المحتوى الرئيسى

محمد السابع يكتب: تجربة الثورة | ساسة بوست

01/21 23:05

منذ 1 دقيقة، 22 يناير,2017

ونحن على موعد ذكرى أيام وأحداث ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 يبدو أن نكهتها تغيرت عما كانت عليه منذ أن اندلعت. فلقد حدث التغيير؛ وحدث معه من الأحداث الكثير أيضًا، ومن جملة كل هذه السنين الفائتة والأحداث الواقعة، فإن أجدر ما يمكن ذكره الآن هو الخبرة والتجربة والتعليم..بعد كل هذه الأحداث والسنين، إذ قد تعلمنا الكثير -أو هكذا يُفترض- وفي عصرٍ غلب عليه الاعتماد على المادية والتجريب لإثبات كل ما يُطلب فيه التصديق، فإن خير من يُعطي الخلاصة النافعة في هذه الأحوال هو المُجرب؛ فقد قيل «اسأل مُجرب ولا تسأل خبير».

لقد مرت سبع سنوات سريعًا على يناير الأولى، وليس في استطاعة الكثيرين -صغروا أو كبروا من الذين عاصروا الثورة وشاركوا فيها- الجزم بأن شخصياتهم الثورية لا زالت على حالها، بل حتى شخصياتهم الطبيعية. على الرغم من توالي موجات من الأحداث السعيدة على قِلّتها، والبائسة بزخمها وكثرتها، والعجيبة والمُريبة كذلك. والرهيبة أيضًا، فقد كانت كالمطر علينا..وهي تلك التي أدخلت الناس في حالة محزنة ومؤكدة من البلادة الشعورية.

كانت هناك حينئذ تثور أسئلة مغرضة عن من هو قائد هذه الثورة؟ وكان الغرض من طرح هذه الأسئلة هو الصيد في الماء العَكِر؛ لتشويه من يمكن تسميته كقائد افتراضي للثورة. وعليه يُقضى عليها بالقضاء على قائدها، ومن هنا كنا نتجنب تسمية قائد محدد للثورة، ومنا من كان يرى أن قيادة الثورة إنما تتمثل في فئته وجماعته التي تمثل أيديولوجيته فحسب؛ غير أنه كان مُوجهًا بأن لا يُصرح بذلك علنًا حتى يبلغ الأجل محله. ومن هنا كان الإخفاق الفكري والإجرائي الأول لمِا يتم السعي من أجله، وهو التغيير للإصلاح السياسي.

فأولًا لا يمكن الحديث عن تغيير سياسي صالح للعمل دون معرفة ماهية البديل تمامًا، وبصورة واضحة جدًا وبدون مواربة، وإلا فالقيام بأي فعل ثوري حركي فيما عدا ذلك سيكون مجرد هدم لبناء يتبعه صراع فوق انقاض ذلك البناء المُهدم. وهذا أمر غير عقلاني ولا منطقي بالمرة، وهو لم يُدرك ولم يُستدرك آنذاك.

وثانيًا لم تكن هناك شفافية كافية بين الأطراف السياسية المشتركة في الأحداث. فعلى الرغم من نظامية بعض الأطراف بشكل حقيقي وجاد وشيوعها في الشارع وحظوها ببعض القبول آنئذ – بالرغم من التخويف – لم تُصرّح باعتماد قيادة محددة للثورة بإعلان واضح ولو إلى حين! وذلك بسبب التوجس الكائن بين خلطاء الثورة. وهذا هو مكمن الإخفاق الثاني، وهو أيديولوجي اجتماعي، فعلى الرغم من خروج الصورة الأولية للثورة في يناير (كانون الثاني) 2011 بشكل انسجامي فريد، إلا أنه أصبح من الواضح الآن أنه كان تصويرًا عمليًا للمثل الشعبي «لجل الورد يُسقي العُليق»؛ فكرسي الحكم عند فئات بعينها كان بمثابة الورد، وكان كل ما عداها في أطياف سياسية أو شعبية أخرى هي فقط عبارة عن عُليق، لا بد من سقائه، وبدون نية السقاء!

باختصار، لم يكن التأهيل الشعبي قد وصل لنصاب مناسب ولو بنسبة ضئيلة ليُطالب بالإصلاح من الأساس، فإن القارب ذا الرُبّانين يغرق كما يضِل القارب عديم الرُبّان أيضًا.

واليوم؛ وبعد مرور سنوات عديدة على ثورة يناير، والوضع قد يوصف من الكثيرين بأنه غير مناسب حتى بالمقارنة مع العهود السياسية فيما قبل الثورة وما بعدها من الناحية الاقتصادية (على الأقل)، نرى الآن بعض دعوات للثورة في ذكراها أو حتى في غير ذكراها. ولكن هل عولجت الإخفاقات الأولى سالفة الذكر أو حتى بعضها والمُتسببة بدورها في الفشل الذي حصل؟! بالطبع لا. لذلك فترانا اليوم أمام عدم صحة القول”اسأل مجرب ولا تسأل خبير”وذلك إلى حد كبير، وحالتنا الآن في إرادة تكرار الفشل لهي خير دليل، والصواب الذي يجب اتباعه الآن هو أنه «لا يُنبئُك مثلُ خبير».

إنه لجدير بالذكر أنه لو تم التوافق في واحدة فقط من تلك الإخفاقات التي ذكرناها، لأصبح بلوغ الإصلاح أيسر حالًا حتى بدون الحاجة لثورة نثورها أو تغيير نرجوه لأن الإصلاح وقتها سيكون قد حدث بالفعل. فإصلاح فكرة اللا قيادة إلى حتمية وجود القيادة الحكيمة الرشيدة -ولو لم تحكم أو تصل لكرسي الحكم- لأصبحت كالمراقب الناصح أو المسؤول المناسب في حالة وصولها للحكم بأسلوب سلمي مُتاح. ولأصبح كل من التداول أو حتى التنازل أمرًا طبيعيًا ومطروحًا على طاولة مصلحة البلاد النهائية، فإن إنكار الذات في سبيل المصلحة العامة لهو السبيل لبلوغ الغايات، أما الطمع فيقلُ ما جُمع. وهذا ما عاينّاه ورأيناه.

ومع إنكار الذات عمومًا سنصبح في سبيل إصلاح الاهتراء المجتمعي الحاصل، والذي يتحول إلى نفاق مُكرر لبلوغ الغايات المادية والسياسية عند اندلاع الثورات التي عادة ما تكون في تلك الحال مفتعلة ومصطنعة وقائمة على تحريك متعمد يُرتب له في الخفاء.

نحن ندرك بأن ما نقوله قد يُدرجه الكثيرون المُغرقون في المادية ضمن القيم الأفلاطونية. أي أحلامًا وردية لا تناسب الواقع المُعاش، وهذا قد يكون صحيح ظاهريًا، إلا أننا لو قابلنا الواقع المُجرب الذي كان ناتجه الفشل المُعاين، كما أوردنا ورأينا لَمْا أصبح أمامنا من خيارات، إلا ما هو سلمي وجاد ومتأسس على قيم ومُثل عليا بعيدة كل البعد عن النفاق والإقصاء والصراعات وازدراء الفئات والجماعات.

يبقى لبعضٍ يقول: “أن الأمر لن ينصلح إلا بإسالة الدماء”! وتلك الفئة هي التي يجب مواجهتها حقًا، فإن التغيير الذي يمكن أن ينشأ على دماء أهرقت دون اضطرار حقيقي وحتمي ولا مفر منه لسفكها لما أمكنه أن يكون إصلاحي ولو أراد، فلا يظن البعض أن الثورة في حد ذاتها إصلاحًا، إنما هي محض تغيير فساده أقرب من نفعه، وإن القيم والمُثل العليا التي أشرنا إليها في كلامنا هنا لو تحققت في أنفسنا لما كان للثورة محل من الإعراب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل