المحتوى الرئيسى

أحمد محمد حماني يكتب: الفكرة الدينية وعلاقتها بتأطير الحشد | ساسة بوست

01/23 16:26

منذ 2 دقيقتين، 23 يناير,2017

تحكي كتب التاريخ عن صمود أسطوري لأتباع مسيلمة الكذاب، صمود خارق للعادة البشرية، خاصة في معركة اليمامة، حيث أبلى فيها مريدوه وأنصاره بلاءً شديدًا، وقد كانت معركة قاسية لا يثبت فيها إلا الشجعان.

رغم أن العارف بشخصية مسيلمة الكذاب يستغرب كيف أمكن له تأطير هذه الحشود الهائلة من البشر، وعددها بعشرات الآلاف، وربما المئات، وهو الرجل الذي غلب هزله على جده يكذب بطريقة ساذجة، ويمارس ألاعيبه السياسية بطريقة مكشوفة جدًّا، أين يكمن سر نجاح مسيلمة إذن؟

 إن جمع الحشود على فكرة واحدة كان دائمًا هدف الطامحين للقيادة. غير أن الحفاظ عليهم كان أبرز كوابيس القادة. كيف تجعل شخصًا مثلك يموت من أجلك؟ كيف تجعله يقدم نحره للسيف دون نحرك وهي الجزئية التي لم تتأتى إلا للقليل من البشر على مدار التاريخ، لابد وأن الأمر مرتبط بتأطير نفسي مثمر وعالي المستوى لأن القيادة عبر الاستثمار في القبيلة أثبتت عدم جدواها، والحكم بالمال كثيرًا ما غدر بأصحابه. مسيلمة لم يملك لا هذا ولا ذاك، فهو لم يكن سيدًا نبيلًا في قبيلته ولم يكن غنيًا يشار إليه بالبنان. غير أنه تمكن في ظرف زمني وجيز جدًا من جمع عدد كبير جدًا من الأتباع وتجييش الجيوش حتى ذاع صيته بين العرب، ولعل معركة اليمامة التي تحدثنا عنها في البداية لأكبر دليل على دهاء الرجل السياسي.

إذن هي الفكرة الدينية، بغض النظر عن أنها فكرة وضعية قاصرة من صنع بشري، إلا أن الشهوات والإباحية التي أحيطت بها جعلت الإنسان التابع يلتفت مباشرة إلى حيوانيته ويقبل بأن يسير أعمى باعتبار أنه ملأ الفراغ الميتافيزيقي والبيولوجي أيضا – ربما كان مسيلمة من عباقرة العرب في تلك الفترة لأنه تفطن سريعا إلى المطالب المحددة لقطيعه، فعمل على إيهامه بتحقيقها رغم أنه لم يحقق منها غير كلمات كان يبثها هنا وهناك – لكن الأتباع بغريزتهم الانقيادية ظنوه هو من يفعل هذا وازدادوا افتتانا به كونه جعل من الوصول إلى الله والراحة الدينية مرتبطا بالسعادة المزدكية القائمة على الإباحية والشرك.

 لربما يتساءل سائل، العرب أيضا قبل الإسلام كانوا يعيشون حياة المجون والفراغ الديني غير أنه لا أحد من العرب استطاع أن يفعل مثلما فعله مسيلمة في ظرف سنوات معدودة. والحقيقة أن هذا التساؤل مشروع جدا. وهنا أحيل القارئ إلى أن تجربة الدولة الاسلامية التي أسسها النبي (ص) كانت حالة سابقة في تاريخ العرب دولة تحمل كل مقومات الكيان السياسي بالمفهوم الحديث دولة انتشر ذكرها في الكثير من الأصقاع وانبهر بها حتى الأعداء. في حين لم يستطع العرب من قبل تأسيس دولة كاملة الأركان مهابة الجانب يسيرها دستور رباني، جعل من بنائها الاجتماعي بناء فريدًا من نوعه، حيث انصهرت العرقيات والقبلية. إذن هذه التجربة كانت خير محفز لمسيلمة الكذاب لكي يشرع في التفكير في بناء دولته وفق طموحه الخاص، طموح قديم حكت عنه كتب السير أثناء زيارة وفد اليمامة أواخر أيام الرسول (ص) وقد كان من بينهم مسيلمة الذي أفصح عن رغبته في تولي الأمر بعد الرسول (ص) وبقية القصة معروفة ومذكورة في غير مؤلف تاريخي، لكن الإسلام بأوامره ونواهيه كان العقبة الأولى والكبرى أمام مسيلمة وفي المقابل كان الملهم الأول له (الفكرة الدينية الجامعة).

لقد تفطن مسيلمة إلى أن قيادة الحشود لابد وأن تمر بترك الحبل على الغارب، فيما يخص الدين صور لهم أن الله يغفر ولا يعاقب أبدا فأقبلوا على الشهوات وما أن حققوا ذلك الفراغ الديني حتى أصبحوا على قابلية للتخندق مع رسولهم صنع لهم دينًا يقوم على الفرج والبطن فقاتلوا من أجله. إن الراحة الزائفة هي صمام أمان الأنظمة الشمولية ولا أشبه بمسيلمة من الأنظمة العربية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل