المحتوى الرئيسى

أساتذة اجتماع يشخصون "مرض" المجتمع المصري: نعاني من "أزمة أخلاقية"

01/22 14:58

"إنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ..فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ذَهَبُوا" نردد جميعًا هذا البيت الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقى، عند الإشارة لأهمية الأخلاق الحميدة، دون أن ندرك المغزى الحقيقى من البيت.

فإذا ما تأملنا البيت بشكل متأنٍ، وخصوصًا فى هذا الجزء "الأمم الأخلاق ما بقيت" سنجد أن الشاعر ربط بين الأخلاق والبقاء، أى أن بقاء أى أمة مرهون ببقاء أخلاقها، وبالتالى فضياع الأخلاق سيهدد الأمة بالفناء.

وبالتنقيب عن تفسير أكثر دقة، سنجد أن بقاء أى أمة مرتبط بالاسهامات البشرية التى تقدمها هذه الأمة حتى تضمن بقاءها، وهذه الاسهامات ليست بطبيعة الحال سوى مجموعة الانجازات فى فترة من الفترات، والتى يمكن اعتبارها المعيار الذى يمكن على أساسه قياس مدى التقدم أو التأخر الذى أحرزته الأمة.

فقيم مثل الاتقان والشعور بالمسئولية والتفانى، تعد قيمًا أخلاقية بالدرجة الأولى فى واقع الأمر، فإذا تلاشت، هل من الممكن أن تستمر الاسهامات الإنسانية لأمة لا تتقن عملها ومسئوليها لا يحملون أى درجة من درجات المسئولية، ولا يملكون أى استعداد للتفانى لرؤية أمتهم فى موقع أفضل، وبالإجابة عن هذا السؤال، سنجد انفسنا أمام حقيقة مفادها، أنه بتلاشى هذه الأخلاق تصبح الأمة مهددة فعليًا بالفناء.

"بوابة الوفد" تواصلت مع عدد من أساتذة الإجتماع لتشخيص حالة الأزمة الأخلاقية التى يعانى منها المجتمع المصرى، حيث أقروا جميعهم بوجود هذه الأزمة، مشيرين إلى أن تلك الأزمة تتلخص فى تقلص الطبقة الوسطى، وخصوصًا خلال فترة الانفتاح الاقتصادى فى سبعينيات القرن الماضى.

من جانبها أكدت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسى والعسكرى، وجود أزمة أخلاقية لدى بعض الفئات بالمصرى، مع احتفاظ الغالبية العظمى بالخُلق القويم.

وأشارت زكريا فى تصريحات خاصة لـ"بوابة الوفد"، إلى تعمدها القيام بتجربة عملية فى أحد الأيام لقياس المستوى الأخلاقى، موضحة أنها استقلت أحد أتوبيسات هيئة النقل العام، ثم فوجئت برد فعل المواطنين، الذين قرروا التخلى عن مقاعدهم حتى يتسنى لها الجلوس، وكذا الأمر بالنسبة لباقى السيدات وكبار السن والمرضى.

وأوضحت أستاذة علم الاجتماع السياسي والعسكري، أن الأزمة الأخلاقية نابعة من فئة الأغنياء الجدد، الذين تكونت ثروتهم بسبب أنشطة غير أخلاقية، خلال فترة الانفتاح الاقتصادى بفترة السبعينيات، مثل "السمسرة" والاتجار بالعملة والتهريب، وواكب ذلك بداية عهد "الفهلوة" - على حد تعبيرها.

وأشارت زكريا إلى أن الطبقة المتوسطة هى مصدر الأخلاق فى أى مجتمع، مضيفة أن هذه الطبقة دخلت فى أزمة اقتصادية خلال فترة الانفتاح الاقتصادى، وهو ما اضطر بعضهم للسفر إلى دول الخليج من أجل تحسين أوضاعهم المادية.

وأضافت أن الطبقة المتوسطة خرجت ولم تعد بنفس المستوى الأخلاقى الذى ذهبت به، وذلك بعد أن فرض المجتمع الخليجى أفكاره البدوية على أبناء هذه الطبقة، والتى هى عبارة عن أفكار بدائية، لا تتناسب مع أبناء هذه الطبقة التى تنتمى إلى مجتمع متحضر، وهذه الأفكار تسببت بطبيعة الحال فى حالة التشوه الفكرى والأخلاقى لهذه الطبقة.

ونفت أستاذة علم الاجتماع السياسى والعسكرى صلة سوء الحالة الاقتصادية والأزمة الأخلاقية، مشيرة إلى أن هذه الأزمة توجد بالأخص عند الكثير من الأغنياء.

من ناحيتها قالت الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الإجتماع العائلى بجامعة المنوفية، إن أخلاق الشعب المصرى إبان العهد الملكى، كانت أفضل بكثير مما هى عليه فى الوقت الحالى.

وأرجعت عز الدين ذلك فى تصريح لـ"بوابة الوفد"، لارتفاع جودة التعليم إبان العهد الملكى، ووجود كوادر قادرة على أداء رسالة التعليم، على النقيض مع حالة التعليم فى الوقت الحالى، بعدما اختفت فى دائرة "أكل العيش".

 وأوضحت أن المجتمع المصرى يتعرض فى الوقت الراهن لهجمة شرسة تستهدف شرائح عمرية بعينها، من خلال المتاجرة بالأحلام وتصدير الوهم لهم، وهو ما نراه فى المبالغة بالإعلانات التليفزيونية الخاصة بالمنتجعات والقرى السياحية الفاخرة، مؤكدة أن ذلك ليس تبريرًا للأخلاق السائدة فى الوقت الحالى، لكنها محاولة لاكتشاف ما آلت إليه أحوال المجتمع المصرى - على حد تعبيرها.

وعبّرت أستاذة علم الإجتماع العائلى عن أملها بتخطى هذه المرحلة، والرهان فى ذلك سيكون على الجذور الأصيلة للمجتمع المصرى، قائلة: "ما نشهده فى الوقت الراهن أمرًا طبيعيًا، خصوصًا عقب الهزات السياسية التى تعرضت لها مصر، منذ يناير 2011 وحتى وقت قريب".

وأشارت عز الدين لبعض العوامل الإضافية التى تسببت فى حالة التدهور الأخلاقى، كتقلص الطبقة الوسطى، التى انحدرت إلى طبقة دنيا، وانحدرت معها الأخلاق، فضلًا عن رفع أيادى الدولة عن تفعيل دور المؤسسات الدينية والتعليمية وغياب العدالة الاجتماعية، وهى عوامل أساسية فى عملية التنشئة الاجتماعية السليمة.

وأضافت: "أؤمن أن هناك قلة ما زالت متمسكة بالعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، وتلك القلة تستطيع برأيى أن تحمى الجميع".

بدورها قالت الدكتورة سامية خضر، استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن السبب فى حالة الانحدار الأخلاقى التى يشهدها المجتمع المصرى، تعود لحقبة الانفتاح الاقتصادى، التى أعقبت حرب أكتوبر، وبداية الهجرة للدول العربية من أجل العمل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل