المحتوى الرئيسى

حسن إلهامي يكتب: الاتهامات تلاحق التانجو الرئاسي الأرجنتيني | ساسة بوست

01/18 16:59

منذ 1 دقيقة، 18 يناير,2017

الرئيس الراحل نيستور وزوجته الرئيس السابق كريستينا

شهد عام 2016 ثلاثة أحداث سلبية تتعلق بالمرأة على قمة المسرح السياسي، وهي إقالة رئيس البرازيل ديلما روسيف «2011 – 2016» وتجميد منصب رئيس كوريا الجنوبية بارك جوين هاي «2013 – 2016»، واتهامات تطال رئيس الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر «2007 – 2015»، ويجمع بين ثلاثتهن حصولهن على لقب «أول امرأة منتخبة في بلادهن»، ومؤخرًا أصبح يجمع بينهن «اتهامات» تتعلق بالفساد، والتلاعب المالي والسياسي.

كما يصادف أن ثلاثتهن قد تلقين دعمًا وتأييدًا ذكوريًّا سياسيًّا أو عائليًّا؛ فقد كان يدعم روسيف الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دي سيلفا «2003 – 2011»، أما بارك فقد كانت تمتلك رصيدًا تاريخيًّا وسياسيًّا عن والدها الرئيس الأسبق بارك تشونج هي «1962 – 1979»، بينما كريستينا فقد كانت زوجة الرئيس الأسبق نيستور كيرشنر«2003 – 2007» وينظر في الأرجنتين إلى نيستور وكريستينا باعتبارهما زوجين على غرار الرئيس الأرجنتيني الأسبق بيرون وزوجته إيفا والرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون وزوجته هيلاري، وهذه النماذج تطرح ما يعرف عن رقصة «التانجو» الأرجنتينية الشهيرة التي لا يمكن أن تجري بنجاح دون شريك «It takes two to dance tango».

كريستينا هي أول سيدة تنتخب في منصب الرئيس بالأرجنتين، وأول سيدة يعاد انتخابها، وثاني سيدة تتولى منصب الرئيس في الأرجنتين بعد إيزابيل بيرون «1974 – 1976»، التي كانت تشغل منصب النائب، وبوفاة بيرون تولت الرئاسة لتكمل مدته الدستورية، أيضًا كريستينا هي ثالث من تولى أطول مدة رئاسة في الأرجنتين بعد الرئيسين خوان بيرون، وكارلوس منعم.

أما زوجها نيستور فمن مواليد عام 1950 في مدينة ريو جالجيوس بمقاطعة سانت كروز، انتقل ليدرس القانون في جامعة لابلاتا بمقاطعة بيونيس أيرس، بينما كريستينا من مواليد عام 1953 في مدينة لابلاتا والتحقت بالجامعة نفسها لدراسة علم النفس، لكنها اتجهت إلى دراسة القانون، والتقت نيستور عام 1973 الذي قدمها إلى المحافل السياسية التي كانت تموج آنذاك بأفكار البيرونية في أعقاب عودة الرئيس خوان بيرون بعد 18 عامًا مقيمًا في إسبانيا.

تزوجت كريستينا من نيستور عام 1975، ثم انتقلت ونيستور إلى مسقط رأسه بمدينة ريو جالجيوس، وذلك بعد تخرجه، إلا أنها لم تكن قد تخرجت بعد، ولذا تردد أنها لم تحصل على شهادة جامعية إطلاقـًا، وذلك ما نفته أحكام قضائية بشأن ادعاءات ضدها، وقد عملت بالمحاماة بمكتب نيستور الذي افتتحه عام 1979وتمت إجازتها من المحكمة العليا للمقاطعة في عام 1980، وعملت محامية لحزب العدالتية عام 1983، تخصص مكتب محاماة نيستور في قضايا قروض الرهن العقاري بالبنوك والمجموعات المالية مما مكن نيستور وكريستينا من الدخول طرفـًا في تسويات قانونية والفوز بملكية نحو إحدى وعشرين قطعة أرض بأسعار رخيصة تفاديًا من الطرح في مزادات.

أصبح نيستور عمدة مدينة ريو جالجيوس «1987 – 1991» بينما انتخبت كريستينا في عام 1989 نائبًا تشريعيًا لمقاطعة سانت كروز، وفي عام 1990 أصبحت حاكمًا مؤقتًا لمقاطعة سانت كروز، وذلك في أعقاب عودة حزب العدالتية إلى الحكم بقيادة الرئيس كارلوس منعم «1989 – 1999»، وقادت كريستينا حملة انتخاب نيستور حاكمًا لمقاطعة سانت كروز«1991 – 2003»، وفي عام 1994 انتخبت عضوًا في الجمعية التأسيسية لتعديل الدستور، وفي عام 1995 انتخبت عضوًا في الكونجرس، وكانت بمثابة معارضة مثيرة للجدل أمام مشاريع القوانين المقترحة من كارلوس منعم، وعندما طرح استجواب لوزير الدفاع أوسكار كامليون في عام 1997 حول فضيحة تهريب أسلحة وذخائر بحجم 6500 طن إلى كرواتيا والأكوادور «1991 – 1995»؛ طالبت باستقالة الوزير ومن ثم تم استبعادها من كتلة حزب العدالتية بالكونجرس.

قدمت استقالتها من الكونجرس الا أنها عادت وترشحت عام 2001 وعادت لعضوية الكونجرس، وفي عام 2003 انتخب نيستور رئيسًا للأرجنتين «2003 – 2007» خلفـًا للرئيس المعين إدواردو دوهالدي «2002 – 2003» ولتصبح كريستينا السيدة الأولى في الأرجنتين إضافة إلى عضويتها بالكونجرس، وفي عام 2005 أدى خلاف سياسي بين الرئيسين نيستور وإدواردو إلى قيام كلاهما بترشيح زوجته في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وفازت كريستينا.

وحين قاربت نهاية فترة رئاسة نيستور، أعلن قراره بعدم رغبته في الترشح مجددًا وقدم كريستينا مرشحًا رئاسيًا بديلاً في انتخابات عام 2007 والتي فازت بها بما يتجاوز 45% من الأصوات، وقد تردد أن الزوجين نيستور وكريستينا قد اتفقا على تبادل الأدوار لتجاوز الشرط الدستوري بألا تتجاوز فترة الرئاسة دورتين متتاليتين، وكان متوقعًا أن يتقدم نيستور ما بعد فترة كريستينا للترشح مرة أخرى، لكن الأقدار قالت كلمتها حيث توفي نيستور بأزمة قلبية في عام 2010. وكانت كريستينا قد بدأت فترة رئاستها الأولى بتشكيل وزاري من اثني عشر وزيرًا بينهم سبعة كانوا وزراء في حكومة نيستور الذي ظل مشرفـًا على قطاعات الاقتصاد وزعيمًا لحزب العدالتية، مما رسخ ما أطلق عليه المرحلة الكيرشنرية على فترات رئاسة نيستور وكريستينا «2003 – 2015».

أدت وفاة نيستور المباغته إلى ترشح كريستينا دورة رئاسية تالية، لكنها أصبحت دون الزوج والشريك الذي يراقصها التانجو، وارتدت السواد ثلاث سنوات حدادًا، لكن يبدو أنها فقدت التوازن ولم تستطع الاستمرار كما كانت، إلا أن حيوية التانجو كانت بمثابة قوة دفع للاستمرار في الرقص بنجاح، لكن بمرور الوقت كانت الكوارث تلاحقها حتى خرجت من حلبة الرقص مهيضة الجناحين ومريضة وتلاحقها الاتهامات وسكاكين الأصدقاء والأعداء على السواء.

واكب ترشحها اتهامات فيما يتعلق بتمويل حملتها الانتخابية؛ حيث تردد تلقيها مساعدات أجنبية وأخرى من كارتل لتهريب العقاقير المخدرة، اختارت وزير الاقتصاد أمادو بودو نائبًا لها في اختيار مفاجئ لرجل الروك وعازف الأورج، وأعيد انتخاب كريستينا بنسبة 54٪ من الأصوات وهي أعلى نسبة ينالها رئيس أرجنتيني منذ نهاية الحكم العسكري عام 1983. لكن بينما كان أمادو ساعدًا مهمًا في حملة الانتخابات التي كللت بالنجاح، وتولى الرئاسة مؤقتًا خلال الفترات التي خضعت فيها كريستينا لعمليات جراحية بعدما أصيبت بسرطان الغدة الدرقية بعد وفاة نيستور؛ حيث أعلن عن إصابتها رسميًا في أكتوبر 2011 ، إلا أن أمادو كان أحد السكاكين التي قوضت فترة رئاستها بعدما اتهمته زوجته بضلوعه في قضية رشوة كبرى من شركة طباعة أوراق البنكنوت «البيزو»، وتوالت الاتهامات على النائب.

واجهت كريستينا خلال فترة الرئاسة 2011 – 2015 كثيرًا من الكوارث الطبيعية والسياسية، ربما كان من أكثرها إثارة للاحتجاجات هو حادثة قطار بيونيس أيرس الذي وقع في فبراير عام 2012 وأدى إلى وفاة 51 شخصًا وإصابة 703 شخص آخرين، وبينما هي تعاني من تدهور الأوضاع وتآكل الشعبية اقترح مؤيدوها في سبتمبر 2012 تعديل الدستور بما يسمح بإعادة انتخابها لفترة ثالثة، مما جلب عليها احتجاجات أخرى واسعة بدأت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وفي نوفمبر 2012  إزاء التضخم وتفشي الفساد اندلعت مظاهرات مناهضة لسياستها، ثم جاء أبريل عام 2013 لتتعرض بيونس أيرس لأمطار غزيرة لتؤدي إلى وفاة 101 شخص مما عرض كرستينا لانتقادات من ماوريسيو ماكري حاكم بيونيس أيرس الذي أصبح فيما بعد الرئيس اللاحق.

وفي عام 2013، تعرضت كريستينا إلى هجوم إعلامي غير مسبوق، حيث تحدث برنامج «صحافة المواطن» على قناة تريسا «13» عن الفساد السياسي والمالي لإدارتي نيستور وكريستينا، ورفعت القناة شعار «طريق نيستور وكريستينا إلى المال» وتركزت الاتهامات حول علاقة الصداقة التي كانت تربط ما بين نيستور ورجل الأعمال لازارو بايز مما ساعده في الحصول على تعاقدات ومقاولات بإنشاء 52 مشروعًا في سانت كروز وبتكلفة تزيد عن 15% من الأسعار السوقية، أدى ذلك إلى ظهور تيار معارض في 18 أبريل 2014 أطلق عليه «18A» ضم نحو مليوني مواطن الذين نزلوا إلى الشارع في مظاهرات واسعة.

كانت كريستينا زعيمًا شعبيًا اكتسبت شعبية كبيرة بقرارتها التي كانت لصالح لفقراء، وأيضًا بجاذبية حماسها وطريقة تبريرها وتفسيرها للإخفاقات بالتآمر عليها، بل إنها يومًا ادعت أن الولايات المتحدة تحاول قتلها! وعندما خرجت من الحكم لم يكن ذلك سهلاً عليها بالرغم من تكاثر الأعداء من المنافسين وكذلك من الذين صنعتهم، ومن بينهم السلطة القضائية التي حاولت السيطرة عليها بمشروعات قوانين لم تلق ترحيبًا، وكان أحد أبرز المعارضين لها هو مرشح الرئاسة خلفـًا لها ماوريسيو ماكري والذي كان حاكمًا لمقاطعة بيونيس أيرس، وقد فاز في الانتخابات الرئاسية أمام المنافس الذي رشحته كريستينا، لكنها أبت أن تحضر حفل مراسم تسليم وتسلم السلطة، بل إن بعض معاونيها رفضوا الخروج من مكاتبهم، كما ادعى الرئيس ماكري أن كريستينا قد تعمدت تبديد ميزانية عام 2016 في نفقات أولى بها قطاعات أخرى وليس كرة القدم!

ويبدو أن العداءات التي صنعتها كانت تترقب لحظة انتهاء فترة ولايتها؛ فطالتها اتهامات في قضايا قديمة كانت قد أسدل الستار عليها أو كاد، ومنها قضية تفجير مبنى جمعية التضامن اليهودي الأرجنتيني التي عرفت باسم قضية «آميا» التي وقعت في 18 يوليو 1994 في عهد الرئيس كارلوس منعم «1989 – 1999» وأسفرت عن مقتل 86 شخصًا وإصابة 300 شخص آخرين، وفي 25 أكتوبر 2006، حيث قام المدعي العام البرتو نيسمان وهو محامي يهودي قام بتكليفه بالقضية الرئيس السابق نيستور باتهام إيران وحزب الله بأنهما وراء الحادث، بل أضاف اتهامًا لكريستينا وعدد من معاونيها بالتستر على إيران في مقابل إتمام صفقات تجارية بين البلدين، وقبل أن يتقدم نيسمان رسميًا بتلك الاتهامات اكتشفت جثته قتيلاً أو منتحرًا في 18 يناير 2015 وذلك في ظروف غامضة، وعقب أسبوع واحد من العثور على جثة نيسمان، ظهرت كريستينا على شاشة التلفزيون لتعلن تفكيك وكالة المخابرات الوطنية، كما أعربت عن تعازيها لأسرة نيسمان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل