المحتوى الرئيسى

محمد محسن يكتب: الحب الأول | ساسة بوست

01/17 19:16

منذ 12 دقيقة، 17 يناير,2017

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى          ما الحب إلا للحبيب الأول

هكذا وصف أبو تمام الحب الأول الذي لا يمحي من الذاكرة أبدًا، و لابد أن تختلج المشاعر كلما هبت نسماته على القلب مهما اتضح لا معقولية هذا الحب، و مهما تجلى إجرام أهل الحبيب، ومهما ظهر فسادهم وديكتاتوريتهم وفاشيتهم.

من ينسى أول حبيبة ذات الثمانية عشر يومًا من أجمل أيام مصر الحديثة

إنها ثورة 25 يناير التي باتت بفكرها وزخمها حلمًا أسطوريًا هو الأجمل في تاريخ المصريين، حينما ذابت الخلافات الإيديولوجية شكليًا في وعاء واحد – ميدان ضخم- ضم ثمرة فؤاد مصر من أفكار من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، انصهروا معًا تحت تأثير نيران الظلم والقهر والاستبداد، ليكونوا سبيكة لا تنكسر ولا تصدأ أبدًا.

فكان لزامًا على من يريد تطويعها أن يفصل عناصرها بعضها عن بعض.

لم يكن يدري شهداء 25 يناير وهم يتزاحمون نحو الموت بسعادة أن في يوم من الأيام سيدخل رفقاء الميدان في عداء لا خلاص منه ولا فكاك.

كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا وثلاث دقائق حين بدأ الهتاف يعلو في ميدان الفردوس بالإسماعيلية، قلة لا يتعدى عددهم ثلاثين فردًا صوتهم بالكاد يعلو فوق صوت الباعة في سوق الجمعة المقابل، لحظات قليلة كانت كافية لتجمع الشرطة المتأهبة في الميدان لتحيطهم بكاردون مزدوج من عساكر الأمن المركزي ليضفوا على المشهد زخمًا أكبر من عدد الحضور بمراحل، مما دفع المارة إلى الوقوف ليشاهدوا في ترقب منتظرين أن يروا كيف تكون ردة فعل الشرطة  ليقرروا أن يشاركوا أو يولي كل واحد منهم دبره.

وما إن انكسر الحاجز البشري حتى أصبح الثلاثون ثلاثمائة أو قل ثلاثة آلاف فرد من المتفرجين الذين استثارهم الهتاف واطمئنوا لتعامل الشرطة منبئين عن تغيير شامل في تاريخ مصر  وشعبها ومبشرين بميلاد المحبوبة 25 يناير.

كانت أسباب الثورة حاضرة وبقوة منذ سنين طويلة، أكبر من عمر حكم مبارك، بل أكبر من عمر الحكم العسكري كله، فجاءت ملتهبة حالمة وصنعت حالة من حالات التلاحم البشري لم يرها هذا الجيل وكأنهم أصبحوا جسدًا واحدًا، فلا فارق لدى أحدهم أن تصيبه الرصاصة أو تصيب صاحبه فدماء الجميع تجري في شريان واحد يربطهم بقلب واحد هو الميدان، بل إن بعضهم كان يفتدي الآخرين بنفسه؛ فكم سمعنا عبارة «ارجع أنت يا أستاذ ورا وسيب لنا إحنا ال…… دول إحنا نعرف نتعامل معاهم»، فكم رأينا أبطالاً في عمر الزهور وهم يندفعون تحت زخات الرصاص ليحملوا جريحًا أو شهيدًا لا تربطهم به أي علاقة أو معرفة سابقة وهم يعرضون حياتهم للخطر نفسه.

كانت حالة 25 يناير تتطور بسرعة مذهلة، فبعد ساعات قليلة من «عيش – حرية – عدالة اجتماعية» صارت «الشعب يريد إسقاط النظام»، وأصبح الغاز والرصاص مهرًا بسيطـًا غير ملائم للمحبوبة وإن لم نكن نملك غيره.

حتى انكسرت شوكة الغريم ورأيناه يعلن رسميًا استسلامه رغم أنف كل البلطجية الذين يدعمونه ويقفون بجواره، ولكن كما أن لكل بداية نهاية، وكما أن الحب الأول لا يمكن أن يتمنطق يومًا فالمشاعر وحدها لا تكفي والخبز قبل الحب أحيانـًا، والعند يقتل ألف عشق إن تمكن من نفوس المحبين.

رأينا عمارة الزيادي كيف تآمر على عبلة ابنة عمه لأنها اختارت عنترة من دونه، فلعن عنترة ولعن حجابها التي ارتضته وقرر تسليمها جارية لأعداء القبيلة غير آبه لصلة رحم أو لدماء شهداء لم تجف بعد.

أصبح أغلب أبطال 25 يناير مسوخًا تشبه في الشكل فقط من حضروا يوم 25 يناير لكنهم من داخلهم لا يرون إلا أنفسهم أحق بها دون غيرهم.

هاشتاج اختارت صاحبته غادة نجيب أن تزيح الستار عن رزايا هذا الجسد الثوري عندما ظهرت أدرانه وقاذوراته، بدأت تحكي كيف كانت تعلم بتواطؤ الثوار مع الداخلية في إجهاض أول تجربة وليدة للديمقراطية في مصر، ورغم أنها لم تمتلك الشجاعة الكافية مثل أحمد ماهر لتصرح مثله «نعم كنت أعلم» لكنها أشارت على أعين المجرمين أنفسهم فبدأت بمنشور يحكي عن الأحداث قبل فض رابعة

ثم تلتها بثانية تفضح فيها أهم أباطرة النخاسة في مصر

ثم ثالثة تحكي كيف تمت المؤامرة على أعينهم وهم راضون

ثم رابعة  تذكر بالأسماء من دفعوا ثمن ترويض الثورة  واسترقاقها

ثم خامسة تروي تفاصيل ذبح الإخوان وتجريمهم في الوقت نفسه

ثم سادسة  تظهر ندم بعضهم

ثم توالت الاعترافات التطوعية التي تحمل من الفخر بالبذائة ما لا تحمله من الندم

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل