المحتوى الرئيسى

ترامب.. باقٍ ويتمدد!

01/24 10:15

منذ 18 ساعة، 23 يناير,2017

إن وصول دونالد ترامب لكرسي السلطة في أعظم قوى اقتصادية و عسكرية في العالم قد يكون بداية التغيير للنظام السياسي العالمي الحالي الذي ترسخ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فترامب يرى في روسيا حليفًا محتملاً في الحرب على داعش، كما لمح إلى إمكانية إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من الأراضي الروسية كما هدد بأنه لن يدافع عن شركائه في حلف الناتو في حالة أي اعتداء عليهم من روسيا  ما لم يدفعوا “حصة عادلة” في إطار عملية الدفاع المشترك بينهم. هذا في ظل التقرير المخابراتي الصادر مؤخرًا الذي يزعم أن المخابرات الروسية لديها تسجيل يحوي مواد “محرجة” لترامب تم تسجيلها في إحدى زياراته لروسيا.

يرى بعض المراقبين أن نتائج وصول دونالد ترامب للرئاسة ستكون كارثية، حيث أجمعوا على أن الخطابات والوعود التى أطلقها ترامب منذ إعلان ترشحه تفتقد للدبلوماسية السياسية ويتضح من الهجوم السياسي الذي يتلقاه ترامب بعد كل تصريح أن الخلاف لا يكمن في الأفكار التي تحملها تصريحاته بل في طريقة تعبيره عنها  لكن هذه الخطب الشعبوية هي المفتاح الذي أوجد له مكانًا مميزًا في أوساط الناخبين الأمريكيين المحافظين الذي وجدوا في خطاباته ما يعبر عن دواخلهم، وهم الذين شعروا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد خذلتهم وأصبح جل اهتمامها ينصب على السياسة الخارجية أكثر من الاهتمام بالداخل الأمريكي وعلاج الاقتصاد الراكد حيث رأوا في ترامب رجل الأعمال والمليادير الناجح الذي سيعمل على إخراج الاقتصاد الأمريكي من كبوته، وحقيقة تجنب انتقاد أطروحات ترامب والتوجه بدلًا من ذلك إلى انتقاد طريقته في التعبير عنها يقول الكثير عن السياسية الأمريكية، ومن أمثلة ذلك انتقاد الديمقراطيين وبعض الجمهوريين له بعد إعلانه عن رغبته عن بناء جدار يمتد على طوال الحدود المكسيكية الأمريكية منعًا لدخول المهاجرين غير الشرعيين وتهريب المخدرات للولايات المتحدة الأمريكية، وكان من أشد معارضي بناء هذا الجدار هيلاري كلينتون المرشحة الخاسرة في الانتخابات الأمريكية، والرئيس السابق باراك أوباما، ما يدعوا للدهشة أن كلًا من السيناتورين في ذلك الوقت أوباما وكلينتون قد صوتوا لصالح مشروع بناء سياج على طول الحدود الأمريكية المكسيكية وكانت قد تقدمت به إدارة جوج بوش الابن للكونجرس الأمريكي سنة 2006، ومن أبرز وعود ترامب الانتخابية التي لاقت استهجانًا شديدًا هي دعوته لإنشاء سجل خاص بالمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يبلغ عددهم الثلاثة ملايين مسلم لمراقبة تحركاتهم فيما تم تشبيهه بتسجيل ألمانيا النازية لليهود قبل البدء بتصفيتهم أو قيام الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت بتسجيل جميع الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية وترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال إثر هجوم الإمبراطورية اليابانية على قاعدة بيرل هاربر البحرية والذي تلاه إعلان دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب رسميًا إلى جانب الحلفاء. وبالطبع تصدر كل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما الدعوات المضادة لتصريحات دونالد ترامب حيث وصفوها بالعنصرية المقيتة ورهاب المسلمين غير المبرر، متناسين أن هنالك بالفعل سجل خاص لتسجيل ومراقبة دخول وخروج المسلمين من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية تم إنشاؤه في ظل إدارة جورج بوش الابن مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وعرف باسم “نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج (NSEERS)” لم يجذب هذا البرنامج نظر الصحافة لأنه بدا كبرنامج عادي لمراقبة انتهاكات التأشيرة من زائرين من دول معينة، فعدم تسميته ببرنامج خاص بالمسلمين جنبه الملاحقة القانونية، لكن واقع أن 24 من 25 دولة تمت مراقبة المواطنين القادمين منها هي دول ذات أغلبية مسلمة تمحو كل شك في هدف البرنامج (الدولة الخامسة والعشرين هي كوريا الشمالية)، يحسب لأوباما أنه أوقف العمل به في 2011 وألغاه نهائيا في أعقاب فوز دونالد ترامب بالانتخابات لعرقلة مساعيه في تعقب المسلمين و إن كان ترامب قد تراجع عن تصريحاته لشدة الانتقادات التي طالته كون إنشاء هذا البرنامج لاستهداف المسلميين فقط فيه مخالفة دستورية فاضحة لكن هذا لا يعني تراجعه عن نيته في إنشاء هذا البرنامج متى سنحت له الفرصة لذلك.

إن تصريحات ترامب جلبت له الانتقادات من كل جانب لكن هذه التصريحات هي التي قادته لكرسي الرئاسة، فتراجعه عن بعض هذه التصريحات عده الخبراء السياسيون من قبيل المناورات السياسية.

ترامب وفي مسعاه لتنفيذ وعوده أحاط نفسه بمجموعة من الوطنيين البيض المؤمنين بتفوق العرق الأبيض وبأمريكا مسيحية بيضاء، قد يكون بعضهم أشد تطرفا وأقل براغماتية من ترامب نفسه، والذي ينتظر منهم أن يشكلوا سياسات ترامب للسنوات الأربع القادمة، وحاليا يبدو أن أخطر رجل إلى جانب ترامب هو نائبه “مايك بنس” الحاكم السابق لولاية إنديانا وكان في الأصل داعمًا لترشيح تيد كروز عن الحزب الجمهوري، و غاية ترامب من اختيار مايك بنس كنائب له كانت لكسب دعم المحافظين “الإنجيليين” أي الجمهوريين التقليديين وهو ما نجح فيه، وعرف عن مايك بنس انتقاده لبعض مقترحات ترامب كدعوته لمنع لدخول المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية حيث قال إنها “مسيئة وغير دستورية”، خطورة بنس تكمن في أنه على خلاف ترامب يتميز بالعقلانية السياسية مما سيمكنه من فرض أفكاره على السياسة الخارجية والداخلية لترامب، وقد يلعب نفس الدور الذي لعبه ديك تشيني في إدارة جورج بوش الابن حيث عرف عنه في الأوساط السياسية بواشنطن أنه الحاكم الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية، هذا إلى جانب تصريح جون كيسيك حاكم ولاية أوهايو الذي قال إن ترامب عرض عليه منصب نائب الرئيس ووعده  في حال فوزه أنه سيكون أقوى نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وسيكون مسؤولًا عن السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الأمريكية أي أنه عرض عليه تقريبا كرسي الرئاسة لكنه رفض عرضه، يستشف من هذا أن ترامب لا ينوي فعليا إدارة الولايات المتحدة الأمريكية بل يبدو أنه سيترك لدائرة مقربيه وضع الخطوط العريضة لسياساته و على رأسهم نائبه مايك بنس وابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر الذي عينه ترامب كبير المستشارين لديه.

وستكون من أولى مهام إدارة دونالد ترامب الجديدة هي تعيين خليفة للقاضي الراحل أنتونين سكاليا في المحكمة العليا، إن اختيار القضاة في المحكمة العليا عملية دقيقة جدا فمتى تمت الموافقة على تعيين القاضي من قبل مجلس الشيوخ يبقى القاضي في منصبه حتى وفاته أو استقالته طوعًا، وهو ما دفع مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لرفض تعيين مرشح أوباما للمحكمة إلى ما بعد الانتخابات على أمل أن يكون الفائز في الانتخابات من الحزب الجمهوري ليعيد لهم تفوقهم الذي فقدوه بعد وفاة سكاليا، والآن وبعد أن آل الأمر إلى ترامب فسيعمل على تعيين قاضٍ من تيار المحافظين، ومن أهم القضايا التي يرغب الجمهوريون من المحكمة إعادة النظر فيها هي قانون الإجهاض وزواج المثليين.

والآن وبغض النظر عما إذا استطاع دونالد ترامب إكمال عهدته الرئاسية أو استقال أو أقيل لأي سبب كان، فإنه إدارته هذه ستعيد تشكيل السياسات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الأمريكية لعقود قادمة، فآثار رئاسته بالفعل باقية وتتمدد!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل