المحتوى الرئيسى

تسوية غير مستوية وضعف سُني ورفض كردي

01/24 15:22

في الوقت الذي فيه كل العيون شاخصة إلى نينوى وما ستؤول إليه الأوضاع ما بعد تحريرها، والنتائج التي ستتمخض عنها وتداعياتها محلياً وإقليمياً ودولياً، طرح صاحب المبادرات الكثيرة ومشاريع المصالحات الوطنية، التي عوَّد الشارع عليها قبيل كل انتخابات تجري في هذا البلد مشروعاً أطلق عليه "التسوية التاريخية"، صاحب هذه التسوية هو صاحب الحل والعقد في العراق والممسك بزمام الأمور منذ احتلال العراق وحتى هذه اللحظة "التحالف الوطني"، وتحديداً السيد عمار الحكيم.

مبادرة السيد الحكيم في باطنها تسعى إلى لملمة البيت العراقي المشتت، من خلال جمع كل الأطراف العراقية، سواءً المشاركة في العملية السياسية أو المعارضة لها، حول مشروع سياسي شامل وجامع يخفف من حدة ووطأة التحديات المقبلة التي ستفرزها مرحلة ما بعد "داعش"، لكن هل كل التحالف متفق عليها وراضٍ بها؟ هذا هو السؤال؛ لأنه كما يقول المنطق إذا أردت طرح شيء ترغب بتطبيقه فعليك الإيمان به من الداخل ثم طرحه للعلن.

مبادرة التسوية لا تزال تراوح مكانها منذ انطلاقتها ولحد الآن، فما بين مرحب ورافض أطلق ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه السيد المالكي مبادرة أخرى بضرورة تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، وأن تكون الأطراف الأخرى "السنة، والكرد" معارضة قوية داخل البرلمان، كما صرح بذلك السيد صلاح عبد الرزاق، في حواره مؤخراً مع أحمد الملا طلال، في برنامج بالحرف الواحد، الذي جمعه أيضاً بالنائب عن تحالف القوى الوطنية لقاء وردي ورئيس الديمقراطي الكردستاني السيد خسرو كوران.

المتابع للشأن العراقي يجد رفضاً كردياً لمبدأ حكومة الأغلبية، وضعفاً سنياً واضحاً في القيادة والأفراد، والصورة المستقبلية قاتمة، فيما إذا بقي الحال كما هو عليه، فلا نينوى تحررت كما وعد السيد العبادي قبل بزوغ فجر العام الجديد 2017، ولا التسوية التاريخية أبصرت النور بعد، ولا السُّنة توحدوا حول قائد قوي واحد.

وبالعودة للحديث عن التسوية التاريخية التي طرحها السيد الحكيم، برزت العديد من التساؤلات حولها، "وما ستقدمه لإنجاح العملية السياسية في بلد يعاني من تأزم مزمن، سياسياً وأمنياً واقتصادياً".

"فمن القراءة الأولى لفقرات ومواد هذه المبادرة يتضح أنها تختلف عن سابقاتها، من حيث أنها اعتمدت مبدأي العمومية والشمول، لمعالجة كل المشاكل التي يعاني منها العراق، وتحديداً موضوع أزمة الحكم، ونظام تمثيل المكونات وإدارة الدولة، وأن الأساس الذي تقوم عليه هو إيجاد عقد اجتماعي جديد يقوم على أساس المواطنة والهوية والانتماء، والتأكيد على مفهوم دولة المؤسسات، واعتماد مبدأ المساواة في التمثيل، وجعل الالتزام بهذه التسوية يقوم على عدة مسارات، تبدأ بالمصارحة والمكاشفة، وتنتهي بعقد اتفاق سياسي شامل برعاية أممية وأوروبية وإسلامية وعربية، وفضلاً عما تقدم، فقد وضعت هذه التسوية عدة مبادئ رئيسية".

مقابل هذا كله برزت العديد من الإشكاليات التي يمكن أن تشكل تساؤلات عامة قد تقف عائقاً أمام نجاح هذه التسوية لخَّصها الدكتور فراس إلياس، أستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل، العراق، من أبرزها:

أولاً: لا يخفى على أحد أن التحديات التي ستفرزها مرحلة ما بعد "داعش" ستكون كبيرة جداً، بل هي أكبر من قدرة القيادات السياسية العراقية على استيعابها، والتي ستنعكس بصورة مباشرة على المشهد السياسي العام، ما قد يؤخر طرح هذه المبادرة في الوقت المناسب، فضلاً عن أنها قد تطرح متغيرات جديدة، قد تعيد صياغة هذه المبادرة من جديد، وهذا ما يترقبه العالم بعد تسلّم دونالد ترامب لمقاليد حكم الولايات المتحدة.

ثانياً: على صعيد الوسط السني بدأت المنافسة بين القيادات السنية التقليدية (الحزب الإسلامي وائتلاف متحدون) وبين القوى السنية الصاعدة (جناح عبد الرحيم الشمري وعبد الرحمن اللويزي والمشروع العربي الذي يتزعمه الشيخ خميس الخنجر)، والذي استبشر به السيد مقتدى الصدر بالقول: "المشروع العربي اسم رنان أتمنى أن يكون من رحم الشعب"، وذلك في تصريح سابق، ما يعني طرح إشكاليات جديدة أمام التحالف الوطني في موضوع اختيار الجناح الذي تتفاوض معه باسم السُّنة.

ثالثاً: رغم أن المبادرة أشارت في خطوطها العامة إلى أنه "لا عودة لحزب البعث ولا حوار معهم"، إلا أن الكثير من المصادر من داخل التحالف الوطني أشارت إلى أن المبادرة الجديدة لن تتحاور مع حزب البعث كتنظيم حزبي، ولكنها ستتفاوض مع البعثيين (جناح عزة الدوري وجناح محمد يونس الأحمد) كأشخاص، إلى جانب ذلك أشارت المصادر إلى أن هذه المبادرة ستشمل فتح باب الحوار مع وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، ونائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي.

وفضلاً عن هذا كله أشارت التسوية إلى أن المصالحة ستكون مع الجميع، سواء المشاركون في العملية السياسية أو المعارضون لها، حتى الفصائل والجماعات المسلحة، وهنا يبرز الحديث عن الفصائل السنية المسلحة كـ(الجيش الإسلامي، كتائب ثورة العشرين، جيش المجاهدين، أنصار السنة، جيش رجال الطريقة النقشبندية... إلخ)، بالإضافة إلى (هيئة علماء المسلمين) التي تعد الممثل الشرعي لكل هذه الفصائل المسلحة، أو على الأقل البعض منها، وهذا ما يعني أنه من أجل جلب هذه الأطراف إلى طاولة المفاوضات، يتم تقديم الكثير من التنازلات، أقلّها تعديل بعض مواد الدستور التي تحظر الحوار مع هذه التنظيمات، ما يعني الدخول في أزمة دستورية جديدة قد تدخل البلاد في خندق المجهول.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل