المحتوى الرئيسى

الاقتراب منها جريمة والبعد عنها غنيمة.. «25» المُفترَى عليها! | المصري اليوم

01/25 16:19

وكأنها بنت البطة السودة، الكل سارع باللهاث بعيدًا عنها بعد أن كانوا يتسابقون جميعًا للحاق بها وطلب ودها، إنها الثورة النقية التي تم تلويثها وهتك عرضها عبر «الميديا»، ثورة 25 يناير المُفترَى عليها.

الشارع المصري في القطاع الأكبر منه لم يعد يطيق سماع سيرتها، لأنهم ربطوها بموقف الجنيه بالدولار، فاكتشفوا أنه تراجع ثلاثة أضعاف بعد ثورة «اللوتس»، فصار اسمها يمثل ارتباطًا شرطيًا للضعف والمهانة والهوان على الناس.

العام الماضي شاهدنا «نوارة» لهالة خليل، أرادت هالة أن تطل على الثورة من شباك الفقراء، فكانت الخادمة نوارة التي أدت دورها منة شلبي، تنتظر أن تمنحها الثورة حياة كريمة، فانتهى الأمر بالقبض عليها بتهمة السرقة، والفيلم في عمقه منحاز للثورة، رغم أن بعض القراءات المتعجلة لم تره كذلك، ولدينا «اشتباك» محمد دياب، الذي كان يعنيه الإنسان قبل الفكر الذي يعتنقه، الفيلم يتناول الأيام الأولى من ثورة 30 يونيو، والتي يراها البعض ثورة على 25، رغم أنها هي الثورة التي حافظت على ثورة 25 بعد أن حاولت الجماعة اختطافها، كان هناك صوت داخل النظام يريد لهذا الفيلم أن يُمنع ولهذا الصوت أن يخرس، إلا أنه في النهاية وجد لنفسه مساحته رغم الحصار، ولدينا «آخر أيام المدينة» لتامر سعيد، لم يُعرض جماهيريًّا بعد، ويتناول الأيام التي سبقت الثورة، ولا أتصور في ظل ما نراه أن يجد من يرحب به أو يحنو عليه، حسب التعبير السائد هذه الأيام.

الثورة منذ الساعات الأولى كانت حاضرة دائمًا على الأشرطة السينمائية وترددت أيضًا أنغام على حناجر المطربين، وبقدر ما كان القالب التسجيلي هو الأوفق في الرصد بقدر ما خذلتنا الأفلام الروائية، أما الأغنية حتى لو تسللت إلى مشاعرنا واحدة أو أكثر فهي لم تستطع أن تقترب من سحر وومضة اللحظات التي عشناها عندما أزاحت مصر كابوسها في ثورة اللوتس النبيلة.

ومرت الأيام وما أصاب الثورة من إحباط ووهن أصاب أيضًا السينما والأغنية، ولم يعد الأمر يتجاوز لمسة هنا أو هناك، تحاول أن تُمسك بظلال وتلابيب الثورة.

عشت الثورة في الشارع منذ 25 يناير وعشتها أيضًا منذ ذلك التاريخ على الشاشة. كانت الثورة في بواكيرها تحمل الكثير من الآمال، جاءت الشرارة الأولى من تونس مع ثورة «الياسمين» التي فتحت الباب لغضب الشعوب، وانتقلنا من مصر إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن، وكانت السينما حاضرة منذ 2011 في مهرجان «كان» في شهر مايو، أي بعد أشهر قليلة من الثورة، شاهدنا كيف تحتفل السينما بالثورة وتحتفي بالثوار، حتى المهرجانات الكُبرى كانت تقبل أفلامًا بسبب موقفها السياسي.. في مهرجان «كان» شاهدنا فيلم «18 يومًا» شارك في إخراجه 10 مخرجين، وأيضًا «صرخة نملة» لسامح عبدالعزيز، ومن تونس «لا خوف بعد اليوم» لمراد بن شيخ، والعام التالي شاهدنا «بعد الموقعة» ليسري نصرالله الذي مثل عودة السينما المصرية إلى مسابقة مهرجان «كان» بعد غياب 16 عامًا، وتكرر الأمر في «فينسيا» و«برلين» وغيرهما.

وفي «كان» 2014 شاهدنا «ماء الفضة» السورى لأسامة محمد ووئام بدرخان، ولم تكن المهرجانات العربية بعيدة عن رصد الثورة سينمائيًا سواء «أبوظبي» و«دبي» و«الدوحة» و«الجزيرة» و«قرطاج» و«القاهرة» و«وهران»، لم تتوقف أفلام الثورة عن التواجد ولكن خفت الحضور وتضاءلت معدلات المصداقية.

هل الشارع العربي في علاقته الذهنية والشعورية بالثورة لا يزال على موجتها؟ مع الأسف الكثير مما كنا نراه حقيقة بات وهمًا، بل مزيد من حقائق تتبدد وتحل مكانها أوهامًا تتجدد.

لو تابعت الأفلام الروائية والمسلسلات الدرامية التي تناولت 25 يناير لاكتشفت أنها ولدت مبتسرة، فخرجت مشوهة للناس ولم تنجح في سبر أغوار روح الثورة، تعاملت مع السطح ربما رصدت الحدث، لكنها لم تتأمله، الواقع لا يزال حتى الآن يكشف عن تفاصيل جديدة، ما تصورنا في لحظات أنه حقيقة اكتشفنا أن هناك وقائع أخرى تُكذبه ولا يمكن أن تبني الفيلم السينمائي أو المسلسل الدرامي على وثائق أو أحداث مشكوك في صحتها، الموقف يتكرر بعد ثورة 30 يونيو والتي عبرت عنها بعدها بساعات الأغاني ورددها الناس، بينما لا تزال الدراما بعيدة عن هضمها، ناهيك عن إفرازها في عمل فني.

لم يعثر مشاهدو المائدة الرمضانية سوى على قليل من ثورة 25، شذرات تتناثر هنا وهناك، مثل مسلسلي «تفاحة آدم» و«إمبراطورية مين»، عادل أمام في «أستاذ ورئيس قسم» لوائل إحسان قدمها وبانحياز مشوب بالحذر، لأن علاقة عادل إمام الشخصية بنظام مبارك تدخلت لتجعل معركة الأستاذ الجامعي مع رئيس الوزراء وقتها «نظيف» وليست مع الرئيس مبارك، كما يقتضي المنطق الدرامي.

كانت السينما الروائية هي الاسرع في التقاط الحدث بغرض أن تُصبح ساخنة وعلى موجة الناس إلا أنها اعتبرتها مجرد «سبوبة» لجذب الزبون، لدينا نموذج صارخ «صرخة نملة» الذي تغير توجهه السياسي من «إلحقنا يا ريس» وكان هو عنوان الفيلم الأول كما أجازته الرقابة في زمن مبارك ليصبح «سوف نخلعك ياريس»، حيث فوجئ الجميع بنجاح الثورة، فأضافوا عددًا من المشاهد وأعادوا المونتاج فأصبح «صرخة نملة».

تعاملت السينما مع الثورة باعتبارها نكتة بل إن البعض كان يضع إفيه «الشعب يريد» في أي موقف درامي لخلق ضحكة، تابع مثلًا «سامي أكسيد الكربون» وبينما وقف فيلم «حظ سعيد» مع الثورة فإن «تك تك بوم» اختار الجانب الآخر، «البرص» اختار أيضًا من دون أي سبب أو منطق درامي أن ينتقد 25 يناير، «الجزيرة 2» تستطيع أن تقرأه على المستوى السياسي باعتباره يُعبر عن تناقض في التوجه، وأظنه كان حائرًا بين موقف كُتاب السيناريو الثلاثة الإخوة «دياب» وهم خالد ومحمد وشيرين، المؤيدون للثورة من اللحظة الأولى، بل لهم موقفهم المباشر ضد حكم مبارك في سنواته الأخيرة، وبين قناعة المخرج شريف عرفة المتحفظ في رؤيته للثورة، تستطيع أن ترى أيضًا «فرش وغطا» لأحمد عبدالله وهو يرصد رؤيته بتعاطف الثورة.

السينما كثيرًا ما تتجاوز كونها صورة خيالية لتصبح هي الأصل، ثورة 23 يوليو عند الكثيرين معادل موضوعي لفيلم «رد قلبى» لعز الدين ذوالفقار الذي قُدم بعد خمس سنوات من الثورة، هكذا تجسدت أمام المشاهدين أحداثها من خلال شخوص تحولوا إلى رموز علي ياويكا «شكري سرحان»، والأميرة إنجي «مريم فخر الدين» هما المعادل الموضوعى للثورة التي ألغت الطبقية ودفعت «علي» للتطلع إلى حب إنجي، ولا تنسَ كيف أن الريس عبدالواحد الجنايني تلقى صفعة على وجهه أخرسته بسبب الجرح النفسي الذي عاشه بعدها، وأنه مع انطلاق الثورة وفي المشهد الأخير عاد إليه النطق هاتفًا بحب مصر، رؤية مباشرة نعم ولكنها كانت أقرب إلى نغمة درامية شعبية رددها الناس.

ورغم تعدد أحداث ثورة 25 يناير، فإن واقعة الجمل ظلت لديها مكانة خاصة واستثنائية كانت هي الدافع لتصوير عشرات من الأفلام التسجيلية، ومع الزمن سوف تصبح هذه هي الحقيقة وغيرها مجرد خيال، بينما يسري نصرالله في فيلمه «بعد الموقعة»، الذي تناول ما أطلقت عليه الصحافة «موقعة الجمل» رؤية يغلفها التحفظ السياسي.

«بعد الموقعة» الذي عرض داخل المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» قبل خمسة أعوام هو المرجعية الدرامية الأولى لواقعة الجمل وحتى إشعار آخر.

نرصد صراع الأصل والصورة بين «بعد الموقعة» كحدث واقعي وكرؤية درامية لا شك أن شخصية الخَيّال «بفتح الخاء» الذي اقتحم الميدان وأداها «باسم سمرة»، حيث تلقى علقة ساخنة على أيدى الثوار، ستظل هذه هي الحقيقة الشعبية في علاقة أهالي عشش الترجمان بالثورة، هؤلاء الذين تراجعت مكاسبهم.

فرحتنا بعرض الفيلم داخل المسابقة الرسمية شيء ومستوى الفيلم الفني شيء آخر تمامًا لا تستطيع سوى أن تتأمل هذا الفيلم بصريًا وفكريًا، إنها الثورة المصرية بعين «يسري نصر الله».. أتذكر مساء 25 يناير 2011 التقيته «يسري» في ميدان التحرير ولم يكن لدى أحد بالتأكيد إحساس أن هذه هي الثورة التي ستطيح بالطاغية ولكن من المؤكد أنه كان هناك يقين بأن مصر قد تغيرت.

الفيلم قطعًا لا يقدم تأريخًا للثورة ولكنه يلتقط حالة «باسم سمرة»، وفي النهاية ينضم للثوار، والحقيقة هي أنه لم يتغير فكريًا، فهو يتوجه لميدان التحرير حماية لمنة شلبي وليس للثورة، إنها حالة حب، وتلك هي المشكلة التي أثقلته دراميًا وعوقته فكريًا!!

وإذا كانت السينما الروائية عجزت عن التعبير، فإن السينما التسجيلية كانت في الحقيقة فرصتها أكبر، بل ولأول مرة طوال تاريخنا السينمائي وتاريخ «الأوسكار» وفي 2014 لتلك المسابقة الأشهر عالميًا وصلنا لتلك المكانة وهي القائمة القصيرة لأفضل فيلم تسجيلي طويل بفيلم «الميدا» إلا أن سارقي الفرحة أرادوا أن يحيلوا زهو الانتصار إلى مؤامرة عالمية لمجرد أن فيلم «الميدان» للمخرجة المصرية التي تقيم في أمريكا، جيهان نجيم، يتناول أحداث الثورة وفترة المجلس العسكري التي رفع فيها الثوار شعار «يسقط يسقط حكم العسكر».

إنه فيلم توثيقي ولا يمكن أن نطلب من فيلم يرصد الوقائع أن يراعي فروق التوقيت، لقد وصلنا للترشيحات الخمسة وهو بالنسبة لنا إنجاز غير مسبوق لم نحصل على الأوسكار ولا أي دولة عربية ولكننا اقتربنا، ولكن لم ولن يشاهد المصريون هذا الفيلم.

ويبقي الغناء الذي كان يردده الناس في الشارع أثناء الثورة «يا حبيبتي يا مصر» لشادية و«يا أغلى اسم في الوجود» نجاح سلام، و«يا جمال يا حبيب الملايين» عبدالحليم حافظ، وغيرها كما أن الفضائيات كثيرًا ما كانت تردد قصيدة «أنا الشعب» لأم كلثوم وغيرها من أغانينا التي ارتبطت بمصر، ربما «يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي» لعزيز الشافعي ورامي جمال هي التي عبرت عن المشاعر وعبرت بالفعل عن الحالة، وحمزة نمرة له العديد من الاغاني مثل «أقولك إيه»، ولكن لقب مطرب الثورة الذي حظي به عبدالحليم أو جبرتي الثورة، كما كان يحلو لرفيق درب عبدالحليم الموسيقار كمال الطويل أن يطلقه عليه، لا يزال بعيد المنال، وظل السؤال عمّن هو مطرب 25 يناير؟ ثورة 30 يونيو أنجبت أغنية «تسلم الأيادي» لمصطفى كامل التي حققت نجاحًا شعبيًا ضخمًا رغم أنها في النهاية مسروقة في الكلمة واللحن، كما أن أغنية «بشرة خير» لحسين الجسمي موجهة مباشرة لحثّ الناس على النزول للشارع في الانتخابات الرئاسية، ولا يزال يتنازع عدد من المطربين من أجل الحصول على لقب مطرب الثورة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل