المحتوى الرئيسى

غسان خضر يكتب: أنا وأبي نبدو بنفس العُمر | ساسة بوست

01/19 10:36

منذ 1 دقيقة، 19 يناير,2017

تم تعييني مدرسًا للغة الإنجليزية في إحدى الإعداديات، وكعادة المدرس الذي يتم تعيينه حديثًا، دخلت إلى الفصل مع «الرنة» الأولى لجرس الدخول لكسب كل الوقت، وكعادة الطلاب يتأخرون قليلًا ولا يدخلون مع الوقت. وقفت على الباب بانتظار دخولهم وهم ينسابون إلى داخل الفصل، وأنا واقف أمام الباب أراقبهم وهم يطيلون النظر إلى شخص غريب يقف على باب فصلهم، وقد تغامزوا فيما بينهم عن الشخص الغريب، وبعضهم عرض عليّ  المساعدة علّي قد ضللت طريقي، وأحدهم بدأ يلاطفني، لكني عندما دخلت إلى الفصل فاجأتهم بأني مدرس اللغة الإنجليزية الجديد، تفاجأ البعض وأنكر البعض، فأنا كنت أبدو بعمرهم، ومظهري كان قريبًا جدًا من مظهرهم، لكني في ما بعد لم أجد صعوبة في أداء مهامي مدرسًا، فلم يكن تقارب أعمارنا الظاهري مشكلة في أن أكون مدرسًا ويكونوا هم طلابًا .

هذا التقارب قد يتخذ أشكالًا أخرى في باقي المجالات، فقد لا يكون تقاربًا له علاقة بالعمر، فمثلًا التقارب بين الجندي والضابط ليس كما كان سابقًا، فهما يتبادلون النكات، ويضحكون سويًا، ولا تكاد تجد فرقًا بينهم إن لم تركز في الرتبة العسكرية، هكذا حدثني أحد الأصدقاء، الذي يتمتع بعلاقة تصل إلى أعلى درجات «الميانة» مع ضابطه في الجيش.

سنحاول في هذه السطور القليلة أن نبحث عن الأسباب التي جعلت التقارب بين الأعمار والاهتمامات يأخذ هذا الشكل، لا نجزم أنه التفسير الأكثر ملاءمة، لكنها محاولة لفهم هذا التقارب .

لا أحد يستطيع أن يعترض على فكرة تقول إن جمهور ومتابعي مباريات كرة القدم، وخصوصًا الدوريات الأكثر شعبية مُتابعة من كل الأجيال، الشباب والصبية وحتى العجائز. الكم الكبير من القنوات التي تنقل كل المباريات، وترصد كل ما يتعلق بها وتحلل، تجعل لدى الناس مساحة للتعبير عن آرائهم هم أيضًا، فالمعلومات التي تضخ في القنوات تجعل كل فئات العمر لديها ما تشارك به مع غيرها، ناهيك عن الزخم البرامجي الذي يرصد كل تحركات اللاعبين ويتابع أخبارهم لحظة بلحظة، والأمر ينطبق على نجوم الغناء والتمثيل، وبالتالي تكون أحداث كهذه مُقرِبة للاهتمام بين الفئات العمرية، رئيسًا ومرؤوسًا، ما يقلل الفجوى العمرية بين الطرفين، ويجعلهم يبدون متقاربين جدًا مهما اختلفت أعمارهم أو مناصبهم.

النشاط الذي كنتَ تقوم به سابقًا كحضورك لمباراة فريقك المفضل في الملعب، أو زيارة قمة جبلية مرتفعة أو حضور مناسبة، نشاط كهذا كان سابقًا يذهب مع الريح، ولا يذكّرك به إلا صورة تذكارية داخل خزانتك، اليوم أصبح الوضع مختلفًا، فأنت تقوم بنشرها على حسابك في منصات التواصل الاجتماعي، وتجعلُ الناس يتفاعلون معها، وبطبيعة الحال فإن أستاذك إن كنت طالبًا، أو مديرك إن كنت موظفًا موجود في قائمة أصدقائك، وسيقوم بالتفاعل مع هذه الصور، هذا التفاعل يردم الفجوة الموجودة بينك وبينه، وتبدون وكأنكم متقاربو الأعمار والاهتمامات.

وسائل التواصل الاجتماعي روجت للصور الشخصية بطريقة ملفتة، فجعلت الناس صغارًا وكبارًا في سباق من أجل التقاط صورة كي تنشر وتحصل على أكبر قدر ممكن من «اللايكات»، والصور هذه روجت للموضة والتسابق على اقتناء الأحدث، ما جعل الناس تتسابق على الموضة، فلا تجد فرقًا كبيرًا بين بنطال الطالب والأستاذ، أو المدير وموظفيه، أيضًا ومرة أخرى، تقارب الأزياء يعني تقارب الاهتمامات وتقارب الأشكال.

‎لا نستطيع أن نقول إن رواد نوادي كمال الأجسام يقصدون هذه النوادي بحثًا عن العقل السليم، الذي لا يستقر إلا في الجسم السليم، فظاهر هذه الرياضة أنها تعطي القوة لمزاوليها، لكن السواد الأعظم من الشباب و«الختايرة» يبحثون في هذه الرياضة عن جسم رشيق، وقوام يضاهي صور الشباب في الإعلانات التجارية، التي تروج لها شبكات التواصل.

يركز الكاتب العراقي الاجتماعي علي الوردي على قضية يسميها هو «التدافعية»، ويقصد بها أن الناس في تدافع دائم من أجل المنافسة، والظهور بالمظهر الجميل أمام المجتمع. هذا التدافع وبسبب العولمة والانفتاح على العالم أسهم بمجموعة من المتغيرات في المجتمع، والتقارب هو واحد من هذه المغيرات، لذلك فإن هذا التقارب يعمل تغييرات داخل الأطر الاجتماعية وينقل المجتمع من طور إلى آخر، أي من طور الفرق بين الأجيال إلى تقاربها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل