المحتوى الرئيسى

غيبوبة الصحافة

01/20 22:02

عندما دخلت عالم الصحافة، أذكر بأننى نسيت أفراد أسرتى، وكل الصداقات وحياتى بالكامل، وفجأة بعد مرور زمن جلست مجبرة مع نفسى لأعيد حساباتى، فوجدت إخوتى الصغار كبروا فجأة، وأبى شاخ، وأمى وزوجة أبى أصبحتا متغيرتين، وكأنى كنت فى غيبوبة وأفقت منها، أدركت أنى فى خطر، ويجب أن أنتشل نفسى منه، وإلا سأتحول من بشر إلى ماكينة بلا إحساس، خصوصا أن قوتى فى هذه الحياة إحساسى وتأملاتى وكتاباتى. أشتاق لعالم الصحافة، لا أنكر ذلك، ولكنى عاهدت نفسى ألا أجعل شيئا يسرقها ويتعبها، كنت أركض لأسابق الوقت والسائق يقود السيارة، وأنا أقود معه بقلبى، فكلى خوف من أى تأخير، لأنه سيترتب عليه تعطيلى طوال اليوم، فالوقت محسوب بدقة شديدة، كنت أحضر فى يوم واحد ثلاث دعوات وتغطيات من مؤتمرات ومعارض واحتفالات، وكل حدث صغيرا كان أم كبيرا فى عاصمتنا الحبيبة، فضلا عن الدعوات التى أعتذر عن حضورها خصوصا فى نهاية الأسبوع.

أقسم أننى لا أجد وقتا لأرى وجهى فى المرآة، ولا وقت لدى لاحتساء الشاى كالبشر ربما رشفة واحدة، وأنا واقفة وباقى الكوب لن يسمح لى وقتى أن أكمله.. فأتركه للقدر..

كنت أتمنى أن أملك عصاة سحرية وقتها لتعطنى المزيد من الوقت كى أنجز أكثر، ومهما يبلغ عدد الأعمال الصحفية التى تنجزها، إلا أنها تضيع فى بحر الصحيفة وتصبح كالقطرة فى البحر وكأنك لم تقم بشىء.

ينتهى اليوم وأعود للنوم متأخرة، ثم أستيقظ الصباح التالى مبكرة، ولا خيارات أمامى حتى لو رغبت فى تمديد غفوتى لدقائق إضافية، فلن تجد تلك الرغبة لها مكانا عندى، فالعزيمة والإصرار بداخلى أكبر من أى راحة بدنية.

فأستقيظ وأنا أركض من جديد على نفس خطى اليوم الذى قبله، هاتفى ملىء برسائل الشوق والعتب والغضب، أين أنتِ؟ لماذا تركتنا؟ ماذا حصل منا لتقاطعينا؟

هل تصدقون أنى لا أملك الوقت للكتابة والرد على تلك الرسائل! وإن ملكت الوقت للرد فلن يكون لدى وقت لأفكر ماذا أكتب!

كنت أمر على المقاهى والمطاعم وأرى الناس يجلسون خارجها، وأنا فى السيارة بطريقى إلى مواعيدى، وأقول سيأتى آخر الأسبوع، وأزور أحدها، ثم أعود بعد ثوانٍ قليلة مصارحة نفسى وأقول فى إجازة آخر الأسبوع، لن أجلس مثل هؤلاء الجالسين فى المقهى، لأن آخر الأسبوع سيكون حافلا بالمواعيد كالعادة، وبالفعل هذا ما يحدث.

كنت أشتاق إلى مساحة من الحرية فى الوقت، حرمت منها فى الفترة التى عملت بها فى الصحافة، شعرت بأن حبال أحذيتى قد ربطت بعقارب الساعة، ولا يمكننى أن أقف، لأن العقارب لا تقف، وكنت أشعر بأن العالم هادئ بطريقة مفرطة، ويمضى ببطء، بعيدا عن الصحافة ومتاعبها.

الصحافة تصنع منك شخصا جديدا وتصنفرك بطريقة هندسية تجعلك تواجه جميع تيارات الحياة بكل سلالة، مقارنة بمن لم يمارسها على جميع الأصعدة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل