المحتوى الرئيسى

فلنستفيد من تجربة الصين فى التصدى لفسادنا المستشرى

01/17 21:12

لنا فيما تفعله الصين أمام أعيننا عظة يجب أن نتعلم منها إن أردنا لهذا الوطن أن يتقدم. فلا يغيب عن أحد أن القيادة الصينية الحالية بدأت منذ توليها الحكم أواخر 2012 حملة شعواء ضد الفساد تزداد ضراوة يوما بعد يوم، ولا أدل على جديتها مما أعلن هذا الأسبوع عن معاقبة 415 ألف شخص خلال عام 2016 المنصرم لانتهاك قواعد السلوك، من بينهم 2.800 على مستوى وزارى أو أعلى ومديرو هيئات عامة و332 ألفا من مسئولى المقاطعات أو مسئولون بالشركات التابعة للدولة، ليزيد عدد المعاقبين على مليون فى السنوات الثلاث الأخيرة بما فيهم وزراء كبار أو مسئولون بالحزب والحكومة على مختلف المستويات أو قيادات من الجيش أو قطاعات الاقتصاد والاعلام.

وقامت الأجهزة المختصة فى 2016 بالتحقيق فى 734 ألفا من بين 2.54 مليون قضية أو بلاغ بارتكاب وقائع فساد أو انتهاك للقواعد، ليصل إجماليها فى أربعة أعوام 1.16 مليون قضية عوقب فيها 1.2 مليون شخص. كما مثل أمام المحاكم العام الماضى 43 من المسئولين فوق المستوى الوزارى، بعد أن كان العدد 18 فى العام السابق و6 فى 2014.

وهذا بخلاف محاسبة أكثر من 6.200 عضو بالحزب لارتكابهم سلوكا غير مرضٍ فى محل أعمالهم العام الماضى وحده، فى نطاق الحملة الموازية والمستهدفة للقضاء على أنماط العمل غير المرغوبة بما فيها الشكلية والبيروقراطية والبذخ والتبذير، ويندرج تحتها التقصير والإهمال وعدم الأداء الجيد للخدمة العامة التى يستحقها المواطن.

وتراوحت العقوبات ضد المرتكبين لجرائم استغلال الوظيفة والكسب غير المشروع والرشوة بين أحكام بالإعدام والسجن مدى الحياة والحرمان من الحقوق السياسية ومصادرة الثروة، بينما تضمنت عقوبة المخالفات الأقل الطرد من الحزب وتخفيض درجة المنصب أو التنحية منه، ونشر الأسماء علنا فيما يسمى «قوائم العار». فضلا عن إقالة أعداد غفيرة من وظائف بالشركات جمعوا بينها وبين مناصبهم الحكومية وكذا من كبار ضباط الجيش والأمن.

كما تمكنت الحكومة العام الفائت من القبض على 409 من المتهمين باستغلال النفوذ والرشوة الهاربين للخارج، بعد أن استعادت باتفاقيات مع دول أخرى 566.2 هارب منذ 2014 بأصول قيمتها 3.1 مليار دولار، واستردت أموالا غير مشروعة مهربة.

وأشركت الدولة الشعب فى تنفيذ الحملة بنشاء مواقع على الإنترنت لتلقى شكاوى المواطنين البالغ عددها سنويا ما يقارب 3 ملايين، وعززت النيابة العامة دورها فى جمع الأدلة وشمول المبلغين والشهود بالحماية.

ولمزيد من إحكام الحرب على الفساد، ترأس الرئيس الصينى شى جين بينج اجتماعات للجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعى ــ وهى أكبر جهاز لمكافحة الفساد ــ لثلاثة أيام انتهت الأحد الماضى، حيث أوضح أنه رغم تحقيق الحملة لقوة دفع ساحقة فى السنوات الأربع، لكنه ينبغى تفعيل الحوكمة الصارمة داخل الحزب، وإصلاح أنظمة الرقابة الرسمية وتصعيد إجراءات مكافحة الفساد على جميع المستويات، مع تطبيق التشريعات الـ 12 الصادرة مؤخرا لمحاربته، وقبول الإشراف الاجتماعى على الحملة. وأبرز الرئيس ضرورة استمرار الحملة المرادفة الخاصة بالاقتصاد فى الانفاق ومنع التبذير وتحسين نمط عمل المسئولين، مؤكدا أن «كل الشعب سواسية أمام القانون والتشريعات، وتنفيذ هذه القواعد لا يسمح بأية مميزات أو استثناءات».

وفى ختام الاجتماعات أصدرت اللجنة بيانا تعهدت فيه بمواصلة المكافحة العارمة للفساد والحوكمة الصارمة للحزب وتعزيز الرقابة على المسئولين من جانب الحزب والمجتمع، وحثت على اتخاذ إجراءات أشد فى اختيارهم وترقيتهم، لضمان الاعتماد على مسئولين نظيفين فى الحكومة المركزية والحكومات المحلية بالمقاطعات، وكذلك بين صفوف المختصين بلجان فحص الانضباط ــ التى تضم 500 ألف محقق ــ لعدم إساءة استغلال أعضاؤها لنفوذهم، واستحداث إجراء تسجيلات صوتية ومصورة للتحقيقات لضمان نزاهتها.

ووعد البيان بتأسيس لجنة وطنية للرقابة ولجان رقابة محلية على مستويات المقاطعة والبلدية والمحافظة من أجل خلق نظام رقابة متكامل موحد وفعال، يجمع بين مهام عمل سلطات الرقابة الحالية ووكالات مكافحة الفساد وإدارات التعامل مع قضايا الرشوة وجرائم العمل أو التقصير فيه، وذلك بالتوازى مع استمرار اضطلاع لجنة فحص الانضباط القوية التابعة للحزب بمهامها فى رصد حالات الاشتباه فى الفساد والتحقيق فيها وإحالة المشتبه فى ارتكابه لجرائم للنيابة العامة، أو توقيع جزاءات تأديبية للمخالفات الأقل.

ويأتى هذا فى أعقاب إصدار مزيد من القوانين المستهدفة كبح تلك الجرائم والمخالفات، ومن بينها ما اتصل مؤخرا بتحديد دقيق لامتيازات المسئولين حتى أعلى القمة، والتزام قادة الحزب والحكومة بمسلك متواضع وعدم التمتع بمميزات تتجاوز المعايير المحددة وغير ذلك من القيود، فضلا عما يضمن أيضا التزام الموظفين بأداء واجباتهم فى خدمة الجماهير بتفانٍ.

واذا كانت الصين ذات الـ 300.1 مليون نسمة والرقعة الشاسعة والموارد غير المحدودة ــ التى حققت معجزة النهضة المتسارعة وأصبحت ثانى اقتصاد فى العالم وتواصل الزحف نحو الأول لتبلغه فى عقود قادمة معدودة ـ أدركت أنها لا يمكنها أن تحمى تقدمها وتدفعه للأمام إلا إذا طهرت صفوفها من الفساد ومن التقاعس فى تقديم الخدمات العامة، فالأجدر بنا ونحن نتطلع فى مصر لإنقاذ اقتصادنا المتأزم واللحاق بركب من سبقونا، أن نتحرك بسرعة وحسم وجدية مطلقة لمواجهة الفساد متأصل الجذور، الذى لا يبدد مواردنا المحدودة ويعرقل إقبال الاستثمار الأجنبى فحسب، وإنما يكرس حرمان الطبقات الكادحة من ثمار استغلالها وتوسيع فجوة الثروة وانعدام العدالة الاجتماعية وما يقود إليه من فقدان للأمل ودفع للتطرف، فضلا عن إشاعة سلوكيات متدنية فى مجتمعنا وتنشئة أجيال جديدة على قيم قبيحة ومبادئ متدهورة، فى حين كنا نتباهى فى السابق بالأخلاقيات الحميدة لشعبنا العظيم.

ولن يتأتى لنا إصلاح حالنا إلا إذا تعلمنا من الصين واستفدنا من تجربتها للتصدى ليس فقط لجرائم استغلال النفوذ والرشوة والاختلاس وإهدار المال العام والإثراء غير المشروع، وإنما أيضا التبذير والبيروقراطية والإهمال فى العمل والتقصير فى حقوق المواطنين ومصالحهم الشخصية.

إن جسامة المشكلة التى تواجهنا تتطلب أن تبادر قيادتنا للمسارعة بإطلاق حملة قومية مركزة وشاملة لمحاربة الفساد بجميع صوره والسلوكيات الضارة للموظفين العامين، وتعكف على تنظيم مسيرتها وتقنينها بالتشريعات اللازمة ومتابعة أوجه النجاح والفشل فى تنفيذها دوريا، مع ايفاد فرق فى البداية لدراسة التجربة الصينية ورصد خطواتها عن كثب والأخذ بما يصلح منها لأوضاعنا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل