المحتوى الرئيسى

عزيزي المغترب.. لا تنخدع "3"

01/24 15:22

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه ** وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

ما في المقام لذي لب وذي أدب ** معزة فاترك الأوطان واغترب

إني رأيت وقوف الماء يفسده ** إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطب

والبدر لولا أفول منه ما نظرت ** إليه في كل حين عين مرتقب

والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت ** والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والتبر كالترب ملقى في أماكنه ** والعود في أرضه نوع من الحطب

فإن تغرب هذا عز مطلبه ** وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ

تبعاً لما سبق في هذه السلسلة، نستكمل سرد مزايا وسلبيات الاغتراب.

* من مزايا الاغتراب المتعددة:

حيث تتعلم إدارة مالك وحالك دون الاعتماد على الأهل، وأيضاً تنظيم وقتك، والاعتماد الكامل على نفسك في كل شؤون الحياة.

حيث تستطيع إعادة اكتشاف نفسك وقدراتك الحقيقية، بلا اعتماد على أي عوامل خارجية.

ستكون المسؤول الوحيد عن المنزل (حتى وإن كنت متزوجاً سيكون العبء أكبر مما كان مع الأهل) من أكل وشرب ونظافة وصيانة وإصلاح المشكلات وخلافه، وقد تتعلم الطبخ؛ لأنك لن تستطيع الاعتماد على الوجبات الجاهزة دوماً، بعد العودة من غربتك غالباً ستجد نفس المشكلات التي كانت تواجهك، لكنك ستكون خبيراً بالحلول، وسينعكس إيجاباً على حياتك المستقبلية؛ لأن تركيزك سيكون في الأمور الأخرى، وليس في إدارة المنزل.

- التعرف على ثقافات أخرى:

هناك عدد كبير جداً من الثقافات المختلفة التي حتماً ستتقابل معها في غربتك، وتتعرف على نمط حياة أفراد كل ثقافة، وحيلهم للاسترزاق ومعتقداتهم، والكثير من المعلومات الأخرى، وأيضاً تنفتح على العالم وتزداد دائرة المعارف لديك.

بإمكانك تعلم مهارات ولغات جديدة قد تكون مضطراً لهذا، وقد تكون تريد، ولكن الكسل وقلة الوقت منعاك من هذا.

في الاغتراب فرصة للتقدير السليم لحياتك السابقة، وهل كنت سعيداً أم لا؟ حيث يقول المثل: "لا تعرف قيمة الشيء إلا عندما تخسره".

الاغتراب يجعل أهلك وأصحابك ينسون زلاتك ويتذكرونك دوماً مع تنهيدة شوق، ويجعل قلبك يرق لأهلك الذين ربما كنت قاسياً معهم.

- الهرب من جحيم الحكومة وجنونها إلى بلاد أكثر عدلاً وآدمية، وحفاظاً على الإنسان وحقوقه.

- زيادة الدخل المادي وتوفير المال.

* ومن آراء الأدباء والعلماء والشعراء والفلاسفة والمفكرين والفقهاء تجاه السفر والاغتراب مدحاً:

أشقى من المسافر إلى الأمل ** مَنْ قعد في الناس عن العمل

وجاء في المحاسن والمساوئ للبيهقي: اطلبوا الرزق في البُعد، فإنكم إن لم تكسبوا مالاً غنمتم عقلاً كثيراً.

جاء في المبهج للثعالبي: مَنْ آثر السفر على القعود، فلا يبعد أن يعود مورق العود، وقيل: ربما أسفر السفر عن النظر، وتعذّر في الوطن الوطر.

وقد مدح أعرابي رجلاً فقال: خرجته الغربة، ودرّبته التجربة، وضرسته النوائب.

وقيل لأحدهم: ما العيش؟ فقال: دوران البلدان ولقاء الإخوان.

وجاء في كتاب اللطائف والظرائف لأبي نصر المقدسي:

ليس بينك وبين بلدك نسب، فخير البلاد ما حملك وجملّك، وقيل: اهجر وطنك إذا نبت عنه نفسك، وأوحش أهلك إذا كان في إيحاشهم أُنسك.

الفقر في أوطاننا غُربة ** والمالُ في الغُربة أوطانُ

والأرضُ شيء كله واحد ** ويخلف الجيران جيرانُ

الابتعاد عن الأهل والأحباب والجيران والأصحاب والأقارب، عندها يشعر المغترب بوحدة واكتئاب وقنوط، يحس بنفسه كأنه في أرض جميلة، لكن بدون ناس، وقليلاً ما يستطيع أن يشارك في المناسبات الخاصة بأهله وأصدقائه من أعياد أو أفراح أو أحزان، وبذلك يفقد حياة اجتماعية كبيرة.

تحدث هذه الصدمة الثقافية للمغتربين نتيجة اختلاف الثقافات، فيشعرون أنهم في كوكب آخر، ويفقدون آلية التواصل مع المحيط الذي كانوا فيه، ويحدث هذا عندما يعتاد الإنسان على حياة أخرى بقوانين وبديهيات وحقوق مختلفة، وهناك بعض الأشخاص صعب تأقلمهم، فيصابون بصدمات نفسية جراء الاغتراب.

- ستشعر بأن الوقت لا يمر بسرعة كما كان في بلدك وسط أهلك وأصحابك.

- ستحن إلى جميع ذكرياتك القديمة.

- عدم الاستقرار؛ لأنك بعيد عن وطنك، فلا تستطيع أن تعيش في بلدك، ولا أن تعيش في البلد الجديد.

- صعوبة العودة والتأقلم، خصوصاً لمن مرت سنوات طويلة على سفره.

- افتقار المجتمع إلى الشباب، بسبب هجرتهم، وهذا ينتج عنه مزيد من التضخم في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

- للعزاب أحياناً صعوبة البحث عن عروس مناسب لابتعاده عن بلده، ولعدم وجود حياة اجتماعية حقيقية بالغربة.

* آراء الأدباء والعلماء والشعراء والفلاسفة والمفكرين والفقهاء تجاه السفر والاغتراب ذماً:

كان الحجاج يقول: لولا فرحة الإياب لما عذّبت أعدائي إلا بالسفر.

وكان يقال طول السفر ملالة، وكثرة المنى ضلالة، وكان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من وعثاء السفر.

قيل: الغريب كاليتيم العظيم الذي ثكل أبويه، فلا أم ترأمه، ولا أب يرأف عليه.

نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحُبّ إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى ** وحنينه أبداً لأول منزلِ

وإن اغتراب المرء من غير خلّةٍ ** ولا همةٍ يسمو لها لعجيبُ

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل