المحتوى الرئيسى

مصر.. فى فخ الاستدانة

01/19 22:35

فى آخر لقاء جمع الرئيس السيسى والدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى، كانت التوجيهات الرئاسية بضرورة مراعاة الحد من الاستدانة والإسراع فى تنفيذ المشروعات التى يتم الحصول على تمويل خارجى لها، وتعظيم المكون المحلى بها، لتحقيق أقصى استفادة فى عائدها لتنمية الاقتصاد القومى، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

حديث الرئيس ذكرنا بكلامه عن أن الاعتماد على الاقتراض يزيد من أعباء الأجيال القادمة.. ولذلك لن يتخذها وسيلة للبناء والتقدم.

وعلى عكس ذلك ولسد عجز الموازنة العامة للدولة والسير فى مرحلة البناء والإصلاح، اتبعت ولا تزال حكومة شريف إسماعيل، سياسة الاقتراض من الخارج، ليصل إجمالى المديونية الخارجية إلى 60 مليار دولار حسب أحدث بيان صادر عن البنك المركزى مقابل 34٫2 مليار فى 2012 وصل إلى 46 مليارا فى يونية 2014 عندما تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسى السلطة.

وخلال 2015 كان إجمالى ما تتفاوض عليه الحكومة خلال الفترة من 3 إلى 5 سنوات مقبلة يتجاوز 10 مليارات دولار، بما يعادل آنذاك 80 مليار جنيه تقريباً مع البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى والصندوق الكويتى وبعض المؤسسات المالية الأخرى، كل ذلك علاوة على الدين المحلى، ووصول نسبة الدين العام لقرب الـ 100٪ من إجمالى الناتج المحلى وبأعباء فوائد على الدين العام تبلغ 300 مليار جنيه سنوياً حسب عمرو الجارحى وزير المالية.

وبحسب الخبراء والمختصين وتجارب سابقة للدول، فإن سياسة الاقتراض سياسة فاشلة وتدمر الاقتصاد وباب خلفى لاستنزاف العملة الأجنبية، تلك العملة التي وراء غرق الجنيه المصرى حتى الآن، ورغم ذلك هناك إصرار وترصد لاتباعها، وبما يثير تساؤلات عديدة حول أين ذهبت تلك المليارات؟.. ولماذا لم تستجب الحكومة لمطالبات البرلمان بكشف تفاصيل ديون مصر، وبعد ذلك ما هو محل سياسة المهندس شريف إسماعيل الاقتراضية من الإعراب ومن توجهات الرئاسة بالحد من الاستدانة؟

الاقتراض وارتفاع حجم الدين وراء تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة، يدمر الاقتصاد المصرى ويستنزف احتياطى البلاد من النقد الأجنبى، والاقتراض الخارجى دائماً وعلى وجه الخصوص ما يحمل مخاطر إذا لم تتم الاستفادة من القرض، دوامة المديونية العامة بمصر فى حقيقتها عرض لمرض يتمثل فى هشاشة البنية الهيكلية للاقتصاد المصرى، لكونه اقتصادا ريعيا من ناحية ومن ناحية أخرى تزداد فيه حالة التبعية للخارج بدرجة كبيرة، فقد ظل المسئولون منذ منتصف التسعينيات يعلقون كل مشكلة اقتصادية على الأحوال الإقليمية والدولية، واعتبارها مخرجا لهم من تقصيرهم فى إدارة الاقتصاد المصرى بشكل صحيح، ومن ثم كانت سياسة حكومة إسماعيل التى تقوم على القروض وبأن إطعام المصريين بالدين والاستيراد أفضل من إنتاج الغذاء.

وكانت الحكومات المتعاقبة تتلقى إنذار تزايد خطر المديونية العامة وتهون من مخاطر ذلك وأنه لا يزال فى الحدود الآمنة، حدود لا محل لها من الإعراب، تتأكد من كشف «الوفد» التالى لحساب القروض الخارجية، خصوصاً أن إجمالى المديونية الخارجية بلغ 60 مليار دولار حسب أحدث تقارير البنك المركزى بعد أن كان 55٫7 مليار فى يونية 2016، وكان 34٫3 مليار فى 2012، و46 مليارا فى 2014، وبما يمثل نسبة 17٫6٪ ديونا خارجية من إجمالى الناتج المحلى بخلاف خدمة الديون بنسبة 14٫7٪ من حصيلة الصادرات السلعية والخدمية، بالإضافة لأعباء خدمة الدين التى بلغت 868٫2 مليون دولار فى يونية 2016، وتشمل فوائد مدفوعة 261 مليون جنيه، وأقساطا مسددة 607 ملايين جنيه.

وبتوزيع الديون، فإن الحكومة المركزية ووحدات الحكم المحلى بلغ نصيبها 24٫4 مليار دولار والسلطة النقدية «البنك المركزى» 22٫1 مليار دولار، والبنوك 3٫9 مليار دولار.

وبالنسبة لتفاصيل الديون، فكانت قروضاً ثنائية معادا جدولتها بـ 5٫2 مليار دولار، منها قروض ميسرة بـ 4٫5 مليار وغير ميسرة بـ 725 مليون دولار، بخلاف القروض الثنائية الأخرى بـ 53٫9 مليار دولار، تضم 3٫5 مليار دولار ديون دول نادى باريس و1٫8 مليار دولار لدول أخرى و14 مليار دولار مؤسسات دولية وإقليمية و4 مليارات دولار تسهيلات موردين، و3٫4 مليار دولار سندات وصكوكا مصرية و16٫3 مليار دولار ودائع طويلة الأجل و7 مليارات دولار ديونا قصيرة الأجل، وذلك بخلاف المساعدات المالية التى حصلت عليها مصر منذ 2011 وحتى 2016 والمقدرة بـ 30 مليار دولار حسب تقرير البنك المركزي فى أغسطس 2016 والذى قدمه طارق عامر إلى مجلس الوزراء فى 20 يوليو 2016.

فقد رصد «عامر» فى تقرير البنك حركة النقد الأجنبى فى مصر منذ 2011، مشيراً إلى أن المساعدات كانت من السعودية والإمارات والكويت وقطر وتركيا وليبيا، مقسمة بين 7٫5 مليار دولار فى عامى 2011/2012، و22٫5 مليار فى 2013 وحتى 2016.

وفيما يخص حجم المساعدات التى حصلت عليها مصر خلال فترة تولى المجلس العسكرى شئون البلاد من 11 فبراير 2011 وحتى 6 أغسطس 2011 تقريباً فقد بلغت 2٫5 مليار دولار من السعودية، ومليارى دولار خلال عامى 2011 و2012، ونصف مليار من قطر عام 2011 بخلاف 10٫5 مليار دولار خلال عامى 2012 و2013 من دول عربية أخرى وصولاً إلى يوليو 2013 بحوالى 17 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت.

أما بعد يوليو 2013 فقد تلقت مصر مليار دولار فى النصف الثانى من 2013، و3 مليارات فى 2014 و6 مليارات دولار فى 2015 وصولاً لما يقرب المليار دولار فى 2016 بإجمالى حجم مساعدات خليجية بلغ 17 مليار دولار فى 3 سنوات.

وخلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فى منتصف مارس عام 2014 وقبل أسبوعين من انعقاده أعلن أشرف سلمان أن إجمالى المساعدات بلغ 23 مليار دولار على مدى 18 شهراً تنوعت بين منح ومساعدات بترولية وودائع بالبنك المركزى من الكويت والسعودية والإمارات.

جدير بالذكر أن 18 مليار دولار هو إجمالى ما قدمته الإمارات لمصر حسب محمد بن راشد حاكم دبى ونائب رئيس الدولة خلال المؤتمر وهو رقم أقل من نصف ما أعلنه تقرير البنك المركزى بأن الدعم من 2011 حتى 2016 بلغ 6 مليارات دولار من الإمارات، وبفارق بين الرقمين 12 مليارا بما يعنى حسب المختصين والخبراء أن الحجم الإجمالى للمساعدات الخارجية التى حصلت مصر عليها بعد عزل مرسى وفقاً للتصريحات الرسمية لا يقل عن 29 مليار دولار، بحد أدنى، وفى تقرير آخر لشبكة ألمانية أكد أن حجم المساعدات تعدى الـ 33 مليار دولار.

وخلافا لما سبق، وفى نفس التوقيت كان القرار الجمهورى بقرض الـ 25 مليار دولار من روسيا لإنشاء محطة الضبعة النووية وما تلاه من مفاوضات أجرتها سحر نصر وزيرة التعاون الدولى مع البنكين الدولى والأفريقى للتنمية لاقتراض 1٫5 مليار دولار تزامناً مع إعلان عمرو الجارحى وزير المالية بالتفاوض على قرض الـ 12 مليار دولار خلال 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنوياً وبفائدة تتراوح بين 1 و1٫5٪ وذلك ضمن برنامج يستهدف جذب تمويلات قيمتها 21 مليار دولار خلال 3 سنوات، وهو بالفعل ما تحقق بنسبة كبيرة حتى الآن، فالكم الكبير والهائل من المساعدات والقروض التى حصلت عليها مصر، خصوصاً بعد حكم الجماعة الإرهابية وعزل مرسى، كان قد أثار العديد من التساؤلات حول جهة صرف هذه الأموال؟.. ولم نشاهد سوى إبرام الرئيس السيسى خلال عامين لعدة صفقات دولية وسياسية وعسكرية واقتصادية، وكان أبرزها 8 اتفاقات منها العاصمة الإدارية الجديدة ومحطة الضبعة النووية.

مساعدات وقروض بلغ إجماليها منذ 2013 ثلاثة أضعاف ما حصلت عليه فى عهد مرسى زعيم عصابة الإخوان الإرهابية.

ورغم ذلك فمؤشرات حركة النقد الأجنبى بحسب خبراء المالية والاقتصاد لم تحظ بأى ارتفاع فى حين تفوق مرسى فى بعض تلك المؤشرات فيما يخص الأحوال المعيشية ونسب الفقر وحجم الاحتياطى النقدى الأجنبى وسعر الدولار، وأفاد تقرير متابعة الأداء الاقتصادى على سبيل المثال فى 2012/2013 الصادر عن وزارة التخطيط بعد أشهر من عزل مرسى أن الدين الخارجى ارتفع إلى 43 مليار دولار بعدما كان 34٫4 مليار فى 2012/2013 ووصل إلى 53٫5 مليار دولار منتهياً قرب 60 مليار دولار خلال 2016.

وبذلك أصبحت نسبة إجمالى الدين الخارجى والعام تقترب من الـ 100٪ من إجمالى الناتج المحلى حسب تصريحات لعمرو الجارحى وزير المالية فى يوليو 2016، وبلغ عبء الفائدة على الدين العام نحو 300 مليار جنيه سنوياً.

كذلك تصاعد عجز الموازنة من 239٫9 مليار جنيه بنسبة 13٫8٪ من إجمالى الناتج المحلى إلى حوالى الـ 300 مليار جنيه فى 2016.

ومنذ ثورة 25 يناير 2011 والدين العام الخارجى فى تصاعد باستثناء فترة إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد. فقد انخفض بمبلغ 456 مليون دولار بنسبة تراجع 1٫3٪ كما كان عليه الحال فى عهد مبارك، وهو بحسب بعض الخبراء والدراسات التحليلية كان مرجعه ورود منح بـ 10٫1 مليار جنيه حسب البيان المالى لمشروع الموازنة العامة للعام المالى 2016/2017، وبالتالى ما بين حكم مرسى وحتى فترة تولى الرئيس السيسى حكم البلاد كانت فترة الرئيس عدلى منصور قد شهدت أيضاً زيادة فى الدين العام الخارجى بمبلغ 2٫834 مليون دولار بنسبة زيادة 6٫6٪ مقارنة بأيام مرسى، ومن ثم زاد نصيب المواطن المصرى من الدين الخارجى لـ 549٫3 دولار فى مارس 2016 بعدما كان 387٫7 دولار خلال 2011 حسب مؤشرات الدين الخارجى ونشرات وتقارير بيانات البنك المركزى ووزارة المالية.

والمشكلة ليست فى الاقتراض ذاته، فليس هناك دول لا تقترض وإنما الخلل يكمن فى كيفية إدارة تلك القروض، وعدم تجاهل تعظيم الموارد الطبيعية أو حتى استحداثها من خلال تعظيم الاستثمارات وتشجيعها، ولذلك كان اللافت للنظر عدم الكشف عن أوجه إنفاق تلك القروض وتوجهاتها باستثناء القليل جداً منها كمشروعات الصرف الزراعى بالمحافظات أو تنمية الصناعات فى الصعيد من خلال قرضين بقيمة مليار دولار من البنك الدولى، ومشروع المليون ونصف المليون فدان و5٫1 مليار دولار من الصندوق الكويتى للتنمية خلال الـ 5 سنوات المقبلة، وهو ما دفع اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب إلى مطالبة الحكومة بكشف حساب ديون مصر وأوجه إنفاقها.

الحكومة من جانبها نشرت فى صحفها القومية مؤشرات على قرب تجاوز الأزمة الاقتصادية بإعلان البنك المركزى وهيئة الاستثمار انتهاء إجراءات تخصيص أراض لـ 319 مشروعاً جديداً تقام على مساحة إجمالية تقدر بـ 33 ألف فدان باستثمارات تتجاوز 9 مليارات جنيه، وذلك خلال الأشهر الثمانية الأخيرة من 2016 وأن أول أسبوع من 2017 شهدت تأسيس 251 شركة برؤوس أموال 299 مليون جنيه توفر 7028 فرصة عمل، وأن هيئة الاستثمار تروج حالياً لـ 1303 فرص استثمارية فى جميع القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية فى العديد من المحافظات.

نفس التعتيم وعدم كشف الحساب عن ديون مصر رغم مطالبات النواب بذلك لا يزال نهج وأسلوب حكومة إسماعيل، حكومة الاقتراض والاستيراد!

تلك السياسة الفاشلة والمدمرة لأى اقتصاد يعتمد عليها كأساس للإصلاح والتنمية والسالبة لحق القرار والمصير بل والسيادة.

فالدين مذلة بالليل وهم بالنهار بحسب وصف الدكتور رشاد عبده، الخبير المصرى، الذى طالب الحكومة بتشجيع الاستثمار لخلق سوق كبير للعملات الأجنبية والحث على العمل وزيادة الإنتاج والقضاء على الفساد والبيروقراطية والعمل بسياسة التحفيز وكذلك الثواب والعقاب، وكانت هناك ضرورة حتمية للاقتراض فتكون إلى جانب زيادة الإنتاج والحد من الاستيراد لصالح الصادرات واتباع نظام التجارة بالمقايضة لسد عجز الاحتياطى الأجنبى وتلبية احتياجات المواطنين والاستمرار فى سياسة ومكافحة الإرهاب وطرح الجنيه أمام العرض والطلب!

وهناك ضرورة أيضاً لتفعيل الاتفاقيات الدولية الاقتصادية والتى أبرمتها الحكومة مع دول مختلفة بدلاً من الاقتراض دون البحث عن بدائل وبتشجيع الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد للأمام بدلاً من العمل لصالح الاستيراد باتباع سياسات الاقتراض الواحدة تلو الأخرى، والنتيجة مزيد من تدنى الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين كنتيجة لكل اشتراطات والتزامات منح تلك القروض أو حتى كيفية سدادها، لذلك وبمجرد الموافقة على قرض صندوق البنك الدولى وما كان من قرار تعويم الجنيه كان الانفلات العام لكافة السلع والخدمات!، وهى ضريبة أى اقتراض ويزيد من حجم مشكلات مصر سوء إدارة تلك القروض، حيث اكتفت الحكومة السابقة بمجرد إعادة استهلال الديون القديمة بديون جديدة وبسعر فائدة أعلى.

Comments

عاجل