المحتوى الرئيسى

تيران وصنافير.. القانون كائن حى متطور

01/22 21:54

رغم صدور حكم الإدارية العليا بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وما تضمّنته من التنازل عن جزيرتَى تيران وصنافير، فإن الجدل لم ينته حول هذه الاتفاقية، وما إذا كانت تخضع لرقابة القضاء من عدمه. ويبدو أن الحكومة المصرية ما زالت على إصرارها بعدم خضوع الاتفاقية لولاية القضاء، بحجة أن الموافقة على الاتفاقيات الدولية هى اختصاص أصيل محجوز دستورياً لمجلس النواب. ومن الواضح أن أنصار هذا الرأى ينظرون إلى الاتفاقيات الدولية جميعها باعتبارها من «أعمال السيادة» التى تخرج بحكم طبيعتها عن ولاية القضاء عموماً. ولعل مما يؤيد هذا الرأى أن محكمة القضاء الإدارى سبق أن قضت بعدم الاختصاص فى ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص.

والواقع أن «أعمال السيادة» هى طائفة من أعمال السلطة التنفيذية، يغلب عليها الطابع السياسى، وتخضع بالتالى لرقابة البرلمان دون سواه. ويرى الفقيه الفرنسى «دوجى» أن الطبيعة السياسية لهذه الأعمال هى التى تبرر عدم خضوعها لرقابة القضاء، ويفضل إطلاق اصطلاح «الأعمال السياسية» عليها نظراً لما يثيره تعبير «أعمال السيادة» من لبس قد يؤدى إلى التوسع فيها.

وإذا كانت نظرية «أعمال السيادة» أو «الأعمال السياسية» -كقيد على ولاية القضاء- تجد معظم تطبيقاتها فى ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية، نظراً لارتباط هذا الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحاً إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية -أياً كان موضوعها- تُعتبر من الأعمال السياسية. كما أنه ليس صحيحاً أيضاً القول بأن الاتفاقيات الدولية التى حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور المصرى الملغى لسنة 1971م واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تضحى جميعها -وتلقائياً- من الأعمال السياسية التى تخرج عن ولاية القضاء. ذلك أن كلا القولين السابقين يتناقض والأساس الذى تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والتصديق عليها (حكم المحكمة الدستورية العليا، 19 يونيو 1993م، القضية رقم 10 لسنة 14 قضائية دستورية). وبناء على ذلك، ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى أن اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى، والتى تتمخض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التى تقوم بها البنوك التجارية، لا يسوغ اعتبارها من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها رقابة القضاء الدستورى، ولا يغير من ذلك ما ورد بصدر هذه الاتفاقية بشأن البواعث التى دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس هذا المصرف.

وبالتمعن فى المادة 151 من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م، نجدها تضمّنت أحكاماً جديدة بشأن المعاهدات تجلت فى أمرين: أولهما، أن معاهدات الصلح والتحالف وكل ما يتعلق بحقوق السيادة لا يتم التصديق عليها إلا بعد استفتاء الشعب، وهو أمر واجب لا تقدير فيه لسلطة من سلطات الدولة. وثانيهما، حظر إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة. وفيما يتعلق بهاتين الطائفتين من المعاهدات، يمكن القول بأن القيود الدستورية والضوابط التى حددتها الفقرتان الأخيرتان من المادة 151 ترفع عن الأعمال المتصلة بها صفة كونها من أعمال السيادة، ولا تقوم لها أية حصانة عن رقابة القضاء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل