما إلي الأبد. كل يوم كنت أشاهد الكثير من الجثث٬ كانت مهمتي في الجيش هي القيام بحفر مقابر جماعية لدفن جثث الجنود العراقيين.

لذا أردت الهرب من الجبهات الأمامية في القتال لكن لم يكن لدي أي خيار. في معركة"المحمرة" (خرمشهر) على الحدود بين العراق و إيران قمنا بمهاجمة كل الخنادق٬ دمرنا كل الخنادق الواحد تلو الآخر. ذهبت إلي خندق عراقي ومعي مصباح كهربائي صغير٬ كنت خائفا بدرجة كبيرة٬ حيث كان في بعض الأحيان أن يقوم الجندي العراقي بإلقاء القنبلة اليدوية لتفجير نفسه٬ في الأساس كانت هذه عمليات إنتحارية لقتل العدو.

كنت أسمع صوت الأعيرة النارية علي مقربة مني٬ وذلك يعني أنهم بدأوا في تصفية من كان لا يزال علي قيد الحياة. وجدت جنديا عراقيا غارقا في دمائه، بكي وكان يتوسل إلي :الله يسلمك، الله يخليك لم أفهم ما كان يقوله. لأجل عائلته وبسبب هذه الصورة غيرت رأيي وقررت إنقاذ حياته. كان سعيدا جدا تلك الإبتسامة لمست قلبي٬ راودتني فكرة بأن أخفيه٬ فقمت بوضع جثث رفاقه الجنود فوق بعضها البعض بحيث تشكل حاجز يخفيه عن عيون زملائي من الجنود الإيرانيين. بعد أن أعطيته مسكنا للآلام فنام مرة أخري٬ أبقيته في هذه الحالة لمدة ثلاثة أيام.

تعود الكاميرا لتركز ثانية علي زاهد العراقي : قال لنا قائدنا بأن هجوما كبيرا سيقع. وفي المعركة سقطت إحدي القذائف علي بعد حوالي مترين من خندقي٬ حاولت الخروج من الخندق لكنني لم أستطع ذلك

لم يكن يشبه رجالنا٬ ولم يكن يتحدث بنبرتنا أو لغتنا٬ فأدركت حينها أنني وقعت في يد العدو، وعلي الفور مد يده في جيبي، ظننت أنه يحاول أن يسرقني، كنت أحتفظ بمصحف صغير في جيبي، كانت والدتي قد أعطته لي وهي تقول:"يا ولدي هذا الكتاب سيحميك إحتفظ به معك"بداخل المصحف كنت أحتفظ بصورة تجمع حبيبتي وإبني. علي الفور تحول إلي إنسان وليس عدو أوقاتل، إنتابني شعور وكأنه ملاك جائني للتو في الخندق. لم أسمع أبدا أن قام جندي إيراني بإنقاذ حياة جندي عراقي خلال المعركة، ولم أراه مجددا ربحت القوات الإيرانية المعركة، وإستطاع الجندي زاهد أن ينقل الجندي المصاب إلي إحدي المستشفيات العسكرية. بعد ست سنوات ومباشرة قبل إنتهاء الحرب، تم أسر زاهد من قبل القوات العراقية وظل في الأسر لمدة عامين.

يتابع ناجح : قام الجيش العراقي بإطلاق سراحنا فأصبحت رجلا حرا وعدت إلي إيران. عندما عدت إلي بيتي وقرعت الجرس خرجت إمرأة وقالت: قتل إبنهم في الحرب وإنتقلوا إلي محافظة أخري" لم يكن أحد من عائلتي يعرف إن ميتا أم لازلت علي قيد الحياة وإن كانوا قد بنوا لي مدفن عندما زرته ورأيت قبري، توقف عقلي عن التفكير بعدها بدأت في الصراخ والبكاء وأنا جالس، بعد دقائق قليلة قلت لنفسي: هل أنت أحمق، هل أنت غبي؟ لما البكاء أنت حي يرزق، أي نوع من الرجال أنت؟، إستيقظ يا رجل فأنت علي قيد الحياة. كان من الصعب جدا أن أعيش حياة طبيعية، لم أكن أعرف ما يجب علي فعله، أخيرا حصلت علي عمل كبحار وأتيت إلي مدينة "فانكوفر" بالسفينة وحيدا لا أحد يعرفني، ولم يكن لدي تواصل مع أي شخص٬ كنت متعبا من الحياة ومحطما عاطفيا.

بعد أن رحلت السفينة٬ بدأ إكتئابي يزداد ويسيطر علي فقررت الإنتحار. شريكي في السكن وصديقه نصحاني بمراجعة جمعية فانكوفر لمساعدة الناجين من التعذيب. وذهبت بالفعل للجمعية .في ذلك اليوم كان نجاح يوصل شقيقه إلي مركز الإستشارة النفسية نفسه لتحديد موعد.سألني هل أنت عراقي٬ قلت كلا أنا إيراني، أعتقد أنك إيراني أيضا٬ أليس كذلك؟ فأجاب كلا أنا عراقي، وبدأ في التحدث بلكنة فارسية قوية.

ضحكت معه وقلت له : وأنا أيضا كنت أسيرا، وسألته إن كان يقصد معركة المحمرة (خرمشهر)، سألته في أي خندق كنت؟ أجاب قائلا: لا أعرف٬ لكن جنديا إيرانيا بلا لحية أو شارب٬ فإستوعبت الأمر، ثم قلت له : هل لديك وشم في ذراعك الأيمن وهناك آثار جروح فوق سرتك؟ فقال : نعم صحيح . قلت له اسمي "زاهد" ما هو إسمك؟ فقال :إسمي نجاح وبدأنا في البكاء.

بعد لقائي بنجاح أمسك بيدي وقادني من الظلام إلي النور أرشدني إلي الطريق، لم أفكر أبدا بأن يوما ما سيكون شخص عراقي جزءا من قدري وحياتي وجسدي وجزءا من ذاكرتي وهذه المرة هو من ساعدني.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل