المحتوى الرئيسى

يحيى الراوي يكتب: الْجَمَاهِيرُ الثَّوْرِيَّةُ السُّورِيَّة | ساسة بوست

01/24 21:20

منذ 14 دقيقة، 24 يناير,2017

لِرَصد حَركَة الجَمَاهِير وفهمها بشكل دقيق، يجب علينا الْعَوْدَة إلى الأحداث التي شكّلت الثَّوْرَة، حيث بَدَأتْ الحركات الْاِحْتِجاجِيّة الْجَماهِيرِيّة في سُورِيَّة على شكل مطالب إصلاحية، وَاجَههَا النّظَام مُبَكِّرًا بخطاب الفتنة الطائفية، والمؤامرة التي تَسْتَهْدِف الْاِسْتِقْرَار الْاِجْتِمَاعِي، والتي يتطلب وَأْدُهَا نَهْجًا قَمَعِيًّا أَمَنيًّا.

إثْر ذَلِكَ عمِلَ النّظَام على قمع المظاهرات بالسلاح، فحدثَ أن زادت الجماهير، والمظاهرات التي كَانَت تَتَشَكَّل مِنْ بِضَعَة آلاف في كل من حماة ودير الزور وإدلب وغيرها من المحافظات السوريّة، تَضَاعَفْت مئات الْمرَّات بعد حوَادِث قَتْل الْمُتَظَاهِرِين.

خلال هذه الفترة أَنتجت الثورة أحد أَنْجَح التجارب في فَرض السّيْطَرَة عَلَى الْجَماهِير وَقِيادَتِها، وهي ظَاهِرَة التنْسِيقِيَات، وهي فرق صغيرة تعمل على تَنْظِيم الْاِحْتِجَاجَات وَتَدْبِير شُؤُونهَا الإعلامية وَالْحَركِيَّة.

وَتَحْت وَابِل مِنْ الْمُحَرِّضَات الَّتِي قَدَمَهَا النّظَام بدأ بقتل المتظاهرين، واقتحام الجّيش للمدن، واستخدام السلاح الثّقيل، تحول سلوك الجماهير من الْاِنْتِفَاضَة السلمية إِلَى الثَّورَة الْمُسَلَّحَة، تتلخص مطالبها الأساسية في الإطاحة بالنظام الدكتاتوري بكامل رموزه ومؤسساته، وإقامة نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان، ويحمي الحريات العامة، ويرسّخ قيم العدالة، ويؤمّن الشراكة السياسية للمُمَثّلين الحقيقييّن لهذه الجماهير.

رافق ذلك الحَالَة الثَّوْرِيَّة العَامَّة الَّتِي غمرَت منْطقَة الشرق الأوسَط وشمال إفريقيا، وَنجَاح بَعْض الثَّوْرَات فِي إِزَاحَة زعمَاء مُسْتَبِدِّين من بينهم حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، مِمَّا أَعْطَى للجَمَاهِير الثَّوْرِيّة السُّورِيّة الْأَمَل فِي التَّحَرّر مِن سَطْوَة النّظَام السّورِي الْمُجْرِم وَزَعيمِه بشار الْأَسَد.

وَمَع اِسْتِمْرَار الثَّوَرَة تَشَكَّلَت كيَانَات ثَوْرِيَّة سِيَاسِيَّة، مَا لَبِثَت أَنْ أَخْفَقت فِي جمع قوى الْمُعَارَضَة، بسبب الْخِلَاَفَات الدَّاخِلِيّة بين أَعْضَائِهَا، وَالتَّدَخُّل الْخَارِجِي، وَالصِّراع الْمُسْتَمِرّ عَلَى النُّفُوذ، مِمَّا أَدَّى إِلَى ضعْف الْمُعَارَضَة السِّيَاسِيَّة وَتفَكّكهَا، وعزلَتها الفِعْلِيَّة عن الْجَمَاهِير وَالْحَرَاك الثَّوْرِي الْجَارِي.

وَلَم تَنْجَح الْمُعَارَضَة السِّيَاسِيَّة فِي تَحْقِيق الْاِنْسِجَام مَعَ الْجِسْم الثَّوْرِيّ الْعَسْكَرِيّ فِي الدَّاخِل وَيَعُود جُزْء مِنْ فَشَل الْمُعَارَضَة السِّيَاسِيَّة إِلَى الْقُصُور فِي تَحْقِيق الهَويَّة الْإِسْلَامِيَّة، أَدّى ذلك إِلَى عدم انسجَام أَفْكَارهَا وَمطَالِبهَا مَعَ مطَالِب الشَّارِع الثَّوْرِيّ، وَأَفْقَدهَا تَأْيِيد أَطيَاف وَاسِعَة مِنْ الْجَمَاهِير الثَّوْرِيَّة بِرغم الحَاضِنَة الشَّعْبِيَّة الَّتِي كَانَت لهَا مُنْذُ بَدء الثَّورَة.

ولكوّن الْمُعَارَضَة السِّيَاسِيَّة مُتَأَخِّرَة عَنْ الْجَمَاهِير الثَّوْرِيّة بِمَرَاحِل بِسَبَب بُطء عَملهَا وَضعف أَدَائهَا، ظَهرْت مُنْذُ بِدَايَة الثَّورَة عدَّة شَخْصِيَّات ديِّنِيّة وَسِيَاسِيَّة وعسكريّة وإعلاميّة سَاهَمْت فِي تَحْرِيك الْجَمَاهِير وَتَوْجِيههَا منْ خِلَال خِطَابَاتهَا وَتقَاريرهَا وتوجيهاتها المباشرة، مثل الشهيد عبد القادر الصالح «حجي مارع»، والشهيد أبو يزن الشامي، والشهيد زهران علّوش، والإعلامي هادي العبد الله، والدكتور عبد المنعم زين الدين… وغيرهم.

وَنُلَاحِظ أَنْ أَغْلب الشَّخْصِيَّات الَّتِي تَتَصَدَّر لِقِيَادَة الْجَمَاهِير تَتَعَرَّض لِحَمَلَات ممنهجة مِنْ التَّضييّق وَالتَّشْوِيه الْإعْلامِيّ، مِمَّا يَجْعَل مَنْصِب الْقَائِد شَاغِرًا لَا يَرْتَقِي لِمُتَطَلَّبَاتهِ أحَد، وَكُلَّمَا اقْتَرَبَ أحَد مِنْ بُلُوغهِ فُوجِئْنَا باغتياله.

وَفِي دَاخِل دَائِرَة التَّأْثِير عَلَى الْجَمَاهِير نَجِد الْقَنَوَات التلفزيونية الَّتِي نَقَلَتْ صَوْت الشَّارِع السّورِيّ، مثل قناة الجزيرة التي تابعت أحداث الثورة السوريّة أولاً بأول، يضاف إليها وَسَائِل التَّوَاصُل الْاِجْتِمَاعِيِّ «تويتر، ويوتيوب، وفيسبوك» كونها شَكلَت حَاضِنَة رَئِيِسيَّة لِتَفَاعُل النّشطَاء الثَّوْرِيِّين، فأُنشئت صفحات مثل الثورة السوريّة ضد بشار الأسد، وتنسيقية الثورة السوريّة، والتي أَثرْت بِشَكْل مُبَاشِر أَوْ غَيْر مُبَاشِر فِي التَّعْبِئَة الجماهيرية ضِدّ النّظَام وميليشياته الطَّائِفِيَّة.

وَمِنْ الْعَوَامِل الْمُؤَثِّرَة فِي حَشْد الْجَمَاهِير أيضًا مقاطع الانتهاكات الَّتِي كَانَ يَقُومُ بِهَا النّظَام فِي حَقِّ الْمَدَنِيِّينَ، حيث شكلت عوامل تحريضيّة إضافية لحشد الجماهير الثورية، تُضَاف إلى الْعَوَامِل أيضاً كِتَابَة الشِّعَارَات عَلَى الْجُدْرَان فِي أَغلب الْمُدُن السُّورِيَّة، وتسمية أيام الجمع وأيام التصعيد الثوريّ من قبل الجماهير من خِلَالَ التَّصْوِيت افْتِرَاضيًّا على الفيسبوك، والإجماع على علم الْاِسْتِقْلَال كَرَمْز يتمايز به جُمْهُور الثَّورَة عَنْ النظام السّورِيّ ومؤيديه.

كُلُّ ذَلِكَ شَكَلَ أبرز مَفَاصِل حَشْد الْجَمَاهِير مُنْذُ بِدَايَة الثَّورَة السوريّة، حيث وصلت نسبة الْمُشَارَكَة الشَّعْبِيَّة فِي الثَّورَة السوريّة إلى 20 بالمئة، مما يجعل الثورة السوريّة هِي الْأَكْثَر مُشَارَكَة وَالْأَكْثَر شَعْبِيَّة فِي تَارِيخ الْبَشَرِيَّة.

وَلكن مِنْ الْمُلَاحَظ تَرَاجُع أَغلب وَسَائِل التَّأْثِير عَلَى الْجَمَاهِير، حَيْثُ بَاتَ وَاضِحًا اِنْفِصَال جُزْء مِنهَا عَنْ النُّخَب الثَّوْرِيَّة واستقطابها من قبل مَشَارِيع أُخْرَى.

وَفِي هَذَا الصدد يقول غوستاف لو بون مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير «إن الاعتقاد بهيمنة الغرائز الثورية على الجماهير يعني الجهل بنفسيتها، فعنفها وحده هو الذي يوهمنا بخصوص هذه النقطة، فانفجارات الانتفاضة والتدمير التي تحصل من حين للآخر ليست إلا ظواهر عابرة ومؤقتة، وإذا ما تركت الجماهير لنفسها فإنها تمل من فوضاها وتتجه بالغريزة نحو العبودية».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل