المحتوى الرئيسى

شهادات لمصابات بالسرطان بسبب أدوية تأخر الحمل

01/20 07:14

فجأة يتحول حلم الإنجاب إلى كابوس على يد الطبيب، سيدة تذهب لعلاج تأخر الحمل لديها، فينتهى بها الأمر مصابة بسرطان فى الرحم أو فى الثدى، لعلها قصة قصيرة حزينة، تكررت لدى المئات من سيدات مصر، تتشابه بدايات القصة ونهاياتها، لكن السيناريو يختلف كثيرًا فيما بينهما.

الكثير من السيدات اعتدن - تحت إشراف الطبيب أو بدونه - تعاطى أدوية منشطة لهرمونات الأستروجين والبروجستين، أحيانا لضبط العادة الشهرية، أو لتعجيل الحمل، ولا يعلمن أن الداء يكون أحيانا فى الدواء، فكثيرا ما تتسبب هذه العقاقير فى أعراض جانبية تؤدى إلى الإصابة بالسرطان.

فى هذا التحقيق، تكشف «الدستور» عن تورط أطباء نساء وتوليد فى الإفراط فى وصف الأدوية الهرمونية للتعجيل بالحمل، مما يؤدى إلى عدة مخاطر من بينها السرطان، فى غياب رقابى كامل من نقابة الأطباء ووزارة الصحة معًا.

أصيبت بـ«ورم خبيث» لتناول هرمونات خصوبة

لم تعرف الأربعينية كريمة السيد أن سعيها للإنجاب سيكون بوابة لعبور «وحش السرطان» لها، فعلى مدار عامين، وصفت لها طبيبتها العديد من أدوية الخصوبة والهرمونات الصناعية لضبط الدورة الشهرية، خاصة أنها تعانى من متلازمة «تكيس المبايض»، لكن هذه الأدوية أدت لإصابتها بسرطان الثدى.

«تزوجت فى الخامسة والثلاثين من عمرى، وبالتالى كانت فرص إنجابى ضئيلة كما قال طبيبى الأول»، هكذا بدأت كريمة حديثها لـ«الدستور» قائلة: «طبيبى الاول أخبرنى أننى أعانى (تكيس مبايض) وأن سنى الكبيرة لا تؤهلنى للحمل، ولأنى كنت أخشى أن يتركنى زوجى أو يتزوج مرة أخرى قررت الاستمرار فى التجربة، فنصحتنى صديقة بمراجعة طبيبة شهيرة لها عيادة فى مركز طبى بشارع أحمد حلمى، وبالفعل ذهبت لها».

وتصف كريمة أول زيارة للطبيبة قائلة: «كانت العيادة مزدحمة للغاية، وكانت الممرضة تدخل كل 4 مريضات مع بعض، ولا تزيد مدة الكشف على 5 دقائق، ولا تضم العيادة جهاز الأشعة الصوتية (السونار)، وفى أغلب الوقت يكون الكشف شفهيًا فقط، إلا فى حالة الكشف لأول مرة، حيث تقوم الطبيبة بالتأكد من حجم الرحم بالكشف اليدوى».

وتضيف كريمة: «تابعت مع الطبيبة لمدة عام ونصف، وصفت لى فى الكشف الأول عقار (البروجيلوتون) لتنظيم الدورة الشهرية لمدة 3 أشهر، مع منشط التبويض (الكلوميد)، ومنذ الشهر الرابع وصفت لى (إبر التفجير)، وبعد شهرين من توقف أدوية (البروجيلوتون) عادت الدورة لعدم الانتظام مرة أخرى، فقامت الطبيبة بإعادة وصف الدواء مرة أخرى شهريًا بالإضافة إلى باقى الأدوية، حتى اكتشفت وجود ورم بالثدى».

فتحية: منشطات التبويض أصابتنى بالمرض

لأسباب شخصية تحفظت «فتحية» على نشر اسمها الكامل، وسمحت لـ«الدستور» باستخدام اسمها الأول فقط، كما وافقت على تسجيل شهادتها التى قالت فيها: «تأخر الحمل الثانى 9 أشهر بعد امتناعى عن استخدام وسيلة منع الحمل، فتوجهت لعيادة دكتور (م.م) ورغم تأكيده لى أننى لا أعانى أى أسباب لتأخر الحمل، ولذلك فإنه قام فقط بوصف مجموعة من منشطات التبويض، وطلب منى الالتزام بجدول لمرات العلاقة بينى وبين زوجى».

وضمت روشتة الطبيب، بحسب فتحية: «الكلوميد وأحد أدوية مرض السكرالمستخدم للتخسيس، كونها تعانى وزنًا زائدًا، وعلى مدار 3 أشهر لم يحدث حمل، فقام الطبيب بإضافة حقن الفوستيمون والكوريمون لمدة استمرت 8 أشهر دون حمل».

وتصف فتحية الأعراض التى طرأت عليها مع استخدام هذه الأدوية قائلة: «كنت أعانى من تضخم وثقل بالبطن، وألم وامتلاء بالثديين، ومع ازدياد الألم والنزيف توجهت لمستشفى حكومى والذى حولنى لمعهد الأورام، حيث تم اكتشاف إصابتى بـ«العيا الوحش» (أى السرطان) فى الرحم، مما استدعى استئصاله».

موقع طبى: أدوية الأستروجين والبروجستين مدخل للسرطان

وفقًا لموقع «tablet wise» المختص بشرح وتفسير استخدامات وتراكيب الأدوية، فإن الأدوية الهرمونية تستخدم فى مجال المساعدة على الحمل فى مجالين، الأول: تنظيم الدورة الشهرية، ويتم فيه استخدام الهرمونات البديلة أو الصناعية، حيث يتم مد الجسم بهرمونى الاستروجين والبروجستين، وأشهر هذه الأدوية هى البروجيلوتون، وأدوية تنشيط المبيض وأشهرها الكلوميد، وله عدد من الأسماء التجارية، والمادة الفعالة فيه هى الكلومفين، وهو مركب كيميائى يعمل على مستقبلات هرمون الاستروجين فى المخ والمبايض ليوحى للمخ بانخفاض نسب الاستروجين لحث الغدة النخامية على إفراز هرمون الاستروجين، ومن ضمن أدوية تنشيط المبيض أيضًا حقن تفجير البويضة وأشهرها الفوستيمون والكورريمون وكل نوع منهما يضم هرمونًا مختلفًا لتحفيز الإباضة وعادة ما يتم استخدامهما معًا.

ورغم أن الأدوية الهرمونية مصرح باستخدامها طبياً، فإن هناك تحذيرات تتعلق بالإفراط فى استخدامها، فحسب موقع منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية fda، فقد طالبت «مبادرة القبعات البيضاء» (وهم مجموعة من الأطباء المعنيين بصحة المرأة فى الولايات المتحدة الأمريكية) الشركات المنتجة للأدوية المتضمنة هرمون الاستروجين والبروجستين بوضع المخاطر الناتجة عن استخدام الهرمونات البديلة لدعمهم فى اتخاذ القرارات الأكثر صحة لهم.

 وقالت المبادرة إن دراسة سريرية أجرتها ضمت 30 امرأة أثبتت أن النساء اللاتى يستخدمن أدوية تضم هرمونى الاستروجين والبروجستين لديهن احتمالية أكبر للتعرض لسرطان الثدى والسكتات الدماغية والجلطات والانسداد الرئوى.

وتستخدم أدوية الهرمونات البديلة عادة فى مكافحة الآثار الجانبية لانقطاع الطمث وسن اليأس والتى تضم نوبات الحرارة والاكتئاب.

تقول د. نجلاء عبدالرازق، أستاذ الأشعة التداخلية والتشخيصية بكلية طب قصر العينى، والمدير للبرنامج القومى لصحة المرأة، إن العامل الهرمونى ثانى العوامل المؤثرة فى الإصابة بسرطان الثدى بعد العامل الوراثى، مشيرة إلى أن زيادة الهرمونات بصورة طبيعية بأن تكون السيدة لم تتزوج أو لم تنجب أو لم ترضع بصورة طبيعية، وبالتالى فإنها تعانى من خلل بالهرمونات، أو صناعية كاستخدام الهرمونات البديلة أو منشطات التبويض قد تكون سببًا فى الإصابة بسرطان الثدى.

وأضافت «عبدالرازق» لـ«الدستور» أن سرطان الثدى لم يتم بعد تحديد سببه المباشر، ولكن لدينا العديد من العوامل التى قد تؤدى إليه. وأوضحت أن هناك بعض الأورام التى تتأثر بالهرمونات وعلى رأسها سرطان الثدى، والذى يجعل على جدار الخلية مستقبلات لهرمون الأستروجين، وبالتالى فإن استخدام الهرمونات لابد أن يكون بحذر، وتحت إشراف طبى ولأسباب وجيهة، فمثلًا، لا يجب أن تتم معالجة فتاة مراهقة بالهرمونات لمجرد أنها تعانى من تأخر بالدورة الشهرية.

وأضافت «عبدالرازق» أن كل حالة تختلف عن الأخرى فى استخدام الهرمونات، لذلك يجب المتابعة والتأكد من سابق التاريخ المرضى للعائلة.

لم تقدم نقابة الأطباء لـ«الدستور» معلومات حول أعداد المضارين من إفراط الأدوية، لكن الدكتور طارق كامل، عضو مجلس النقابة ورئيس لجنة آداب المهنة، قال إن النقابة تضم مجموعة من الاستشاريين المتطوعين فى كل التخصصات، التى تفحص الشكوى والإجراءات التى اتخذها الطبيب فإذا توافقت مع الإجراءات الطبية المعتادة، فلا جزاء للطبيب، ولكن إذا وجد أنه خالف الإجراءات الطبية وارتكب خطأ جسيما تتم محاسبته وإحالته للجنة التأديب.

وأضاف أن مصر تعانى فى الأساس من إفراط فى استخدام الدواء، فمصر تنفق ما يوازى 34% من ميزانيتها على الصحة والدواء، وهو خطأ ذو طرفين، الأول الطبيب الذى يكون متشككا فى التشخيص أو يريد نتائج سريعة لبناء سمعته أو لجهل منه، والطرف الثانى المريض المتطلب الذى يطلب من الطبيب وصف أدوية زائدة مثل المضادات الحيوية أو الفيتامينات.

«الصحة»: العقوبات تصل لغلق العيادات

«الدستور» واجهت مسئولى وزارة الصحة، الجهة المسئولة عن الرقابة على تراخيص العيادات والاشتراطات الصحية، وعن الرقابة على الأطباء الذين يعطون مرضاهم أدوية بشكل مفرط، بكل الحالات وكل ما تم توثيقه، وجاء الرد عبر الدكتور ممدوح الهادى، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص بوزارة الصحة، بأن مسئولية الإدارة تتوقف عند التفتيش على الاشتراطات الصحية واشتراطات الترخيص فقط، أما وصف الأدوية فليس من اختصاصها.

وأضاف الهادى لـ«الدستور» أن فى حالة وجود شكوى مشابهة يتم توجيهها لجهتين، الأولى وزارة الصحة، وإذا ثبتت جديتها يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ومنها إغلاق العيادة أو المركز الطبى، أما الجهة الثانية فهى نقابة الأطباء التى تتخذ إجراءات تجاه شخص الطبيب بإحالته للجنة التأديب.

يذكر أن مصر بها نحو 60 ألف عيادة مرخصة على مستوى الجمهورية، ونحو 250 ألف طبيب مقيدون بجداول نقابة الأطباء بين مختلف التخصصات الطبية ومن بينها النساء والتوليد.

وكانت وزارة الصحة أعلنت نهاية 2015 عن إغلاق 233 منشأة طبية خاصة مخالفة، من خلال حملات التفتيش والمتابعة الميدانية، منها 128 عيادة خاصة، 7 مراكز بصريات، 9 مراكز أشعة، 2 حضانة، 2 عيادة تخصصية، 11 مركزًا طبيًا، 8 مراكز علاج طبيعى، 3 مستشفيات خاصة و63 معمل تحاليل.

استشارى نساء وتوليد يحذر من عقاقير الهرمون التعويضى

يقول د. عمرو حسن عبدالحميد، مدرس واستشارى النساء والتوليد بكلية طب قصر العينى، إن هناك فارقًا بين الهرمونات البديلة ومنشطات التبويض، فالأولى تستخدم فى الأساس للنساء اللاتى وصلن لسن اليأس، وأهم أعراضه انقطاع الطمث، لأن مخزون البويضات انتهى، و50% من النساء فى سن اليأس لا يشتكين منه، ولكن الـ50 % الباقيات يتعرضن لبعض الأعراض الجانبية، مثل نوبات الحرارة، فمثلًا لا تستطيع السيدة النوم بسبب شعورها بنوبات حر، وكذلك سوء الحالة النفسية، وفى هذه الحالات نبدأ العلاج بالطرق الطبيعية، فإذا لم تأت بنتيجة فإن الهرمونات التعويضية تكون البديل.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل