المحتوى الرئيسى

كيف أصدِّقك وهذا أثر سرقتك؟ | المصري اليوم

01/22 00:29

لا أحد يحترم السُّرَّاق، لأنهم لصوص، ينهبون ما ليس لهم ويأخذون خفْيةً، بغير وجه حقّ، وعلى الرغم من أن هؤلاء ماهرون فى الاختلاس، كأنهم يسرقون الكُحل من العين، فإن أمرهم ينكشف بعد طول أو قصر تحرٍّ وتفحُّصٍ ودقة بحث، والمنتحلون لأَفْكارِ غَيْرِهم من الكُتَّاب والباحثين والعلماء والمُتخصصين من أهل الدين والعلم يأخذونها، ويدَّعون أنهم أصحابها والمالكون لها، وقواميس اللغة العربية تقول لنا: انتحَلَ الشىء أى ادَّعاه لنفسه، وهو لغيره، وانْتَحَلَ جُمَلاً مِنْ كِتابٍ، وَضَمَّنَها إِنْشاءهُ، معناه أنه أَخَذَها وَاعْتَبَرَها مِنْ عِنْدِهِ، واِدَّعَى أَنَّها لَهُ.

ويمكن للمرء أن يسامح ويعفو ويغفر لو أن هذا الأمر وقع من إنسانٍ لا يشتغل بالدين، أو يعمل فى جامعةٍ حكومية أو خاصة، ليست هى «جامعة المشايخ»، أى التى من المفترض لها أن تُخرِّج للأمة الإسلامية الفقهاء والعُلماء والمختصين فى الدين وعلومه، وعندما تتفشَّى السرقة فى الجامعات، فينبغى أن تكون النتيجة صفرًا فى جامعة مثل جامعة الأزهر، لأنه ليس من المقبول أن يسرق شيخ، أو أستاذ أكاديمى فى الأزهر، أو خطيب لمسجدٍ شهير، أو مُفتٍ للديار، لأن هؤلاء يُعلِّمون الناس الورع والزُّهد والتقوى والصدق، وكل القيم الإنسانية التى يحضُّ الدين على فعلها، والتحلِّى بها.

لكن يبدو أن الأمانة العلمية قد اختفت، بل انعدمت لدى كثيرين ممن يعملون فى الكليات التابعة لجامعة الأزهر، إلى درجة أن هناك أسماء ليست قليلة، قد فُصِلتْ من عملها بسبب السرقة العلمية، أو حُوِّلت إلى مجالس تأديبية، ولِيمت ولم تُفصَل، ولا أتصور أن أستاذًا أزهريًّا لصًّا يمكن أن يواصل العمل داخل كليته، والجميع يعلم أنه من السُّرَّاق، إذ لن يقتنع أحد من طلابه بعلمٍ له – هذا إذا كان لديه علم يُنتفع به -، فأستاذ الجامعة هو مُربٍّ لأجيالٍ، فكيف له أن يكون مُمارسًا للغشِّ والسرقة، فالحديث النبوى يقول «لعن الله السارق...»، و(من غشَّنا فليس منَّا)، والله يقول فى قرآنه المُنزَّل فى الآية الثامنة والثلاثين من سورة المائدة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، ولا أتصور أن نصوصًا كهذه من القرآن والسنة بغائبةٍ عن شيوخ وأساتذة الأزهر، ولكنها النفوس الضعيفة والخربة، غير المؤهلة دينيًّا وعلميًّا، ولذا صار من النادر أن نجد فقيهًا حقيقيًّا، وعالمًا من أهل اليقين والمعرفة كسابقيهم ممن لهم إنتاج فكرى وعلمى، حيث صرنا نرى شيوخًا يتولُّون مناصب فى الأزهر، وليس لهم كتب تشكِّل إرثًا ومرجعًا، وأنا لا أعتبر جمع المقالات والخُطب والأحاديث فى الإذاعة والتليفزيون من الكتب فى شىء، لأن الكتاب شأن آخر فى التخطيط له وكتابته وتأليفه، إذ يحتاج إلى كدحٍ وجدَّة فى الفكرة والرؤية، وعلى هذه الصورة سنبقى طويلا ننتظر علماء ومفكِّرين تخرَّجوا فى الأزهر من عينة محمد عبده، وطه حسين، وعلى عبدالرازق، وعبدالمتعال الصعيدى، وعبدالحليم محمود، وسواهم ممن كانت لهم الإضافة والسبق العلمى والمعرفى.

ولو أن المجتمع كله فاسد وسارق، فلا ينبغى أن يكون دُعاة الدين من بين هؤلاء السُرَّاق، لأنهم من المفترض أنهم أعلم الناس بأمور الدين والأخلاق، وهؤلاء لا يخفون سرقاتهم، لأنها ليست استفادةً أو استيحاءً أو تناصًّا أو توظيفًا أو تأثُّرًا، بل هى نقل حرفى لا تحوير فيه، ولا إعادة صياغة لفكرة ما، وهم لم يقتدوا بالأولين من الأسلاف، ولا بمن سبقهم من العلماء والباحثين، بل نقلوا عنهم بغباوةٍ منقطعة النظير، وتقصُّدٍ يشير إلى كسلٍ عقلى، وكسادٍ روحى، جعلهم يرون السرقة هى الطريق الأسهل للترقِّى العلمى، والنشر فى الصحف والمجلات على حساب أعلام وأستاذة كانوا محط سرقتهم.

ولو أن هؤلاء كانوا قد أخذوا المعانى والألفاظ وزادوا عليها ووشَّحوها ببديعهم وتمَّمُوا معناها؛ لكانوا أحقَّ بها، ولما اتهمهم أحد، بل هم سلخوا النصوص سلخًا من دون مراعاةٍ لضميرٍ، أو إعمالٍ لعقلٍ، كأنهم لا يعرفون شيئًا عن الاقتباس، أو التضمين، أو الاستشهاد، أو التوارد، أو الإلماح، أو الإشارة، بل هم أهل دِعة وراحة وكسلٍ غير مسبوق، سرقة جهود السابقين.

وعندما يسرق مفتى الديار المصرية صفحتين من كتاب (فى ظلال القرآن ) لسيد قطب (9 من أكتوبر 1906 ميلادية - 29 من أغسطس 1966ميلادية)، وينشرهما فى مقال موقَّع باسمه فى إحدى الصحف المصرية، عنوانه «نجحت لعلكم تتقون»، وهذا أمر ليس جديدًا عليه، إذ تكرَّر هذا الفعل أكثر من مرة، على الرغم من أن فعلته قد كُشفت، ونشرت الوقائع فى أكثر من مكان.

وعندما يسرق عميد كلية أصول الدين وخطيب جامع الأزهر بحثا كاملا من كتاب (الإسلام والغرب) من: ص 181 إلى 187، للعالم السورى - الأزهرى التعليم - محمد رمضان البوطى (1347 - 1434 هـجرية / 1929 - 2013 ميلادية) وينشره باسمه فى مجلة الأزهر عدد ربيع الأول، الجزء الثالث، السنة 90 من: صفحة 569 إلى صفحة 573.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل