المحتوى الرئيسى

"الوفد" تخترق "حزب هم هم"..أقدم تشكيل عصابى متخصص فى التطفل على المناسبات

01/21 12:28

عزيزي القارئ...إذا كنت تخطط لإقامة مناسبة أو حدث كبير على المستوي التنظيمي، سواء كان مؤتمرًا صحفيًا، تهدف من وراءه مناقشة الواقع السياسي أو التطرق إلى الشأن الرياضي أو الثقافي، بل وحتى الحقوقي أو الديني، أو كنت تخطط لإقامة حفل زفاف ضخم، أو أي حفل آخر لأي سبب من الأسباب، وكنت قد تواصلت مع إحدى الجهات المعنية بتنظيم مناسبتك، والتي ستعمل على إخراجها بالشكل اللائق أمام المدعوين، وتعتقد أنك الآن قد قمت بـ"اللازم"، فأنت مخطئ تمامًا!

فنجاح تنظيم أي من هذه المناسبات، غير مرهون بعمل الجهة المنظمة، مهما بلغت كفاءة موظفيها أو دقة عملهم؛ لكون الأمر يتعدى مهام هذه الجهة إلى حد حماية المناسبة نفسها من الأشخاص غير المدعوين، والذين هم في الغالب ليسوا سوي متطفلين محترفين، مدربون بفعل التجربة، اعتادوا على اختراق الأحداث والمناسبات الضخمة، بحيث يصعب اكتشافهم على أكبر الشركات العاملة في مجال تنظيم المناسبات.

ليس هذا من باب التهويل، فالأمر لا يعدو كونه "محاولة" للتعرف عن كثب على هذه الفئة، إذ وصل الأمر بهم حد النجاح في الولوج إلي احتفالات ما يُعرف بـ"اليوم القومي" للدول الأجنبية، التي تنظمها البعثات الدبلوماسية في مصر، سواء في مقر البعثة أو بمنازل السفراء، والتي غالبًا ما تكون مدججة بأسراب من أفراد وعناصر الأمن الظاهري والسري، الذين يرصدون "النملة" إذا ما فكرت  في الاقتراب من مقر الاحتفال؛ وذلك ليس لشيء سوي لتأمين الضيوف من الدبلوماسيين والملحقين العسكريين الأجانب وكبار رجال الدولة والسياسيين البارزين ورجال الأعمال وكبار الكتاب الصحفيين والشخصيات الإعلامية.

هذا النجاح الغريب الذي تحققه هذه الفئة على حساب مختلف الجهات المعنية بتنظيم شتى المناسبات، مرده ليس لتقصير يشوب أداء هذه الجهات، بل لقدرة هذه الفئة المذهلة على التكيف السريع والتأقلم المبهر مع أجواء المناسبة، والتلون بلون مرتاديها كالحرباء، فهم أكثر دبلوماسية من الدبلوماسيين أنفسهم، عند ذهابهم إلى حفلات اليوم القومي بالسفارات، وأكثر فرحة من "أم العروسة" إذا ما ذهبوا لحضور حفل زفاف عروسين، وأكثر همًا بالقضية المزمع مناقشتها في المؤتمر الذي يرغبون حضوره؛ لكن ذلك بالتأكيد ليس أكثر من مجرد "تذكرة دخول" مجانية لمقر المناسبة.

هذه العوامل في حقيقة الأمر، ليست سوي "قشرة" يوارون بها رغبتهم الموحشة في التهام الطعام، واغتنام ما يستطيعون منه إلي ذويهم، هذه "السوءة" التي بلغت معهم مداها حتى قادتهم للعكوف على البحث والتنقيب عن المناسبات التي تقام على هامشها موائد الـ"أوبن بوفيه"، الذى يحوى أشكال وأصناف الطعام الشرقية منها والغربية، بدءًا من الفلافل ووصولًا لـ"السيمون فيميه"، إذ تتلاشي هذه القشرة بمجرد دخولهم إلى مقر المناسبة، وتأكدهم من ابتعاد العيون عنهم، بعدها يتحولون إلى حيوانات مفترسة، تسعي في خبث لالتهام فريستها القابعة في الـ"أوبن بوفيه"، في غفلة الحاضرين المنهمكين في الحوارات الجانبية...ومن هنا جاءت تسمية "حزب هم هم".

عناصر "حزب هم هم"، لا يعنيهم إن كان الاحتفال باليوم القومي يُقام داخل سفارة دولة صديقة أم عدوة، وأيضًا لا تعنيهم عدالة القضية التي تتم مناقشتها داخل قاعات المؤتمرات، كما لا يعنيهم إن كان العريس قد استطاع الظفر بعروس على قدر كبير من الجمال أم غير ذلك، كحال معظم الحاضرين في حفلات الزفاف...في حقيقة الأمر، إن ما يعنيهم هو كمية وجودة الطعام الذي تحويه الموائد المُقامة على هامش هذه المناسبات.

فتطابق الرؤى الرسمية فيما تشهده منطقة الشرق الأوسط ومناطق النزاعات في العالم، إضافة إلي وجود المصالح المشتركة، ليست مبررات كافية في نظرهم، من أجل إقامة مصر علاقاتها مع الدول الأخرى، فهم يرون أن الدولة التي يستطيعون حضور احتفال سفارتها باليوم القومي، واغتنام أكبر قدر من الطعام والمشروبات بعد امتلاء بطونهم - في أكياس أعدوها مسبقًا لهذا الغرض - ينبغي أن تُقيم مصر معها علاقة استراتيجية طويلة الأمد!

وقياسًا على هذا المبدأ، فهم مؤمنون دون محالة، بعدالة القضايا التي تتم مناقشتها داخل المؤتمرات المدرج في برامجها تناول وجبة الغذاء أو العشاء، حتى ولو كان المؤتمر لجهة محسوبة على جماعة الإخوان الإرهابية، أو للاشتراكيين الثوريين على سبيل المثال.

على مدى عام كامل، تمكنا من اختراق هذا التنظيم العصابي، والتعرف على خباياه، والحيل التي يلجأ إليها عناصره في مزاولة نشاطهم.

ترجع طول المدة إلى جدار السرية الضخم الذي يحيطون أنشطتهم وأنفسهم به، لدرجة جعلت من المستحيل النفاذ إليهم إلا بعد اكتساب ثقتهم، وهو ما عملنا عليه منذ البداية، عبر توطيد علاقتنا مع بعضهم.

12 شهرًا، كنا خلالهم شاهدًا على نجاحات وإخفاقات "حزب هم هم"؛ شاهدنا التجربة عن قرب بأدق تفاصيلها، تعرفنا على مصاعبها ومخاطرها، ثم رأينا أنه من الأمانة أن ننقل هذه التفاصيل إليك عزيزي القارئ.

"حزب هم هم" تشكيل عصابي من نوع خاص جدًا، فالصفوف الأولى فيه ليست للقتلة والمجرمين وقطاعي الطرق، الذين يفرض كلٌ منهم نفسه حسب درجة إجرامه، إذ يُمكن القول إن هذا التشكيل من فئة الـ "A Class" ، فهو يضم في صفوفه الأولى أساتذة جامعات وأطباء ومحامين وتجار، كان الفضل لـ"شهوة الأكل" في جمعهم داخل بؤرة واحدة؛ والأمر لا يقف عند هذا الحد فحسب، بل امتد ليشمل نائب رئيس تحرير جريدة كُبري، ومحامٍ معروف، لعبت الصدفة دورًا بارزًا في ذيع صيته بالتزامن مع أحداث 25 يناير 2011، بعد انضمامه لفريق المدعين بالحق المدني، في المحاكمة المعروفة إعلاميًا بـ"قضية القرن"!

غير أن ذلك لم يمنع من وجود شريحة من العاطلين، وإليهم توكل بعض الممارسات الإجرامية، على غرار سرقة متعلقات ضيوف المؤتمرات والحفلات، وهو ما يُظهر لنا بعدًا آخر من نشاط هذه الفئة، وهنا نذكر ما قام به أحد عناصرهم في إحدى حفلات اليوم القومي داخل سفارة إحدى الدول، بعد أن أقدم على سرقة حقيبة يد زوجة سفير دولة أوروبية كبرى، على الفور وفى هدوء، توجهت زوجة السفير إلى أمن السفارة، الذى قام بمراجعة أشرطة كاميرات المراقبة، وخلال دقائق كان الفاعل في قبضة الأمن، والذى لسوء حظه لم يكن قد غادر مقر الاحتفال بعد، ظنًا منه أن صخب الاحتفال سيحول دون اكتشاف فعلته.

على عكس المتوقع، وبرد فعل دبلوماسي، طلبت زوجة السفير من الأمن إطلاق سراح الفاعل، معللة طلبها بأنها لا تريد افتعال مشاكل، لينجو بذلك الفاعل من ساعات الاستجواب الطويلة على يد المعنيين بمثل حالته!

يبدأ عناصر "حزب هم هم" يومهم في الصباح الباكر بطاقة ونشاط كبيرين، فإيجاد مناسبة يتمكنون فيها من تفريغ شهواتهم وطاقتهم الاجرامية، تتطلب شيئين لا ثالث لهما، الأول البحث بأنفسهم في الفنادق الكبرى، وهو ما يعنى قيامهم بجولة تفقدية بمناطق التحرير والزمالك وجاردن سيتي والدقي، كما تشمل أيضًا خريطة بحثهم الجامعات والمؤسسات الحكومية والوزارات والأحزاب السياسية، بل وحتى الجمعيات الخيرية، وهذه الجولة تستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات على أقل تقدير، والشيء الثاني هو الاتصال ببعض موظفي الشركات المنظمة للمناسبات، الذين تمكنوا من تدشين علاقات صداقة مع بعضهم، وكلاهما ليس بالأمر الهين.

الأكل وسرقة متعلقات الضيوف، ليس كل ما يهم عناصر "حزب هم هم"، ففي الغالب، هناك دائمًا أشياء أخرى، وهو أمر تفرضه نوع المناسبة ونوعية المشاركين بها؛ فعلى سبيل المثال يولى عناصر "حزب هم هم"، أهمية كبيرة للفعاليات والأحداث التي يتم خلالها توزيع بعض الهدايا العينية، على غرار الأجهزة الالكترونية والاقراص المدمجة و"البلوك نوتس" والأقلام، إضافة للحقائب، التي يا حبذا لو كانت حقائب جلدية! إذ يتم يتم ببيعها لاحقًا للإستفادة من ثمنها.

كما يقومون بجمع زجاجات المياه المعدنية والمياه الغازية وعبوات العصير، فيما أنهم لا يمانعون جمع "أوراق التواليت" من مراحيض الفندق الذي تقام به المناسبة، وأيضًا يقومون ببيعها، الأمر الذي يوفر لهم مصدر دخل يومي.

التفوق في نظر "حزب هم هم"، لا يعنى بالضرورة أن تمتلك معدة قادرة على التعاطي مع شتى أنواع الطعام، لكن، وفى المقام الأول، يعنى أن تكون قادرًا على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، التي تتعلق بالحفلات والمؤتمرات وشتى أنواع المناسبات، الأمر الذى لن يتحقق إلا من خلال بناء شبكة علاقات قوية مع موظفي شركات العلاقات العامة الكبرى والشركات المنظمة للحفلات، فضلًا عن الموظفين والعاملين بالفنادق والقاعات الكبرى، الذين تتخطى أهميتهم موظفي شركات العلاقات العامة والشركات المنظمة للمناسبات، وعلى هذا الأساس، يمكن تصنيف درجة الأهمية التي تحظى بها داخل "حزب هم هم".

نشأة "حزب هم هم" !

تعود نشأة تنظيم "حزب هم هم" إلى سبعينيات القرن الماضي، مع عودة أحد الأشخاص إلى مصر، قادمًا من الولايات المتحدة الأمريكية، يُدعى "عادل غالب"، وهو مصريًا يحمل الجنسية الأمريكية.

في حقيقة الأمر لم يكن "عادل غالب" مجرد مصريًا حاملًا الجنسية الأمريكية فحسب، لكنه، كان أيضًا حاملًا تجربة تشبه إلى حد كبير تجربة "حزب هم هم"، كان هو أحد الضالعين فيها خلال سنوات إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذى أراد نقلها واستنساخها، وذلك منذ أيام عودته الأولى، فقام بالاتصال بصديق قديم له، والذي لم يكن حينها سوى مديرًا لفرع أحد البنوك، اعتاد أن يصطحبه في المؤتمرات الصحفية، التي أقنعه بأن اهتمامه بمواضيعها فقط هو الذى يقوده إليها، فضلًا عن حفلات الزفاف وحفلات السفارات، التي كان يخبره في البداية، بأنه مدعوًا لحضورها.

مثّل "عادل غالب" وصديقه المصرفي، نواة هذا الكيان الناشئ، لكن الغريب في الأمر، أن تكرار حضورهما للحفلات والمؤتمرات، الذي تطور إلى شكل شبه يومي، لم يثر فضول صاحبنا المصرفي، وهو ما يُظهر لنا أن هذا النشاط الجديد الذي طرأ على حياته بفضل صديقه القادم من أمريكا، قد استهواه إلى أبعد مدى، تمامًا مثلما استهوى غيره من الممارسين الجدد لهذا النشاط.

وإلى جانب بعض الأطباء والموظفين بالمعاش وأساتذة الجامعات، شكّل "عادل غالب" وصديقه المصرفي، الوجه المُضيء لـ"حزب هم هم"، أي أن اهتمامهم ينصب فقط على ملئ بطونهم بالطعام، وقضاء وقت ممتع من خلال التعرف على سيدات المجتمع الراقى، اللاتى تمتلئ بهن الحفلات والفنادق الكبرى التي تُقام بها شتى المناسبات.

وهنا يمكننا ذكر كلًا من: "الدكتور عوض ومراته"- هكذا يُطلق عليهما داخل هذا الوسط - وهما عضوين يُشار إليهما بالبنان، نظرًا لقدرتهما الفائقة على الحصول على المعلومات الخاصة بالمناسبات، وبصفة خاصة مناسبات السفارات؛ ولكونهما أستاذين جامعيين، فقد تمكنا سويًا من بناء شبكة قوية من العلاقات مع بعض الشخصيات العامة، ومسئولي بعض السفارات، للحد الذى أتاح لهما فيما بعد، حضور مناسباتهم بكل يسر.

ولا يفوتنا هنا ذكر الدكتور "زين الكمسري"، أستاذ ورئيس قسم التهرب من كمسرية أوتوبيسات هيئة النقل العام، وهو مسئول بإحدى محطات مياه الشرب، وأيضًا "كمال وديع"، وهو موظف على المعاش، و"عبير ضفدع"، التي اعتزلت مهنة الصحافة، بعد أن أغراها نشاط "حزب هم هم"، وهى التي نجحت في مصاحبة فريق المنتخب في معسكر بمدينة الغردقة، دون تغريمها جنيهًا واحدًا، لأن إقامتها كانت على نفقة اتحاد الكرة، وكذا ذهابها وعودتها على متن طائرة المنتخب الخاصة، بعد أن أوهمت المسئولين بالاتحاد أنها صحفية، وأنها ترغب في القيام بإجراء التغطية الخاصة بمعسكر المنتخب؛ وأيضًا "م.ج"، موظف بهيئة النقل العام، و"أ.س"، موظف كبير بإحدى شركات البترول.

وبالحديث عن فئة العاطلين بـ"حزب هم هم"، نبدأ بـ"ع.م"، ذلك المُحتال الذى يُمارس النصب على بنات العائلات الثرية، مُدعيًا أنه المنسق العام لمسابقة ملكة جمال مصر، وأنه سيساعدهن على الفوز بلقب ملكة جمال مصر؛ وفى سبيل تحقيق هذا الحلم الزائف، وبعد وقوعهن في شباك وعوده الكاذبة، فهن لا يترددن لحظة واحدة في تلبية جميع طلباته، المتمثلة في إمداده بمبالغ مالية كبيرة، وشراء البدل من ماركات عالمية، فضلًا عن تحمل نفقات إقامته بفنادق الـ"5" نجوم.

"سليم الحرامي"، تم إطلاق هذا اللقب عليه، نظرًا لخفة يده، ومهارته في سرقة متعلقات الضيوف، إضافة لـ"ح.ر"، وهو يُمثل حالة لها خصوصية شديدة في هذا الوسط، فهو معروف بـ"الديزل"، وذلك لكونه يجمع بين كل الخصال السالف ذكرها، فلا أحد يستطيع مجاراته في التهام الطعام، وهو ما تسبب في إصابته بمرض "الفتاق"، كما أنه لا يدخر جهد في التقاط كل ما يُصادفه في أي مناسبة، بدءًا من الطعام، مرورًا بـ"البلوك نوتس"، ووصولًا لسرقة متعلقات الضيوف، ثم يقوم بجمعها في شقته بمدينة الشيخ زايد، الذى يتخذ منها مسكنًا ووكرًا لنشاطه في آن واحد.

عملية جراحية على نفقة وزارة الصحة

يتمتع "ح.ر" بشخصية اجتماعية، خفيفة الظل، فبالرغم من كونه "مجمع إجرام متنقل"، إلا إنه وباحترافية شديدة، قادرًا على كسر أي حاجز نفسي بينه وبين أي شخص آخر، حتى ولو كان وزير الصحة نفسه، الذي استغل "ح.ر" - وجوده في إحدى المؤتمرات، وطلب منه إجراء عملية "الفتاق" على نفقة وزارة الصحة، ولم يكن من الوزير أمام حشد من الصحافيين ومراسلي بعض القنوات الفضائية، إلا أن استجاب لمطلبه، وأخبره أن يأتي إلى ديوان الوزارة، لتسليمه الأوراق اللازمة لإجراء العملية؛ وبالفعل تمكن "الديزل" من إجراء العملية على نفقة وزارة الصحة، بمستشفى المنيرة؛ وذلك في ظل وجود آلاف المرضى، الذين يصارعون آلام المرض وحدهم، بعد أن تقطعت بهم السبل في دهاليز الروتين الحكومي، ولا يستطيعون حتى مقابلة مجرد "ساعي" بمكتب أصغر وكيل بوزارة الصحة، لا الحصول على حقوقهم المتمثلة في العلاج المجاني، بنفس السرعة التي تمت بها هذه الحالة!

كما ذكرنا آنفًا، فالنجاح الذي يحققه عناصر "حزب هم هم"، مرده ليس لتقصير يشوب أداء الجهات المنظمة، فبالنظر إلى طبيعة عمل هذه الجهات، نجد أنه غير مدرج في أجنده وظائفهم، التصدي للمتسكعين والمتطفلين راغبي التهام الطعام.

لكن، لا يعني ذلك بالضرورة أن النجاح هو حليف هذه العناصر إلى الأبد، فالتعبير الدارج يقول: "لكل جوادٍ كبوة"، وهو ما وقع حرفيًا لهم بمقر المعهد الهولندي-الفلمنكي.

يقيم المعهد الهولندي-الفلمنكي - وهو مركزًا ثقافيًا يتبع سفارتي هولندا وبلجيكا - في نهاية كل أسبوع، أمسية ثقافية يتحدث ضيوفها من مصر وهولندا وبلجيكا، عن السمات الثقافية لبلدانهم، يعقبها بوفيه صغير على سطح المعهد، يتخلله تقديم قطع الحلوى والعصائر والمياه الغازية، إضافة للكحوليات، الأمر الذي يجعل المعهد على لائحة استهداف "حزب هم هم"؛ لكن، هيهات، فرجال البوفيه لهم بالمرصاد!

لعبت خبرة رجال البوفيه دورًا بارزًا في اكتشاف أمر عناصر "حزب هم هم"، حتى إنهم باتوا قادرين على معرفة مدى جدية المشاركين في الأمسيات والفعاليات التي يقيمها المعهد؛ لكن في حقيقة الأمر، لم يكن هذا هو السبب الوحيد الذي أوقع بعناصر "حزب هم هم"، إذ تكفي صفة واحدة من صفاتهم التي أسلفنا ذكرها، لشد الانتباه إليهم، الشيء الذى دفع أحد رجال البوفيه لموافاة مسئولة بالمعهد بحقيقتهم، وبعد أن تحققت المسئولة من حقيقتهم بنفسها، عمدت لاحقًا معاملتهم معاملة جافة، تطورت فيما بعد لأسلوب أكثر صرامة، فقامت بطرد بعضهم، بسبب فجاجة سلوكهم، وخروجهم عن حدود اللياقة العامة، الأمر الذى انعكس على انخفاض نسبة مشاركة عناصر "حزب هم هم" في فعاليات المعهد، إضافة لحرمان كثيرين منهم من دخوله، وعلى رأسهم "الديزل"، وهو ما يُفسر كراهية "حزب هم هم" الشديدة للمعهد الهولندي وتلك المسئولة.

لقاء مع الـ "Big Boss"

كان اعتزال "عادل غالب" لنشاطه الطليعي في هذا الوسط، لظروف صحية مرتبطة بطعن سنه، ومفارقته الحياة لاحقًا، بمثابة الفاجعة التي ألمّت بـ"حزب هم هم"، فبدون "عادل غالب" تتهدم جسور الصلة وتنقطع الخيوط مع مسئولين كبار بالسفارات وشركات العلاقات العامة وشركات كبرى لتنظيم المناسبات، ساعدته جنسيته الأمريكية، إلى جانب تحدثه الإنجليزية بطلاقة، فضلًا عن شخصيته "اللارج" التى يتمتع بها، على إقامتها طوال فترة نشاطه بمصر، وهو ما يعني فقدان مصدرًا غنيًا بالمعلومات المتعلقة بمواعيد المناسبات والأحداث الكبرى، بيد أن أهمية "عادل غالب"، لم تقف عند هذا الحد فحسب، لكونه يُنظر إليه باعتباره الأب الروحي للتنظيم، فهو لم يكن مجرد وسيلة للإمداد بالمعلومات الخاصة بمواعيد الفعاليات، بل كان يصل دوره إلى حد تأمين دخول عناصر "حزب هم هم" لمقرات هذه الفعاليات والمناسبات، تمامًا مثلهم مثل المدعوين، إذ يكفى أن يشفع لهم لدى منظمى أى مناسبة.

انعكس اهتمام "عادل غالب" بالممارسين الجدد لهذا النشاط، وحرصه على توجيههم نحو الاحتراف، على خلق جيل جديد، به قدر لا بأس به من الكوادر المؤهلة لقيادة التنظيم لاحقًا، حيث استطاعوا عبر مساعدته إقامة علاقات صداقة مع سفراء دول أجنبية ورجال أعمال، بل وحتى مع مسئولين كبار، الأمر الذي حد من تأثير الظلال السلبية، التي ألقت بها أزمة الفراغ القيادي، التي خلفها رحيل "غالب".

الشخصية القيادية القادرة على التعاطي مع كل ما قد يطرأ على التنظيم، ناهيك عن نفاذ اتصالاتها إلى سفراء ووجهاء ومسئولين كبار، أمرًا غير قابل للنقاش عند الحديث عن المواصفات المطلوبة لخلافة "عادل غالب"، وأمرًا مسلمًا به أيضًا عند الحديث عن "كمال وديع"، ذلك الرجل الستيني، الذي استطاع عن جدارة قيادة دفة التنظيم، موجهًا بوصلته نحو مزيد من النجاح والاحترافية على حساب الجميع.

في صباح أحد الأيام، كان قد مرت 6 أشهر، عندما طلبنا من أحد عناصر "حزب هم هم"، مقابلة الـ "Big Boss"، والتعرف إليه.

كانت الساعة تُشير إلى تمام السابعة، عندما فاجئنا اتصال هاتفي، من أحدهم، يخبرنا بقبول طلبنا من جانب الـ "Big Boss"...المكان: أحد الفنادق الكبرى بمنطقة الزمالك...الموعد: الرابعة عصر اليوم التالي.

شكّلت هذه المكالمة، انتصارًا كبيرًا لنا بكل المقاييس، فما هي سوى ساعات، ويبدأ اللقاء الذي سعينا إليه منذ البداية، وها هي فصول القصة توشك على الختام.

في تمام الثالثة وعشرون دقيقة، عصر اليوم التالي، كنا قد وصلنا إلى المكان المتفق عليه، حينها هاتفنا الوسيط، وأخبرنا أنه في انتظارنا داخل "لوبي" الفندق؛ دقائق استغرقتها إجراءات التفتيش على بوابة الفندق، بعدها كنا داخل "اللوبي"، ثم رأينا الوسيط يخطو إلينا، وهو الذي تولي الترحيب بنا بحرارة، فجلسنا على إحدى أرائك "اللوبي"، وتبادلنا أطراف الحديث عن أحوال كلينا.

نظر الوسيط في ساعته، كانت الساعة تشير للرابعة إلا 5 دقائق، ثم نظر إلينا وقد اعتلت وجهه ابتسامة خفيفة، ثم أخبرنا أن الـ "Big Boss"  في انتظارنا؛ اصطحبنا الوسيط داخل المصعد المواجه لـ"اللوبي"، وهبطنا للدور الأرضي، ثم خطونا في ممر طويل، تنبعث منه رائحة يعرفها جيدًا هؤلاء المغرمون بالتحف والأنتيكات، التي امتلئ بها الممر، وهى تعود لعصر الخديوي إسماعيل، الذى يرجع تاريخ بناء هذا الفندق لعصره - حيث تم بناءه خصيصًا لإقامة امبراطورة فرنسا "أوجيني"، خلال فترة إقامتها بمصر، لمشاركتها في حفل افتتاح قناة السويس الأولي، وذلك قبل أن يتحول القصر لاحقًا إلى فندق -.

انتهي بنا الممر إلى بوابة زجاجية، تفتح وتغلق بطريقة أوتوماتيكية، خرجنا منها إلى حديقة الفندق، ثم خطونا قليلًا جهة اليسار باتجاه طاولة بعينها تقع على طرف الحديقة، وقتها هتف الوسيط على حين غرة: "خلاص وصلنا..أقدملك الـ "Big Boss" الذى لم يكن حينها سوي كمال وديع!

شكر "كمال وديع" الوسيط، الذي غادر بعد أن ألقي التحية إلى مكان غير معلوم.

يبدو "كمال وديع" أو الـ"Boss"  للناظر إليه، من أبناء الطبقة الارستقراطية، فوجهه مخضبًا بحمرة من يعيش في بحبوحة، يتمتع بمظهر منسق، مهذب في حديثه إلى أبعد مدى، قادر على تحقيق التواصل النفسي مع محدثيه بشكل مبهر يجعلك تألفه في ثوانٍ، الأمر الذي يضيف إليه بلغة رجال الاقتصاد "قيمة مضافة" داخل وسطه، وهو ما يجعل من مسألة تردده الدائم على الفنادق والسفارات أمرًا لا يبعث على الريبة.

لعبت تعبيرات وجه الـ"Boss"  دورًا هامًا في نجاح اللقاء الذى استمر على مدار ساعة كاملة، إذ لم تُفارقه الابتسامة طوال هذه المدة، الأمر الذى أسفر على إزالة الانطباعات السلبية التي تكونت عن الرجل قبل لقاءه، وشجعنا على طرح اسئلة من شأنها فك طلاسم النشاط الذى يمارسه.

كانت "الصراحة" هي العنوان الذى اقترحه الـ "Boss" للقاء، والأرضية المشتركة التي أرادها أن تكون بيننا، فمن جانبه، لم يخفِ الرجل تخوفه من قبول طلبنا للقاءه، خشية أن يكون السعي من وراءه هو تحقيق أحد الإنفرادات الصحفية على حساب التنظيم الذى يتولى قيادته، موضحًا أنه تم التشاور حول طلبنا، ثم استقر هو وبعض النافذين، على إرجاء الموافقة لبيان ما إذا ما كنا نسعي وراء تحقيق سبق صحفي من عدمه، وكانت طول المدة من وجهة نظره، هي العامل الذي سيحسم هذا الأمر.

أوضح الـ "Boss" أنه وفى خلال هذه المدة، تم إجراء عدة اختبارات لنا، مثل الزج ببعض عناصر "حزب هم هم"، للجلوس بجانبنا خلال قيامنا بالتغطية الصحفية لبعض الفعاليات، ودفعهم لتعريف أنفسهم إلينا كصحافيين، يعقب ذلك تعمدهم الحديث بشكل سيئ عن عناصر "حرب هم هم" والشكوة منهم ومن تطفلهم، والتلميح بأنهم يصلحون مادة خصبة لموضوع صحفي، لكن ردة فعلنا كانت مطمئنة إلى حد كبير -  حسب تعبيره -.

تسبب تأكيدنا بأن رغبتنا في الانضمام لـ"حزب هم هم" هي الدافع الرئيسي وراء طلب اللقاء، في تحويل مسار اللقاء، الذى اتخذ طابعًا وديًا في بدايته، إلى منحي آخر أكثر جدية، حيث همّ الـ "Boss" بسؤالنا: "وما الذى تستطيعون تقديمه لنا من خلال انضمامكم إلينا؟"، أجبناه بأننا نستطيع إمداده ببعض المعلومات الخاصة بمواعيد المؤتمرات الصحفية، فى مقابل اصطحابنا للحفلات التى تقيمها سفارات الدول الأجنبية، الأمر الذى رحب به بشكل كبير، وكنا نرمى من وراء ذلك، التعرف على هذا الجزء من نشاطهم.

في بداية الأمر، كان تفعيل هذا الاتفاق الي تم بيننا، يشوبه بعض التعقيد، إذ كنا نفطن أننا سنقع تحت طائلة حزمة من الاختبارات، كالتي سبقت اللقاء، وهو ما حدث بالفعل، إذ كان يجرى الاتصال بنا بصفة يومية عبر إحدى الوسطاء، مع حلول منتصف الليل، للسؤال عن مواعيد المؤتمرات المزمع عقدها في اليوم التالي، التي تصلح أن يشارك بها عناصر "حزب هم هم"، من خلال الاطلاع على قائمة المؤتمرات التي تصلنا من مختلف الجهات بغرض دعوتنا للقيام بتغطيتها، وبيان ما إذا كان مدرج بها تناول وجبة الغذاء أو العشاء، ثم إبلاغه بها؛ لكن في الغالب، كانت معظم معلوماتنا معروفة لديهم مُسبقًا، وهو ما يزكي الافتراض أن هذه المكالمات لم تكن سوي اختبار.

مرت 3 أشهر تصرفنا خلالهم على هذا المنوال، في حين لم يكن الطرف الآخر من الاتفاق - الـ"Boss"   - قد فعّل التزامه بعد، ولم يكن قد تم اصطحابنا لأي سفارة أو أي حفل آخر طوال هذه المدة، وفى هذه الأثناء، أجرى معنا الـ "Boss"  بنفسه مكالمة هاتفية مقتضبة، أبلغنا فيها رغبته لقاءنا في الرابعة عصرًا بعد يومين، في نفس مكان اللقاء الأول.

بعد يومين، ذهبنا للمكان المتفق عليه في الموعد المُحدد، لكن لم يكن الـ"Boss"  قد وصل بعد، حيث وصل متأخرًا عن الموعد بـ15 دقيقة، وهو ما دفعه للاعتذار، مرجعًا سبب التأخير لسوء حركة المرور.

في حقيقة الأمر، لم يختلف اللقاء كثيرًا عن المكالمة، إذ كان مقتضبًا هو الآخر، فبعد 10 دقائق، استأذن "كمال وديع" للانصراف، معللًا ذلك بموعد كشف طبي.

بدأ اللقاء بإخراج "كمال وديع" ورقة من جيب جاكيت بدلته، بها جدولًا يحوي مواعيد حفلات اليوم القومي للسفارات الأجنبية فى شهر يونيو، وهو شهر الذروة بالنسبة لمناسبات السفارات - حسب تعبيره - وكان يفصلنا عن الموعد الأول بالجدول 20 يومًا، لذلك، رأى "وديع" أنه يجب علينا الاستعداد لهذه المناسبة، وفى المقام الأول الاستعداد النفسي، وهو أمرًا أساسيًا من أجل الانخراط في مثل هذه المناسبات، قائلًا: "إذا أردت النجاح في النشاط المتعلق بالسفارات، عليك أن تكون دبلوماسيًا إلى أبعد مدى، فعلى سبيل المثال، لا داعي لإظهار امتعاضك من وجود سفير دولة ما، أو لوجود المشروبات الكحولية التي عادة ما تمتلئ بها هذه الحفلات، ولا تنسي أن تكون دائمًا مبتسمًا، فالابتسامة لها مفعول سحري في مساعدتك على الذوبان وسط ضيوف الحفل، كما أنها تضفي على صاحبها وقارًا من نوع خاص، ينعكس في تعامل فريق الخدم معك".

ولأن الحفل الأول بالجدول الذى أعطانا إياه كان لدولة أوروبية تتمتع نسائها بشهرة عالمية من حيث ارتفاع معدلات الجمال، ولأنه كان من المقرر أن يشارك فيه جزء من جاليتها المقيمة بمصر، فقد أوصانا "وديع" بالحرص على الظهور بمظهر أنيق خلال الحفل، إضافة لارتداء الملابس الرسمية، كي تتماشي وأجواء الحفل؛ وقبل أن ينتهي اللقاء، أعطانا الرجل دعوة رسمية صادرة من السفارة، وأبلغنا أنه لا داعي للقلق طالما أن دخول الحفل سيتم بطريقة رسمية، كما نبهنا إلي عدم إظهار أي شكل من أشكال الاضطراب، عند تسليم الدعوة لمسئولى السفارة، الذين سيتلقون منا الدعوة  كى يُسمح لنا بالدخول، وذلك لعدم إثارة الشكوك حولنا.

"6، 5، 4" طرق بديلة عن الدعوة الرسمية!

كانت الدعوة التي تسلمناها من الـ "Boss"، وهى مكتوبة باللغة الإنجليزية، تقول إن الحفل سيبدأ في تمام السابعة مساءًا، لذلك، فقد حرصنا على التواجد قبل هذا الموعد أمام مقر الاحتفال، حيث كان يشهد المكان في هذا التوقيت، حشدًا من الوجهاء والدبلوماسيين والملحقين العسكريين الأجانب، فضلًا عن بعض رجال الأعمال المعروفين، إضافة لسياسيين بارزين، لكن الغريب في الأمر، أنه لا يمكن في ظل هذا المشهد، التفريق بين ضيوف الحفل الأصليين، أي الضيوف الذين تمت دعوتهم من قبل السفارة، وبين عناصر "حزب هم هم"، وهو ما يُظهر لنا حبكة خداعهم.

دقائق، وكانت الساعة تُشير إلى تمام السابعة، ثم بدأت الضيوف تتقاطر إلي داخل مقر الاحتفال بعد التحقق من دعواتهم، لكن المثير، أننا لاحظنا أن معظم عناصر "حزب هم هم"، قد دخلوا الحفل من خلال دعوات رسمية، وهو ما يثير عدة تساؤلات عن الطريقة التي حصلوا بموجبها على هذه الدعوات، أما القلة القليلة المتبقية، فقد اعتمدت على وسيلتان بخلاف الشكل الرسمي، وهما وسيلتان يطلقون عليها الطريقة "6" و"5".

الطريقة "6"، وهى إحدى أساليب "حزب هم هم" المبتكرة، التي يعتمدون عليها في دخول المناسبات بشكل غير رسمي، تعتمد هذه الطريقة بالمقام الأول، على القدرات السيكولوجية لدي عناصرهم، فهي تستهدف إيقاع شكل معين من أشكال "الانهزام النفسي" بمنظمي الحفلات، وهنا يمكننا الاستشهاد بأحد كوبليهات تتر مسلسل "أهل كايرو"، للنجم الإماراتي حسين الجسمي، الذى غني فيه قائلًا: "ياما البدل بتدارى..سلطة ومحدش داري"، وهنا نفهم أن الأناقة وتناسق المظهر، عاملان مهمان لنجاح هذه الطريقة، هذا بالإضافة إلى تعمدهم استخدام بعض الكلمات المنمقة التي يجيدون استخدامها بمهارة، فضلًا عن السير بطريقة لولبية تبعث على الزهو، ويكفي في نهاية المشهد، أن يقوم مستخدم هذه الطريقة، بإخراج الـ "Business Card"، أو كارت التعريف الشخصي الخاص به، من حافظته الجلدية، التي على الأرجح قد ابتاعها من أحد محال وسط البلد، وفى الغالب يحوي كارت التعريف الذى تمت طباعته بأحد محال الطباعة التي يتعاملون معها بمنطقة العتبة: "فلان الفلاني" وكيل وزارة كذا، أو رئيس مجلس إدارة مجموعة كذا، وهى بالطبع تعريفات مزيفة، ثم يعطيه لموظف السفارة، وهنا يكون عنصر "حزب هم هم" الذي لا يمتلك دعوة رسمية ولا يحق له الدخول من الأساس، قد أجهز تمامًا علي الموظف الذى يسمح لحاملي الدعوات فقط بالدخول، وبالتالى يتمكن من الدخول دون السؤال عن كارت الدعوة.

يشبه مفعول هذه الطريقة إلى حد كبير، تأثير حقنة المخدر، التي يغيب بمفعولها المريض عن الوعي، فيُمكن القول، إن موظف السفارة الذي يتلقى الدعوات من الضيوف، تتوقف عنده وظيفة التدقيق، التي يقوم بموجبها بسؤال مرتادي الحفل عما إذا كانوا قد حصلوا على دعوة أم لا كي يسمح لهم بالدخول؛ فبينما يقوم الموظف بمراجعة كارت التعريف الشخصي الذي تسلمه من عنصر "حزب هم هم"، يكون هذا العنصر قد اتخذ نقطة التمركز الخاصة به داخل مقر الاحتفال، استعدادًا لإعلان فتح الـ"أوبن بوفيه"، ومن ثم الانقضاض عليه؛ لكن، لا يعني ذلك أبدًا أن النجاح هو المصير الذى ينتظر مستخدمي هذه الطريقة، لكون الإخفاق أمرًا وارد الحدوث، وهو ما وقع بالفعل لبعض عناصرهم في عدة مناسبات، وهنا لا مفر من اللجوء إلى الطريقة "5".

تُعتبر الطريقة "5" نسخة متطورة للطريقة "6"، فهي تجمع بين القدرات السيكولوجية، التي تُبني عليها الطريقة "6"، وبين مهارات الشخصية الاجتماعية، والتي قد ينظر إليها البعض باعتبارها أحد فروع القدرات السيكولوجية، لكن، علي أي حال، فهي تساعد مستخدميها على إضفاء شكل من أشكال الرسمية، على محاولة دخول الحفل، وهى تعتمد فى المقام الأول على سرعة البديهة، ويتم تنفيذها من خلال استهداف أحد المدعوين الأصليين قبل دخول مقر الاحتفال، ثم اصطناع حوار معه بشكل سريع، ونجاح هذه الطريقة مرهون باستطاعة إطالة الحوار مع الضيف، حتي الوصول إلى نقطة العبور إلى الحفل، تحديدًا عند الموظف الذى يتلقى الدعوات، الذي سيلحظ بدوره الحوار الدائر بين الضيف وعنصر "حزب هم هم"، وبالتالي سيفهم أن الضيف الذي سلمه الدعوة الأصلية قد أتى بصحبة هذا العنصر، وبالتالي فهو لن يسأله عن دعوته.

أما في حال فشلت الطريقتان "6، 5"، فليس أمام عنصر "حزب هم هم"، سوي طريقة أخيرة، وهي الطريقة "4"، وهي تعتمد باختصار على إيجاد ثغرة في المكان الذي يُقام به الحفل، بخلاف المكان المخصص للدخول، مثل أماكن دخول الخدم أو غير ذلك.

"سليم الحرامي" سبوتر لـ"حزب هم هم" !

لعبت النقلة النوعية، التي أحدثتها قيادة "كمال وديع" لتنظيم "حزب هم هم"، دورًا بارزًا، في تحويل نمط نشاط التنظيم، إلى حد بات يُشبه العمل المؤسسي.

فعلي سبيل المثال، فإن مسألة ضم أعضاء جدد للتنظيم، أصبحت تتم عبر طريقين، فإما أن يسعي التنظيم إلى ضمه، إذ كان في انضمامه إضافة كبيرة، أو أن يسعي أحد الأشخاص للانضمام، وفي الغالب، سيتم اتباع معه نفس الأسلوب الذي تم اتباعه معنا.

وبإحدى هذه الطرق، فقد تم ضم إحدى رعايا الدول العربية، تُدعي "ضُحي"، وهي المرة الأولي التي تقبل فيها عضوية غير المصريين.

في حقيقة الأمر، كانت للصدفة البحتة الفضل في انضمام هذه الفتاة؛ حدث ذلك عندما تصادف جلوس "سليم الحرامي" إلى جوار طاولتها بحديقة أحد الفنادق الكبرى، عقب مشاركته بمؤتمر صحفي تمت إقامته بأحد قاعات الفندق.

بعد بضعة دقائق، ظهرت حاجة الفتاة لتدخين سيجارة، فقامت بالتقاط حقيبة يدها، وأخرجت منها علبة السجائر، إلا أنها ظلت تحملق في حقيبتها بحثًا عن الولاعة، التي اكتشفت انها ربما قد تركتها في مكان ما، وهو ما دفعها أن تطلب من الجالس بجوارها، الذى لم يكن سوي "سليم الحرامي"، أن يُشعل لها السيجارة بولاعته التي كان يضعها على طاولته، وبعد أن فعل، تقدمت له بالشكر، واعتذرت منه، خشية أن تكون قد ازعجته، إلا أن "سليم الحرامي"، كان مُصرًا على أنه يسعد دائمًا بتقديم يد المساعدة للجميع، وخصوصًا إذا ما كانت فتاة جميلة مثلها.

لم تجد الفتاة مفرًا من أن تعرض على "سليم الحرامي" الجلوس معها على طاولتها، تقديرًا لمساعدته ولمجاملته الرقيقة، وهو ما رحب به بشدة.

جلس "سليم الحرامي" على طاولة ضحى، وتبادلا سويًا أطراف الحديث، وفى نهاية اللقاء، كانا قد تبادلا رقمي هاتفيهما، واتفقا على موعدًا جديدًا للقاء.

عملت كثرة لقاءاتهما، على بناء جسرًا من الثقة فيما بينهما، الأمر الذي شجعهما على أن يبوح كلٌ منهما للآخر بحقيقة أمره.

فبعد أن أفصح لها "سليم الحرامي" عن حقيقته، كان اعتراف "ضحي" له.

Comments

عاجل