المحتوى الرئيسى

عبدالكريم محمد يكتب: معادلة التخلص من نصف الشعب..سياسات حكومة الجنرال لقتل المواطنين | ساسة بوست

01/24 05:33

منذ 3 أيام، 21 يناير,2017

شهدت سنوات حكم «مبارك» الأخيرة مشاكل اقتصادية عدة أرهقت غالبية  المواطنين المصريين، تسبب فيها سياسات حكومات «الحزب الوطنى» الاقتصادية، و«شلة» رجال الأعمال المتحكمين التى ظهرت مع صعود نجم ابن الرئيس، خصوصًا فى لجنة السياسات التى ترأسها والمجموعة الاقتصادية التى عاونته، تعددت الأزمات التى خلقتها سياست هذه الحكومات: فمن نواب القروض الذين استولوا على مئات المليارت بتسهيلات من جهات سيادية، ثم هربوا بها تحت حماية نفس الجهات السيادية، إلى  التعويم الجزئى للجنيه، مرورًا ببرنامج الخصخصة المتسارع الذى أفقد الدولة قدراتها على التحكم فى السوق من ناحية، وشرد آلاف العمال من ناحية أخرى، عانى المصريون بشدة من سياسات النظام الاقتصادية، حتى انتشرت بينهم مقوله «اللى معاه يعيش.. واللى مش معاه يموت»، الأمر الذى مهد لمشاركة ملايين فى ثورة يناير (كانون الثاني) تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى أكسبها قوتها الحقيقية بانضمام الملايين الهادرة لها (جمعة الغضب 28يناير 2011) طلبًا لحقوقهم الاقتصادية المشروعة، والتى صاغوها بأبسط الكلمات وأعمق الدلالات «عيش».

بعد الانقلاب العسكرى وتحت حماية الدبابة أحيا الجنرال المنقلب المعادلة الاقتصادية القديمة – الجديدة باتباع سياسات السوق النيوليبرالية بتحرير الخدمات، ورفع الدعم بأنواعه، ومزيد من الخصخصة، وتخفيف الانفاق الحكومى على الصحة والتعليم والخدمات الموجهة للمواطن وربط الأسعار بالسوق العالمية، بالإضافة لمزيد من الضرائب والأعباء على المواطنيين.

معادلة اقتصادية تبنتها الدولة مفادها «نصف شعب مصر الفقير يموت وينتهى» سواء بالفقر أو المرض أو الجوع أو بحوادث الطرق أو مراكب الموت، فكل السياسات الاقتصادية القديمة، والتى ثار الناس عليها والتى ينتهج النظام سياسات أشد منها فُجرًا وتعسفًا هى بالأساس موجهة ضد الطبقات المتوسطة والفقيرة والمعدمة، فهولاء هم من يطالبون بالدعم والعلاج والتعليم الحكوميين هربًا من الجهل والفقر والمرض، وسياسات الحكومة -التى تحللت من مسئولياتها تجاه المواطنيين- تنتهج نهجًا مغايرًا تمامًا لذلك.

فى حين يفاجئ السيسى الجميع – خصوصًا أنصاره الذين ضجوا منه بسبب قرارته الاقتصادية وفقط – بقوله فى أحد خطاباته «إن ما تم فى مصر خلال سنتين لا يمكن إنجازه، إلا فى 20 سنة» ويقول أيضًا فى مناسبة أخرى «ماشيين صح»، وهو يقصد بذلك سياساته الاقتصادية، فالجنرال لا يضيع وقته وهو ينفذ برنامجًا اقتصاديًا غير معلن، فمثلًا قرار تعويم الجنيه مفاجئ وصادم لجميع المصريين، بينما يخرج وزير مالية حكومة السيسى ليقول «إن قرار التعويم مدروس بالدقيقة والثانية» على حد وصفه، سبق التعويم تخفيض الدعم العينى ورفع الجمارك على كثير من السلع وإصدار قانون جباية جديد باسم القيمة المضافة وتلاه زيادة الجمارك مرة أخرى، ورفع سعر المحروقات، وليس آخرًا رفع سعر الأدوية.

المؤكد عندما يتحدث السيسى فغنه يقصد بـ«ماشيين صح» دولة نظامه وأركانها وفقط، فقرراته الاقتصادية مثلت سيف على رقاب ملايين من المصريين، فسقطت أغلبية الطبقة الوسطى فى خضم معاناة الطبقة الفقيرة التى تحول أغلبها إلى الطبقة المعدمة التى تتجه نحو الموت بسرعة، بينما أركان دولة السيسى يزدادون ثراء، فرجال الأعمال يخدمهم تعويم الجنيه، والتجار والصناع الكبار يفيدهم رفع الأسعار، والشرطة والقضاء والجيش تزيد مرتباتهم كل فترة ويمنحون مزيدًا من المكافآت طلبًا لعونهم أو لسكوتهم.

وعليه نستطيع أن نؤكد أن سياسات النظام الاقتصادية هدفها قتل نصف المصريين الواقعين تحت خط الفقر، حتى تتخفف الحكومة من ما تعتبره أعباء عليها، أما النصف الباقى فهم يحتاجونه فى تسيير أعمالهم (فى قطاعات مثل البترول والاتصالات) وإدارة اقتصادهم (فى قطاعات مثل البنوك والبرصة) وخدمتهم (السياحة والفندقة) وتأمينهم (الداخلية وشركات الأمن الخاصة).

فالمواطن المعدم والفقير عليه أن يختار الموت فى مستشفيات لا تقدم خدمات صحية حقيقية أو بالجوع والجهل أو فى حوادث على الطرق السريعة أو حتى فى مركب متهالك فى عرض البحر طلبًا للهجرة، تلك المراكب التى تبحر أمام أعين حرس الحدود وخفر السواحل دون اعتراض أو منع.

الخلاصة: إن اقتصاد دولة الجنرال ليس فيه موازنة للإنفاق على الناس أو تقديم خدمات تعليمة وصحية واجتماعية للمواطنيين، أو كما عبر السيسى نفسه – فى تسريباته التى أذاعتها شبكة رصد – بقوله «أنا معرفش حاجة اسمها ببلاش..عاوز خدمة تدفع تمنها..حتدفع يعنى حتدفع»، وهو يسير وفق معادلة «التخلص من نصف شعب مصر الفقير بدفعه للموت»، تلك المعادلة التى عطلتها ثورة يناير، ولو مؤقتًا قبل أن يعيدها الجنرال المنقلب؛ حتى يستطيع أن يحكم هو ونظامه دون أعباء أو خدمات للمواطن، حتى لو أدى ذلك الى قتل نصف شعب مصر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل