المحتوى الرئيسى

الهيمنة الأمريكية (الجزء الثاني: المهمة الإندونيسية) 

01/24 10:17

منذ 1 يوم، 22 يناير,2017

قراءة في كتاب اعترافات رجل اقتصاد مأجور للكاتب «جون باركنز».

بعدما سردنا في الجزء الأول حياة الكاتب قبل الدخول في مغامراته الميدانية أثناء عمله في شركة MAIN،حان الآن الوقت للدخول إلى أولى تجاربه الميدانية خارج الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار تعجب الكاتب من ردود أفعال بعض موظفي الشركة الذين سبقوه إلى تلك البلدان، (وصفهم بالجهلة، بالرغم من شواهدهم التعليمية العليا)، كتذمرهم من حرق العلم الأمريكي في مظاهرات مناهضة ضد بلدهم، على أساس أنهم يقدمون لتلك البلدان خدمات جليلة تخرجهم من البؤس، فيطرحون أسئلة استفسارية؛ «لماذا لا نغادر بلدانهم، ونتركهم في بؤسهم؟»، والحقيقة أنهم في مهمة لا تختلف عن مهام السفارات والهيئات الأمريكية التي تغطي جل العالم، ويعملون من أجل مصلحة الإمبراطورية الأمريكية العظمى.

وقبل بدء الرحلة،دعنا نوضح المغزى الحقيقي للكاتب من نشر هذا الكتاب، فقد كان من أكبر قراصنة الاقتصاد في الجيل الجديد، فالقرصنة في العهد القديم كانت في الأساس بحرية، وتتثمل في الاستيلاء على السفن التجارية بقوة السلاح، وتطورت وأصبحت برية عن طريق الاحتلال مع ظهور الأسلحة النارية، وفرض أنظمة الحماية على الدول الفقيرة. أما الآن فالقرصنة تعتمد على طرق متطورة تهم بالأساس استعمال القوانين والمواثيق الدولية، كاتفاقات التبادل الحر، واعتماد سياسة القروض من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يمولان من طرف الولايات المتحدة وشركائها، بمباركة من الأمم المتحدة.

وقد تراجع الكاتب عدة مرات عن نشر هذا الكتاب لما يحتويه من أسرار، فكان يتراجع دائمًا عن الفكرة؛ بسبب تهديده في حياته أو تلقيه رشاوي، إلى أن عرض الفكرة على ابنته، التي وافقت عليها وشجعته على النشر وأن الكتاب يجب أن يصل لأكبر عدد من القراء خصوصًا مع تنامي تأنيب الضمير لديه، فكان نشر هذا الكتاب متنفسًا لما كان يدور في خاطره من ندم وحسرة على ما اقترفه في العديد من الدول.

أثناء لقاءات جون مع كلودين في شقتها، والتي دامت عدة شهور في سرية تامة، بالرغم من قرب مقر الشركة من الشقة، فأخبرته أن مهمته المقبلة ستكون بإندونيسيا، وبالضبط جزيرة جاوة، والتي تعد من أكثر الجزر اكتظاظًا بالسكان في العالم. كلودين انطلاقًا من تجربتها الطويلة أخبرته أن العمل في دولة ما، يكون سهلًا عندما تكون على معرفة بها، فبادر بالتوجه إلى أكبر مكتبة في بوسطن، للبحث عن كتب ومراجع تتحدث عن إندونيسيا.

إندونيسيا التي تعتبر قطعة «الدومينو» التالية للفيتنام كما وصفتها كلودين، تصادف كونها دولة إسلامية وتابعة للتيار الشيوعي وغنية بالبترول، فكان على الكاتب دراسة تاريخ هذا البلد، فقد كانت تلقب بجزر التوابل، فكانت نقطة تصادم بين الدول الاستعمارية الأوروبية آنذاك، كالبرتغال وهولندا وإسبانيا وبريطانيا، وانتهى الصراع لمصلحة هولندا في سنة 1750، والتي استغرقت بدورها أكثر من 150 عامًا من أجل إخضاع جل الجزر ومن بينها جزيرة جاوة الغنية. هولاندا التي غادرت البلد بعد حرب امتدت لأكثر من أربع سنوات ضد اليابان إبان اجتياحه جنوب شرق آسيا في الحرب العالمية الثانية، وانتهى الصراع بينهما باستقلال إندونيسيا بعد 3 قرون من الاحتلال، مع ظهور القائد سوكارنو، وهو أول رئيس لهذا البلد، والذي استطاع توحيد أكثر من 17500 جزيرة بعد حروب مريرة كانت أشد قساوة من التي خاضوها ضد الاحتلال.

غادر جون الولايات المتحدة الأمريكية أخيرًا باتجاه إندونيسيا مع فريق يتكون من 10 أفراد، تحت قيادة مدير مشروعهم تشارلي. وهو القائد العسكري الذي كرس حياته في الجيش الأمريكي والعاشق لروايات الحرب، وكان من المؤيدين للتدخل العسكري الأمريكي في الفيتنام. نزل الفريق في فندق كونتيننتال الفخم التابع لشركة طيران أمريكية، الذي يستقبل في معظم حجوزاته مديري الشركات الاستثمارية الأجنبية والمهندسين وعائلاتهم في العاصمة جاكارتا. في أول أمسية للفريق، دعاهم المدير تشارلي إلى العشاء، وبدأ حديثه عن مهمة الفريق الأساسية هنا، وهي إخراج إندونيسيا من التيار الشيوعي، وإدخالها في ركب الدول الرأسمالية والالتحاق بالقرن العشرين بعد قرون من الحروب والفقر. أبرز تشارلي أن المهمة الأولى هي دراسة تغطية جزيرة جاوة بالطاقة الكهربائية، على أساس أن الكهرباء يعلو على جميع الأهداف الأخرى باستثناء الصناعات البترولية. حين ذكر البترول تعجب الكاتب من ذاك الاستثناء، فشرح تشارلي الأمر، أنه يستوجب على الفريق في خطته، أن يبين أن الطاقة التي سيتم إنتاجها في السنين الخمس والعشرين المقبلة، ستكفي لسد حاجيات الاستثمارات الأخرى والمرتبطة أساسًا بالبترول، كالموانئ وخطوط الأنابيب والطرق والبناء. ختم المدير تشارلي أمسيته الأولى مع الفريق بنصيحة غريبة، فقال «إن خطأك بالزيادة في التنبؤات أفضل من النقص، وأن لا أحد يريد أن تتلطخ يداه بدماء أطفال إندونيسيا، ولا أطفال الولايات المتحدة».

عاد جون إلى جناحه استعدادًا للنوم، لكنه ظل يتقلب لمدة طويلة، ويعلم أنه سيستيقظ في الصباح ليطل من نافذته على منظرين متناقضين، ففي الفندق سيرى حوض السباحة وساحة معشوشبة وخادمات أنيقات يقدمن للزبائن أشهى المأكولات، وعلى بعد 200 متر من نافدته سيرى أكواخًا متسخة تعج بالسكان، وأطفالًا يموتون بسبب الأمراض المنتشرة؛ نتيجة تلوث المياه والمحيط المعيشي بصفة عامة. وظل على ما عليه من أرق وتأنيب للضمير في الليالي الموالية، خصوصًا أنه يشتغل في قطاع يوفر لشركات مملوكة لأشخاص معدودين، الأموال الضخمة على حساب الفئات الفقيرة، وأن نفس الأشخاص ينتقلون بكل حرية من مراكز تلك الشركات ومراكز سياسية في الدولة، كوزراء أو أعضاء في الكونغرس. مكونين شبكة متجانسة تضم كل الآليات السياسية والاقتصادية اللازمة، كالتحكم في قرارات الحكومة من جهة، والبنوك من الجهة الأخرى، في محاول للسيطرة على الأرض. وأن المشاريع التي يقومون بها تحت غطاء شركات متعددات الجنسيات، لا يستفيد منها عادة الشعب المستهدف، وإنما بالدرجة الأولى أرصدتهم البنكية، وبدرجة ثانية بعض العائلات المحلية التي تتواجد في مراكز القرار، والتي تيسر لهم عملية الدخول. ظل جون يواسي نفسه في تلك المحنة بأمرين؛ الأول قراءة روايات «لويس لامور» عن رعاة البقر الأمريكان، والثاني يعهد لنفسه أن يكشف الحقيقة يومًا ما.

بعد استكمال الإجراءات الإدارية للفريق وتسجيل أسمائهم بالسفارة الأمريكية، انتقل تشارلي بفريقه إلى استراحة حكومية تتواجد بمدينة باندونج الجبلية، كما قدمت لهم السلطات الإندونيسية مكاتب إدارية في مقر شركة الكهرباء الحكومية لإنجاز أشغالهم. خلال الأيام الأولى في الإقامة الجديدة، التقى جون بالسيد هاورد وهو رجل يبلغ من العمر 70 عامًا، استقال من منصب كبير خبراء تقدير الأحمال الكهربائية في محطات الكهرباء في نيو إنجلاند. ولم يرض لنفسه المكوث في المنزل مع زوجته، فقبل هذه الوظيفة الاستشارية في شركة MAIN لتقدير كمية الطاقة الكهربائية التي تحتاجها جزيرة جاوة في السنين الخمس والعشرين المقبلة، وكذا تقسيم هذا الحمل المتوقع على المناطق المختلفة.

خلال اجتماعات الفريق، أخبر تشارلي جون أنه يستوجب عليه أن يجهز في أجل لا يتعدى الشهر، بيانات للمشاريع الاستثمارية التي سيتم إنشاؤها بعد تثبيت نظام الطاقة الكهربائية الجديد، وحث المهندسين على تقييم البنيات التحتية الحالية للجزيرة، من موانئ وطرق وسكك حديدية. وفي أحد لقاءات تشارلي بجون الانفرادية، حذره من هاورد، وأنه إنسان حقود وعنيد، الأمر الذي أثار استغراب الكاتب، خصوصًا أنهما يشتغلان في مكتب واحد، فلم يكن مستعدًا لمثل هذه الصدف في حياته. فلم تكد تمر أيام قليلة بعد هذا التحذير، إلى أن أخبر هاورد جون أن تشارلي إنسان قاس وكاذب، ويوهم موظفيه بأن الشركة ستكبر بسرعة صاروخية. بعدها دخلا في حوار عملي، أخبر الخبير هاورد أن الأحمال الكهربائية لا تزيد عن نسبة 07 إلى 09% كأعلى تقدير مهما كانت الظرفية، كساد اقتصادي أو حتى حرب، وأن نسبة 06% تعد أكثر منطقية، لم يوافقه جون في رأيه وأخبره أن جزيرة جاوة ليست بوسطن أو ككاليفورنيا في الستينات، انزعج هاورد من رأي جون خصوصًا أنه ما زال شابًا، فقال له إنه سيبني أحماله الكهربائية بناء على تقديراته وتجاربه السابقة، وليس بناء على تنبؤات الكاتب.

بعد تطور الجدال، وقف الكاتب أمام هاورد، وقال له إنه سيبدو غبيًا عندما تطابق اكتشافاته توقعات الجميع، بمعنى طفرة اقتصادية تفوق تلك التي حصلت في بوسطن سنوات الستينات، فغضب العجوز هاورد، وصرخ في وجه جون «بلا ضمير، هذا هو جوهر الأمر، أنتم جميعًا بلا ضمير، لقد بعتم أنفسكم للشيطان، أنتم متورطون في هذه الأمور بسبب المال». تعرض الكاتب لصدمة لم يتوقعها بعد حديث هاورد، أصاب منه وترًا ملتهبًا، ففي داخله يعي صحة ما ذكره، واتجه إلى مكتب تشارلي للتنازل عن المهمة والعودة، إلا أنه توقف في منتصف الطريق وغادر المبنى، سؤال واحد يتبادر إلى ذهنه «ما الذي يجب علي فعله ليرتاح بالي». لم يستطع جون النوم تلك الليلة، فظل يفكر فيما ستؤول إليه الأمور، فتارة ينوي إخبار هاورد بكل شيء مهما كانت سريته، وبالتالي الاتفاق على حل وسط، وتارة يقول «إن هاورد عجوز، وأصبح هكذا نتيجة العديد من الإخفاقات والإحباطات، وإنني ما زلت شابًا، ويجب علي العمل أكثر، والسير في طريق الغنى». إلى أن خطرت على باله كلمات هاورد التي قال فيها إنه لن يعتمد على تنبؤاته، وإنما على تجاربه الشخصية، وتفطن إلى أنه سيقوم بتنبؤات جد متفائلة من أجل إرضاء رؤسائه، وليس من أجل مساعدة هاورد. بعد أيام قليلة من ذاك النقاش سقط هاورد مريضًا بفعل حمى شديدة، وتم نقله لمستوصف محلي، فوصفوا له الدواء، وطالبه الأطباء بالعودة للولايات المتحدة الأمريكية بأقصى سرعة، وفعلًا عند نقله إلى المطار أخبر جون أنه فعلًا يملك جميع المعطيات التي سيبني عليها أحماله وتقديراته، وأنه لن يشارك في ما وصفه بالخدعة.

عاد جون للعمل وجمع المعلومات، فقصد الإدارات الحكومية المحلية في باندونج، فأجابه موظفوها أنهم لن يستطيعوا مساعدته وأن ما يطلبه يوجد في الإدارات المركزية بالعاصمة جاكارتا، في إحدى الليالي وهو عائد إلى الاستراحة، التقى بابن إحدى العاملات، وهو طالب جامعي يدعى رازي، بدأ هذا الشاب يتلطف بالكاتب الذي ارتاح له بدوره، فبدأ يعلمه اللغة الإندونيسية، وصاحبه في إحدى الليالي على متن دراجته النارية، وجال به أنحاء المدينة والهوامش، ثم استقرأ في المقهى مع أصدقائه. تركت هذه النزهة أثرًا إيجابيًا لدى جون، وتواعدًا على إعادتها في القادم من الأيام، بعد العودة من مهمته في العاصمة.

في زيارته لجاكرتا التي دامت أيامًا معدودة، تمكن جون أخيرًا من الحصول على ما يحتاجه وسط استغرابه من حسن معاملة الموظفين، خصوصًا أنهم يلقبونه بالباحث أو المحقق أثناء تقديمه من المرافق إلى أحدهم باللهجة المحلية على اعتبار أنه يجهلها، ولم يعلم بالجهة الوصية على حسن هذه المعاملة؛ هل كانت من أحد قادة الجيش أو الحكومة أو حتى من السفارة، المهم أنه تحصل على المشاريع التي ستعرفها الجزيرة في السنوات المقبلة، وتحصل من مديري البنوك على مخططات وجداول بيانية، وحتى خطط المصانع واستراتيجياتهم في السنوات الخمس والعشر المقبلة تحصل عليها من أربابها. فلاحظ أن كل التقارير والبيانات تصبو في أن الجزيرة ينتظرها إقلاع اقتصادي عظيم.

عاد الكاتب من جديد إلى باندونج بعد انتهاء المهمة الأولى، على أن تتوالى الزيارات للعاصمة للمزيد من البحث وتجميع المعطيات. استقبله رازي بشوق شديد، وصاحبه لحضور عرض يسمى بـ«مسرح العرائس»، سيقدمه دالانج أعظم أساتذة مسرح العرائس في إندونيسيا. العرض الذي سيبقى راسخًا في ذاكرة الكاتب، لأنه يبين مدى عمق وعي الشعب الإندونيسي بما يحدث على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية. دالانج يملك المئات من الدمى ويستطيع تغيير صوته وتحريك هذه الدمى بكل حرية وطلاقة.

انطلق العرض، وأخد دالانج دمية تشبه الرئيس الأمريكي نيكسون وترتدي ملابس العم سام، وكانت إلى جانبه دمية تحمل في يدها دلوًا مزخرفًا بالدولارات، وفي اليد الأخرى راية للولايات المتحدة الأمريكية، وخلفهما خريطة للشرق الأوسط والشرق الأدنى وقد علقت فوقها الدول بخطاطيف، اقتربت دمية الرئيس نيكسون وانتزع دولة الفيتنام، وأخذ يكلمها «مرة، زبالة، لا نريد مثل هذا» ثم ألقى بها، وأخذ ينتزع دول الشرق الأوسط واحدة تلو الأخرى،كالسعودية وفلسطين والعراق وسوريا وغيرها… وفي كل مرة كانت الدمية تتفوه بكلمات معادية للإسلام، مثل «المسلمون الكلاب، المسلمون الشياطين، كلاب محمد» قبل أن يلقيها في الدلو. لم يستطع الكاتب تمالك نفسه، فهب للخروج من المسرح خشية تعرضه للمشاكل، فمع توالي العرض يزداد حماس الجماهير، ومع اقترابه من الباب الخارجي سمع دمية نيكسون، تقول «أعط هذا للبنك الدولي لنر، هل ستمنحنا المزيد من الدولارات، ورفع خريطة إندونيسيا»، الأمر الذي لم يتوقعه. وبعد انتهاء العرض اتجه صحبة رازي وأصدقائه لتناول العشاء، واعتذروا له، وأخبروه أن لا أحد يعلم بمحتوى العرض، وبدوره قال الكاتب «إن العرض يستهدفه؛ ما جعل أحد الشباب يصفه بالمغرور كباقي الأمريكيين»، وتدخل آخر «الإندونيسيون لديهم وعي شديد بالسياسة، ألا يذهب الأمريكان لمثل هذه العروض؟» وتدخلت إحدى الفتيات، وهي طالبة جامعية «لكنك تعمل في البنك الدولي، أليس كذلك؟» فأجاب بالنفي، وقال «إن مهمته الحالية تابعة لبنك التنمية الآسيوي، وهيئة المعونة الأمريكية»، وأجابته «أليسوا في الحقيقة كيانًا واحدًا؟ وأتمت مداخلتها دون انتظار إجابته «أليست الدول شبيهة بعنقود من العنب؟ تحتفظ بإنجلترا وتأكل الصين وتلقي بإندونيسيا؟» وتدخل أحد الشباب «بعد استنزاف بترولنا». انحنى جون للوابل الهائل من الأسئلة التي لم يكن مؤهلًا للإجابة عنها، بالرغم من الكم الكبير من الأفكار التي تدور في رأسه، كأن يشرح لهم مثلًا؛ إنه الوحيد في الفريق الذي تعلم اللهجة المحلية، وزار العديد من المناطق الشعبية وصاحبهم في العديد من المرات، لكن فضل الصمت ومحاولة تغيير الموضوع. واستفسر جون عن استثناء الدالانج للفيتنام دون الدول الإسلامية الأخرى، فردت الفتاة أن الفيتنام ليست إلا طريقًا وذريعة للوصول لتلك البلدان، وأن الهدف الحقيقي لأمريكا هو الإسلام، واستدلت بأحد المؤرخين البريطانيين الذي تنبأ بالصراع الأمريكي الإسلامي منذ 50 سنة. أتمت الفتاة كلامها «أمريكا وحلفاؤها تحاول السيطرة على العالم، وأن الأمر يستدعي الوقوف ضد كل القوى الأخرى التي تعتمد في أيديولوجيتها على الإيمان بقوى غيبية، وأن المسلمين من أكثر الشعوب إيمانًا بالله»، واستدلت بالسوفييت الذين لم تدم قوتهم، لفراغ أيديولوجيتهم من الإيمان بهذه بالقوى، فرد الكاتب بالسؤال عن الحل دون وقوع هذا الاصطدام، فردت من جديد بأن تكف أمريكا عن جشعها وأنانيتها، وأن في العالم أمورًا أكثر أهمية من بيوتهم ومتاجرهم الفاخرة، وأن هناك شعوبًا غارقة في الفقر مثلنا، وأنتم لا يهمكم سوى البترول من أجل سياراتكم.

غادر الكاتب باندونج في اتجاه العاصمة، وفي ذهنه الكثير من الأسئلة، التي تركها العرض المسرحي وكلمات الطالبة الإندونيسية. في آخر ليلة له في فندق كونتيننتال وفي إندونيسيا عمومًا، اعترف أخيرًا أنه لم يعد بريئًا كالماضي، وتساءل كيف توالت الأحداث هكذا، ولم يدرك أن التغيير سيكون بهذه الحدة، وأن السياسة الحالية التي يساهم فيها لن تزيد إلا في تجويع الشعوب الأخرى وإغراق أجيال المستقبل في المزيد من الديون. التقى جون بآن في باريس في طريقه للعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهما ازدادا نفورًا من بعضهما البعض؛ لأنه لا يستطيع إخبارها بتفاصيل ما قام به في مهمته، واقتنع أن العلاقة بينه وآن شبه منتهية، وفي المقابل كان يفكر كثيرًا في كلودين التي تعتبر صندوقه الأسود.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل