المحتوى الرئيسى

طه عبد المنعم يكتب: باتمان وسوبرمان بين عوالم الكوميكس وعوالم السينما | ساسة بوست

01/23 18:07

منذ 1 دقيقة، 23 يناير,2017

الأبطال الخارقون عالم متكامل من الأحداث والحكايات وليس فقط بضعة رسوم متحركة على صفحات المجلات أو شاشات التلفزيون، قصصهم تحدد طبيعتهم وأعمارهم نهلت من تواريخ سياسية واجتماعية واقتصادية لأمريكا بالأساس. فباتمان هو “بروس واين” مليونير لاه، وريث عائلة ثرية من مجتمع الصناعات العسكرية التي نشأت أثناء الحرب العالمية الثانية، وسوبرمان هو “كلارك كنت” ابن فترة الكساد الكبير وابن مزارع من آيوا، وأوضح مثال هم شخصيات فيلم الحراس (Watchmen (2009 وهم من كوميك مشهور بنفس العنوان ويعتبر الأول على 100 جرافيك نوفيل Graphic Novel على مر تاريخ الكوميكس. فمخرج الفيلم الذي التزم حرفيًا بمشاهد الرواية المصورة من تأليف آلان مور Alan Moore يخبرنا أن كل فعل هو فعل سياسي، ففيه لن تستطيع فصل السياسة الأمريكية عن عالم الكوميكس، فدكتور مانهاتن Dr. Manhattan هو ببساطة تجسيد لمشروع أمريكا النووي في مدينة منهاتن وهو الاسم السري العسكري لمجموعة العلماء الذين صنعوا القنبلة الذرية، وإذا كان هذا على جانب استديوهات دي سي DC، في جانب استديوهات مارفيل Marvel يصبح كابتن أمريكا Captain America التفسير البطولي لخوض ونجاح أمريكا في الحرب العالمية الثانية ومواجهتها للنازية وهو أيضًا القائد للمنتقمين Avengers. ولن ننسى طبعا توني ستارك Tony Stark البطل الأمريكي الجديد الثري وتاجر الأسلحة والعالم والمهندس وأخيرًا البطل الخارق الرجل الحديدي Iron Man.

حاليا تتنافس DC وMarvel على عالم الأبطال الخارقين إلى درجة أن ظهرت أربعة أعداد من مجلة تحمل اسم DC vs. Marvel في 1996 للمواجهات بين أبطال العالمين، وفيها تفوق باتمان (Batman (DC على كابتن أمريكا (Captain America (Marvel.

أول حدث هز عوالم الكوميكس هو موت سوبرمان في فيلم (باتمان في مواجهة سوبرمان): فجر العدالة Batman v Superman: Dawn of Justice 2016. الفيلم الذي شَهد موت سوبرمان هو الفيلم الثاني بعد فيلم رجل من فولاذ 2013 Man of Steel وسيتلوه فيلم من جزئين لتكوين عصبة العدالة Justice League. فيما يصنع ثلاثية أخرى لسوبرمان على شاكله ثلاثية باتمان، الفارق إن استديوهات DC هي التي ستصنع ثلاثية سوبرمان، بالرغم أن المخرج “جاك سنايدر” Zack Snyder من سيقوم بإخراج الثلاثية بالكامل (كما هو متوقع ومتعاقد عليه)، ولكن ثلاثية باتمان صنعها المخرج الرائع “كريستوفر نولان” Christopher Nolan صاحب Inception وInterstellar.

ببساطة نحن نشهد تحولًا في عوالم الأبطال الخارقين Supermen من عوالم الكوميكس إلى عوالم السينما. فقد تدخلت استوديوهات DC في طبيعة شخصيات أبطالها وكذلك فعلت استوديوهات Marvel، ولكننا سنتكلم عن شخصيتين تنتميان لعالم DC وهم سوبرمان وباتمان.

“… أنا متحمس للقصص المصورة، خصوصا عن الأبطال الخارقين، أجد علم الأساطير الذي يتضمن أبطالًا خارقين مثيرًا للاهتمام. خذي مثالا سوبرمان، في علم الأساطير، سوبرمان ليس فقط بطلًا خارقًا عظيمًا، لكنه أيضًا فريد. في تصنيف علم الأساطير للبطل الخارق، هناك شخصية للبطل الخارق، وشخصية لذاته الثانية. باتمان في الحقيقة بروس واين، عندما يصحو باتمان في الصباح، يكون بروس واين الذي يجب أن يدخل الكهف ويرتدي زي باتمان ليصبح باتمان، وفي تلك النقطة، يصبح سوبرمان فريدا، سوبرمان لم يصبح سوبرمان، سوبرمان ولد سوبرمان، عندما ينهض سوبرمان في الصباح، هو سوبرمان، بزيّه الأحمر بـحرف “S” الكبير، وتلك البطانية التي لفّ فيها وهو طفل عندما وجدته عائله كنت. ذاته الثانية هي كلارك كنت، بذلة العمل والنظارة، ذلك الزي لشخصية الصحفي، ذلك الزي الذي يلبسه سوبرمان ليختلط بنا، زي كلاك كنت، كلارك كنت هو كيف يرانا سوبرمان، سمات شخصية كلارك كنت، ضعيف، غير واثق من نفسه، جبان، كلارك كنت نقيض سوبرمان في الجنس البشري كله”.

لهذا سوبرمان من أنجح شخصيات الكوميكس على الإطلاق، يموت سوبرمان على يد دوومسداي Doomsday الوحش الفضائي، موت سوبرمان التحول الأكبر في عالم البطل الأول في DC، فموت سوبرمان لم يقتل سوبرمان ولكنه قتل الموت نفسه في عالم الكوميكس، فكم الشخصيات التي ماتت وعادت للحياة تفوق العدد وكلها بعد عام 1992، ناهيك طبعا أن الكتاب حقق مبيعات هائلة لشركة دي سي. حدثت كثير من التعقيدات والارتباكات في عالم سوبرمان بعد موته، ولكن فيلم الأنيمي Superman Doomsday 2007 وضع الأمور في مسارها الصحيح، فيوم الحساب لسوبرمان ليس في موته ولكن في مواجهه نفسه، في نسخة صنعها ليكس لوثر Lex Luthor العدو البشري اللدود لسوبرمان. لوثر يطرح سؤالًا هامًا للغاية: سوبرمان له كل المميزات ليصبح أحد الآلهة بما فيها استعداد الناس عمليا بالكاد ليعبدوه! ولكنه يحمينا ويحافظ علينا بدون أي شروط أو مطالب! هل سوبرمان إله حقا؟ هذا السؤال طرحه جاك سنايدر في فيلمه الأخير ولكن الفارق إن العثور على الإجابة جاءت بطريقة مختلفة، ففي فيلم الأنمي (يوم حساب سوبرمان) واجه سوبرمان بعد رجوعه للحياة نسخة صنعها (لوثر) جينيا ليسيطر بها على (متروبوليس Metropolis)، تلك النسخة الأخرى من سوبرمان تريد أن تحمي الناس أيضا بإخلاص ولكن وفق قوانينها الخاصة، تلك النسخة ليس بها الجانب الإنساني، ليس بها شخصية كلارك كنت، تلك النسخة تقتل وتهدد وتعاقب، باختصار تلك النسخة تفقد البوصلة الأخلاقية التي تربى عليها ذلك الفتى ابن المزارع، ومع انتصار سوبرمان على تلك النسخة ومع عودته للحياة بعد الموت، تمت الإجابة على سؤال الألوهية. صحيح كلارك كنت هو نقيض سوبرمان في الجنس البشري، لكن شخصية كلارك كنت أو بالأدق ضعفه هي التي منعت سوبرمان من أن يكون إلهًا مسيطرًا ومتحكمًا. أما جاك سنايدر جعل سوبرمان يذهب للمحاكمة أمام الكونجرس الأمريكي وجعل الناس تتمرد عليه، ولم يقدم إجابة على السؤال إلا بموت سوبرمان نفسه بنهاية الفيلم. المؤسف أن حتى محاكمة سوبرمان لم تتم والسؤال الذي يؤرق الشعب: هل حقا نحتاج سوبرمان؟ فالسيناتور الأمريكي التي تتولى جلسة محاكمته، تقر – بعد تردد واضح – بحقيقة وجوده وليس ضرورة وجوده.

في فيلم جاك سنايدر، لم تعد شخصية كلارك كنت تتصف بالجبن والتردد، فهو انتقل للعيش مع حبيبته الصحفية، ويجادل رئيس التحرير حول الموضوعات التى يتولاها بصفته صحفيًا، فعندما يقول له رئيس التحرير: “عندما أُسّست الصحيفة، كانت لها مواقف واضحة”، فيرد عليه: “وهذا ما كنتَ ستفعله لو كنّا في عام 1938! لكنّنا لسنا كذلك”، وعشاق سوبرمان يعرفون أن هذا العام هو أول ظهور لشخصية سوبرمان على صفحات مجلات الكوميكس، بما يعني أن سوبرمان القديم انتهى.

باتمان بشري حتى النخاع، بدون أي قدرات خاصة وهو متفرد بين شخصيات الأبطال الخارقين بأن نقطة ضعفه الوحيدة استغلها لتعزيز قوته، وهي الخوف من الوطاويط، والقتال خلال الألم، “بروس واين” يخاف ويعاني ولكنه يستغل ذلك لتعزيز قدرات باتمان. يبلغ من العمر 77 عامًا، حيث ظهرت تلك الشخصية لأول مرة على صفحات DC Comics عام 1938، بينما ظهر سوبرمان الذي يصغره بعام واحد عام 1939 (بعضهم يقول عدة شهور فقط)، ومن وقتها بدأ يظهر أبطال خارقون مُستلهمون من باتمان تارة وسوبرمان تارة.

سوبرمان يستمد قوته من شمس الأرض الساطعة لذا فكل مغامراته في النور، سوبرمان لا يحارب أو يقاتل إنما ينقذ ويحافظ، حتى إن حرف S على بذلته تعنى الأمل. أما باتمان فيستمد قوته من الوطاويط، كائنات الظلام، لذا فكل مغامراته في الظلام. مدينة جوثام Gotham لا تظهر في الصباح أبدًا، دائما غارقة في الظلام. في أحد مشاهد فيلم (Batman: Gotham Knight 2008) يسأله أحد المتشردين: كيف ترى المدينة من أعلى؟ فقال: “قذرة”. تظهر مدينة جوثام دائما في الأفلام أقرب لمدينة نيويورك. لا تؤثر شخصية بروس واين على شخصية باتمان، كما نرى وفعلت شخصية كلاك كنت في سوبرمان.

باتمان يحارب الجريمة، يظهر وقت الأحداث ليلقي القبض عليهم ويسلمهم للشرطة، بل ويلبي نداءها عندما يستدعوه بعلامه الوطواط في السماء. سؤال باتمان الأساسي حول القانون؟ وهل القانون عادل؟ مَن ينفذ القانون؟ فارس الظلام أم النائب العام ومفوض الشرطة؟ لهذا فالجوكر عدوه اللدود تراوده أسئلة على شكل إجابات لأسئلة باتمان. هل الفوضى تواجه القانون؟ في أغلب المواقف لا يرتكب الجوكر جرائم إلا بدافع إثارة الفوضى ليواجه رجل القانون! أين يقع الخط الفاصل بين الفوضى والجنون؟

في فيلم الأنمي باتمان (المزحة القاتلة Batman: The Killing Joke د2016) المأخوذ من جرافيك نوفيل لآن مور بنفس العنوان نشر عام 1988 لا نرى بروس واين، فالفيلم بالأساس عن شخصية الجوكر ولكن مشهد النهاية هو الذي يسترعى الانتباه، فالجوكر يستسلم ويعرض باتمان عليه المساعدة بدلا من وضعة في سجن آركام، فيقول له الجوكر: “لقد ذكرتنى بمزحة، كان هناك شخصان محبوسين في مصحة نفسية وذات ليلة قرروا الهروب، بعدما وصلوا إلى السطح رأوا الفضاء الواسع يمتد لجميع أنحاء المدينة وللحرية. الشخص الأول قفز بدون تردد ولكن صديقه يخشى السقوط والظلام. كان لدى الشخص الأول فكرة فقال له: “معي هذا الكشاف، سأضيء به في الفجوات بين المباني ويمكنك السير من خلال الشعاع والانضمام إلي” ولكن الشخص الثاني قال: “ماذا تظنني، مجنون؟ بوسعك أن تطفئه عندما أكون في منتصف الطريق”.

هذه هي المزحة القاتلة التي يقصدها آلان مور Alan Moore، فباتمان مجنون أيضا ولكنه يمارس جنونه حسب القانون، أما الجوكر يمارس جنونه حسب الفوضى، هذا هو الفرق، الفيلم يختم بالجوكر وباتمان يضحكان على تلك المزحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل