المحتوى الرئيسى

حين تصبح مساعدات التنمية سلاحا لحل مشاكل الأمن والهجرة!

01/19 09:14

تطور جديد شهده ملف الجدل بين ألمانيا والبلدان المغاربية حول موضوع مساعدات التنمية والهجرة. وزير التنمية والتعاون الألماني غيرد مولر طرح اليوم الاربعاء 18 يناير (كانون الثاني) 2017 مشروع تعاون جديد مع القارة الإفريقية، وأطلق عليه"مشروع مارشال لتنمية إفريقيا"، ويهدف إلى مساعدة القارة السمراء على مواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. ويبدو المشروع كأسلوب وقائي لمكافحة الفقر والآفات التي تتسبب في الهجرة نحو أوروبا.

ويأتي المشروع الذي اقترحه الوزير مولر كتتويج لخطوات تقوم بها ألمانيا في السنوات القليلة الأخيرة باتجاه تقوية استثماراتها وصادراتها في القارة الإفريقية، بيد أن الظرفية الحالية تجعل الأضواء مركزة على جانب من هذا المشروع، ويتعلق الأمر تحديدا بفكرة إقامة سوق مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان شمال افريقيا، يشمل البلدان المغاربية ومصر. ويبدو طرح هذه الفكرة في الوقت الراهن بمثابة محاولة من حكومة المستشارة ميركل لإخراج العلاقات بين ألمانيا والبلدان المغاربية من فخ التجاذبات التي تخيم عليها منذ ظهور أزمة اللاجئين وملف التعاون الأمني ضد الإرهاب، والتي ازدادت حدتها بعد الاشتباه في التونسي أنيس العامري في تنفيذ إعتداء برلين يوم 19 ديسمبر كانون الأول الماضي.

نظرة خاصة بحالة البلدان المغاربية

العنصر المشترك بين "مشروع مارشال إفريقيا" و"السوق المشتركة" مع بلدان شمال افريقيا، هو ما أشار إليه الوزير مولر عندما أكد أن القارة السمراء تواجه تحديات في ضمان مصادر التغذية والطاقة ومناصب العمل للشباب، أما أوجه الاختلاف فتكمن بالأساس على المستوى السياسي والمؤسساتي. فعلى المستوى المؤسساتي تتركز العلاقات الألمانية مع بلدان جنوب الساحل والصحراء الإفريقية في الطابع الثنائي، بينما تأخذ العلاقات مع البلدان المغاربية طابعا أكثر تعقيدا بحكم وجود اتفاقيات شراكة موقعة بين هذه الدول والاتحاد الأوروبي من جهة، ووجود علاقات ثنائية مكثفة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا مع ألمانيا، من جهة ثانية.

أما على المستوى السياسي، فان علاقات ألمانيا مع البلدان المغاربية تكتسي منذ سنة على الأقل بعض الاضطرابات بسبب مسألتي الهجرة غير الشرعية والأمن. وقد تصاعدت حدة الجدل بين الجانبين الألماني والمغاربي حول مسائل ترحيل آلاف اللاجئين المغاربيين الذين ترفض طلبات لجوئهم ومسألة التعاون في مكافحة الارهاب، وذلك على خلفية حادثتي الإعتداءات الجنسية الجماعية في ليلة رأس السنة 2015/2016 التي اتهم شبان مهاجرون مغاربيون بارتكابها، والاعتداء الارهابي على سوق لعيد الميلاد في برلين في ديمسبر كانون أول الماضي، بالاضافة إلى ظهور أسماء متطرفين إسلاميين ينحدرون من بلدان مغاربية وينشطون لحساب شبكات إرهابية في ألمانيا وأوروبا بشكل عام.

احتقان في تونس وشعارات يرفعها متظاهرون في الشوارع ضد استقبال الارهابيين التونسيين من الخارج

ومن النادر في السياسة الخارجية الألمانية، أن تلجأ برلين للتلويح باستخدام عقوبات إقتصادية، لكن أصوات عديدة سياسية وإعلامية ارتفعت في ألمانيا مطالبة باتخاذ عقوبات اقتصادية ضد الدول المغاربية التي تحجم عن التعاون في ملفي الهجرة والأمن. فقد كانت برلين عرضت على البلدان المغاربية الثلاث: المغرب والجزائر وتونس، في فيبراير العام الماضي، ضمن جولة قام بها وزير الداخلية توماس دو ميزييرإلى المنطقة، اتفاقيات لتصنيفها كدول آمنة مقابل تحمل هذه الأخيرة مسؤولياتها بالكامل في استقبال مواطنيها الذين ترفض طلبات لجوئهم. كما قدمت ألمانيا في هذا السياق اقتراحات بتقوية المساعدات التنموية لهذه البلدان لمساعدة الشباب فيها على إيجاد فرص العمل وفتح آفاق للاستقرار في بلدانهم وعدم المجازفة بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

بيد أن التعاون في موضوع ترحيل اللاجئين شهد تعثرات من جديد رغم تعهد العواصم المغاربية - بدرجات متفاوتة بالتعاون-، كما أن وقوع إعتداءات إرهابية في ألمانيا وأوروبا، وتورط عناصر مغاربية فيها، أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وجعل حكومة المستشارة ميركل تحت وطأة ضغوط داخلية جديدة. ويرصد محللون من خلال الطريقة التي تداول بها الرأي العام في ألمانيا قضية ما يُعرف بـ "النافري" Nafris (وصف أطلقته شرطة كولونيا على شبان مغاربيين ذوي سوابق إجرامية)، مؤشرات على أن الجدل حول هذه القضايا قد يزداد حدة وتعقيدا في ظل الاستقطاب السياسي والإعلامي والمخاوف من استثمار اليمين الشعبوي لورقة الأمن والهجرة في الانتخابات المقبلة هذا العام.

عبارة Nafris اطلقتها شرطة كولونيا وسحبتها بعد جدل واسع

حجج المدافعين عن استخدام سلاح الضغط الاقتصادي

 ويستند دعاة فرض عقوبات اقتصادية على الدول "غير المتعاونة" إلى حجج منها، أن الأولوية يتعين أن تعطى لأمن المواطنين الألمان، ومن ثم وجب رفع وتيرة الضغوط على تلك الدول لحملها على القبول بمقتضيات التعاون لترحيل الأشخاص الذين يوجدون في وضعية غير قانونية وخصوصا الذين يشكلون خطرا على الأمن في ألمانيا، ويُنظر لحالة فشل ترحيل أنيس العامري بسبب عدم تعاون سلطات بلده تونس، كحالة"لا يمكن الدفاع عنها" كما يقول وزير العدل هايكو ماس.

ويتذمر معلقون كثيرون في وسائل الإعلام الألمانية من عدم جدوى المفاوضات الطويلة التي يخوضها وزير الداخلية توماس دو ميزيير مع العواصم المغاربية، ويعتقد ساسة ألمان، ضمنهم مسؤولين في حزب المستشارة ميركل، أن "التهديد بوقف المساعدات أو تقليصها يمكن أن يساعد في حل المشاكل" كما يقول شتيفان ماير المتحدث باسم الفريق النيابي للاتحاد المسيحي الديمقراطي.

وحتى بعض المسؤولين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في حكومة ميركل، يرون بأنه لا يمكن تحمل وضع تبدو فيه "ألمانيا وكأنها تتسول مساعدة دول معينة" من أجل حماية أمنها، وهو ما عبر عنه صراحة وزير العدل هايكو ماس، واشار إليه نائب المستشارة وزير الاقتصاد زيغمار غابرييل زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حينما قال"ليس هنالك مساعدات بدون مقابل".

بيد أن بعض الخبراء يعتقدون أن استخدام الضغوط الاقتصادية وإن كانت وسيلة مشروعة في العلاقات بين الدول الا أنها قد لا تكون ناجعة، خصوصا اذا حادت عن الهدف المقصود منها، ولذلك فان المطلوب، برأي دير ماسنار مدير المعهد الألماني لسياسات التنمية، أن تكون العقوبات موجهة ضد الحكومات.

الرئيس الباجي قايد السبسي أكد ان تونس ستفي بالتزاماتها مع ألمانيا

معارضو فكرة استخدام المساعدات التنموية كسلاح للضغط أو العقوبات ضد الدول التي لا تتعاون في مسألتي الهجرة والأمن، ينطلقون في حججهم من سؤال جوهري: من هو المقصود بالمساعدات التنموية؟ أليست الشعوب أو تحديدا مناطق فقيرة توجه إليها المساعدات لفتح آفاق وفرص لشبابها كي يستقروا في بلدهم بدل المجازفة وركوب رحلات الموت عبر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا.

ففي تونس والمغرب تقدم ألمانيا مساعدات تنموية لمناطق فقيرة، وهي مناطق ترتفع فيها معدلات الفقر في صفوف الشباب وخصوصا خريجي الجامعات إلى أكثر من 30 في المائة. كما تستفيد قطاعات اجتماعية مثل النساء والحرفيين وأصحاب المهن البسيطة والمتوسطة من برامج مساعدات وتكوين تقدمها ألمانيا ضمن مساعاتها التنموية التي تشمل أيضا قطاعات الطاقة والبيئة. وفي حال وقف المساعدات أو تقليصها، فمن المرجح أن تكون النتائج عكسية، اذ لن تؤدي سوى إلى مزيد من تفاقم المشاكل الاجتماعية، فبالنسبة لتونس، مثلا التي تعيش أزمة إقتصادية، وتوجد بجوار ليبيا المضطربة، ستزداد العراقيل أمام ديمقراطيتها الناشئة التي استثمرت ألمانيا طيلة السنوات الست الماضية الكثير من أجل مساعدتها على شق طريقها نحو الاستقرار.

وقد اُستقبلت تصريحات الرئيس الباجي قايد السبسي التي أكد فيها أن تونس ستوفي التزاماتها وتعهداتها مع شركائها الأوروبيين وخصوصا ألمانيا" بارتياح ملحوظ في برلين خصوصا في أوساط المدافعين عن فكرة الاستمرار في مساعدة الدول المغاربية.

طرح تورط تونسي في هجوم برلين الإرهابي النقاش مجددا حول أسباب تباطؤ ترحيل مهاجرين مغاربيين إلى بلدانهم بعد رفض طلبات لجوئهم، فلماذا توجه اتهامات للدول المغاربية بالتلكؤ في استقبال مهاجريها؟ (23.12.2016)

حادث الإعتداء الإرهابي في برلين ومنفذه المشتبه به الشاب التونسي أنيس العامري، يثيران أسئلة حرجة لدى الصحفي منصف السليمي، باعتباره تونسيا يقيم بألمانيا. وتبدأ تلك الأسئلة بـ: ألم يحن الآوان كي يكنس كل منا أمام باب بيته؟! (23.12.2016)

أما الجزائر التي لا تعتمد كثيرا على مساعدات تنموية من ألمانيا، فان الحديث بشأن ضغوط إقتصادية عليها قد لا يكون ذا مغزى أصلا. وحتى المغرب الذي يعتمد مثله مثل تونس على المساعدات الألمانية، فان تشجيعه على التعاون قد يكون أكثر فعالية، خصوصا أنه يشكل حجر زاوية في الاستقرار جنوب المتوسط وبغرب أفريقيا، ويبدو التعاون معه في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب مفيدا للدول الأوروبية، كما أنه يلعب حاليا دور حصن غربي للقارة العجوز في مواجهة الهجرة غير الشرعية.

ويقف في صدارة المدافعين عن هذه الفكرة، وزير التنمية الاتحاد غيرد مولر، الذي ينتمي للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الشقيق لحزب المستشارة ميركل، وهو يرى أن وقف أو تقليص المساعدات لن يؤدي سوى إلى تعقيد المشاكل وخلق بؤر عدم استقرار جديدة في دول مجاورة للاتحاد الأوروبي. ويؤيده زميله وزير المالية فولفغانغ شويبله، الذي يؤكد أن "التعاون أمر لا يمكن فرضه" بل يأتي نتيجة التزام متبادل، وبأن شطب المساعدات لن يجلب حلا للمشاكل. كما يرى مسؤولو وزارة الخارجية التي يقودها الاشتراكي الديمقراكي، فرانك فالتر شتاينماير، بأن هذه المسألة "أكثر تعقيدا مما يُتصور" وأن حلها لا يمكن أن يتحقق بمجرد شطب أو تقليص مساعدات تنمية.

ومن هنا يدافع ساسة ألمان ومسؤولو منظمات إنسانية وكنسية عن سياسة "أكثر إنسانية" تجاه القارة الافريقية برمتها، وضمنها دول شمال افريقيا، سياسة تهدف إلى مساعدة تلك البلدان على التحكم في الهجرة غير الشرعية وأمواج اللاجئين التي يتدفق منها سنويا عشرات الآلاف على القارة الأوروبية. وتبدو فكرة إقامة مراكز استقبال للاجئين في دول مثل تونس ومصر، خطة مغرية لعدد من المسؤولين الألمان، ولذلك فان تأكيد الوزير غيرد مولر على فكرة إقامة سوق مشتركة مع بلدان شمال افريقيا، بما فيها مصر، نابعة من الاهتمام بإدماج مصر في إطار تعاون متعدد الأطراف مع الدول التي تشكل حزاما أمنيا للجنوب الأوروبي.

يقوم المشرفون على مشروع "حصاد الضباب" باعتراض الضباب في قمم الجبال جنوب المغرب لاستخراج المياه وتجمعيها وجعلها صالحة للشرب. وبفضل هذا المشروع تم تزويد حوالي 400 شخص بالماء الصالح للشرب بإحدى القرى الواقعة جنوب المغرب.

تشتغل جمعية "دار سي حماد" على هذا المشروع في منطقة سيدي افني بجنوب المغرب منذ أكثر من عشر سنوات بشراكة مع "مؤسسة ميونخ ري " الألمانية. وبفضل مشروعها الرائد هذا، حصلت الجمعية على جائزة تشجيعية من الأمم المتحدة على هامش قمة المناخ بالمغرب.

مشروع حصاد الضباب أنقذ السكان من معاناة نقص المياه وساهم في استقرارهم وتوقف الهجرة إلى القرى والمدن المجاورة. وخفف عن النساء والأطفال عبء إحضار الماء من مناطق بعيدة.

محمد سوسان سعيد بربط قريته بشبكات مياه الشرب، وهو ما سمح له بالاستفادة من حماره في الحرث بدلا من استخدامه طول الوقت في جلب المياه من منحدرات الجبل وفي الآبار البعيدة عن قريته .

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل