المحتوى الرئيسى

أحمد فتحي سليمان يكتب: وقائع المناظرة الرئاسية التي لن تحدث أبدا

01/21 10:07

الانتخابات على الأبواب. ومقتضيات الشكلية أن تكون هناك انتخابات ومرشحين ودعايات انتخابية ثم يكتسح الرئيس النتائج.

عندما أعلن الحقوقي نصف المشهور ترشحه، قوبل بتجاهل تام من الإعلام الرسمي والخاص في انتظار التعليمات، بينما كان السؤال الأكثر طرحا في وسائل التواصل الاجتماعي هو مقدار أجره عن دوره في هذه المسرحية السخيفة.

لكنه كان مصرًا على كونه مرشحًا حقيقيًا وتعامل مع الأمر بجدية تامة رغم كل ما تعرض له من سخافات واستهزاء، وعندما جاءت الأوامر للإعلام بعدم إغلاق “الأبواب تماما” في وجهه، تجرأ مذيع شهير بإحدى الفضائيات على استضافته، ليفاجئ الجميع بظهوره كصاحب رؤية سياسية متكاملة ومخططات مستقبلية جادة وعقلانية، وبدأ البعض في أخذه على محمل الجد إلى أن أعلن رغبته في مناظرة الرئيس!

كان الأمر محرجا. تصميمه على مطلب المناظرة جعل مغامرته تدخل في مرحلة خطرة، وعندما تحول طلبه إلى تحدي، تساءل فيه هل يجرؤ الرئيس على مناظرته بأي شروط وتحت أي ظروف يحددها، أغلق الإعلاميون هواتفهم في وجهه وأوصدوا أبوابهم، لكن وسائل التواصل ساندته بقوة. حتى من كانت قناعتهم أنه مهرج في السيرك السياسي لا تتزحزح، ساندوه في مطلبه وأصبح الجميع يريدون مشاهدة المناظرة، الجميع يريدون أن يروا الرئيس وهو يحاول إقناعهم بجدارته بالاحتفاظ بمنصبه حتى وإن كانوا على يقين أن اقتناعهم من عدمه لا يغير من الواقع شيئا.

الغريب أن الرئيس (الذي لم يكن سمع عن منافسه قط قبل ترشحه) فكر بالأمر، كان صعبا على كبريائه شيوع تصور أنه يجبن عن مواجهة هذا النكرة في مبارزة كلامية وهو الذي تباهي دائما بقدرته على السيطرة وقيادة الحشود، كما كان صعبًا عليه تصور أنه ينزل لمستوى طرح نفسه كمرشح وليس قائدا ملهما لشعب أقل من طموحه وقدراته كما كانت تردد “ببجاحة” الآلات الإعلامية، وكذلك، فالحفاظ على الشكليات وإظهار الانتخابات بأكبر قدر ممكن من الجدية أمر يلح عليه الحلفاء الغربيين باستمرار، فأمر مدير مكتبه بأن يبحث الأمر وينظر في مدى إمكانية حدوثه.

ولأن المدير لم يكن يرغب في إحراج الرئيس بأي شكل كان تصوره النهائي أن تتم مناظرة غير مباشرة مسجلة بسرية تامة حيث يستضيف إعلامي مرموق الرئيس، وذلك المزعج كلا على حده. ويوجه ذات الأسئلة إلى كلاهما وتسجل إجابتهما، فإن كانت المحصلة النهائية “بعد إضافة الرتوش اللازمة” لصالح الرئيس بوضوح، تعرض عليه ليتخذ القرار، وإن لم يكن، فلا خسائر.

وأبلغ إعلامي شهير بتكليفه المهمة وإجراء الترتيبات، مع التنبيه على أن الكلمة الأخيرة هي للرئيس، وفي حال تسرب أي خبر عن هذه المناظرة من أي طرف قبل موافقته على إذاعتها ستكون العواقب وخيمة.

وافق المرشح على كافة الشروط وجلس في الأستوديو بابتسامة واسعة يرد على الأسئلة بهدوء.

ولكن عندما وجه الإعلامي الخبير في برامج المسابقات سؤالا: ماذا فعلت للوطن لتعتقد أنك جدير بهذا المنصب؟

اندفعت الكلمات من فم المرشح كمدفع رشاش:

“لنقل إن رصيدي في خدمة الوطن صفر، فهذا الصفر يبدو رقمًا كبيرًا مقارنة بما لم أفعل بالوطن، فأنا لم أحرض أبناء الشعب على بعضهم ولم أقسمهم، من معي فهو وطني ومن عارضني فهو خائن. لم أهدد الشعب باستخدام جيشه لقمعه. لم أحول مؤسسات الدولة إلى هياكل جوفاء بلا قيمة أو قدرات لأضمن أن لا يخرج منها صوت يعارضني. أنا لم أجعل الناس تقف في طوابير في مطلع الفجر من أجل رغيف الخبز وفي منتصف الليل من أجل البنزين. لم يستيقظ الناس ليجدوا أنفسهم خسروا 40% من قيمة ما يمتلكون بقرار مني. لم أحول إعلاميين وخبراء كان الناس يحترمونهم ويثقون بآرائهم إلى أعضاء في كورس رديء لا يردد إلا الأكاذيب.

نعم رصيدي في خدمة الوطن صفر. ولكني لم أجعل أحدا من أبنائه يخاف أن يقول رأيه أو يشهد بالحق إذا علمه. لست متهما في أعين أحد من أبناء وطني بمحاولة التآمر لبيع أراضيه والتستر على نهب ثرواته. لم أضرب للناس مثلًا أعلى في الخسة، ولم أنشر بينهم التجسس وانتهاك الأعراض والحريات كما أفعل مع من يعارضني بإسم كشف الحقائق. لم أجعل التميز واستقلالية الرأى تهمة يحاول الجميع دفعها عنه حتى لا يتعرض للإيذاء بلا سبب سوى الحفاظ على صورة الرئيس الذي لا يقبل أن يظهر أحد مواهب قيادية غيره. لم أعامل أبناء الوطن كجنود لي عليهم حق الطاعة المطلقة ولا يحق لهم الاعتراض على قراراتي. ولا يطالبني أحد بدماء أحد من أبناء الوطن أو حريته.

نعم، رصيدي صفر ولكن هذا الصفر يبدو رقمًا كبيرًا”

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل