المحتوى الرئيسى

محمد علاء الدين يكتب: الرمز والقناع (1) | الفيومية

01/17 17:16

الرئيسيه » رأي » محمد علاء الدين يكتب: الرمز والقناع (1)

كان اليونانيون يرتدون الأقنعة في العروض المسرحية لكي تعبر عن الشخصيات التي يؤدونها، وكأن وجوههم غير قادرة على ذلك مع أننا – بني البشر – كما رأى عالم النفس السويسرى “كارل جوستاف يونج” فيما بعد نرتدي أقنعة عدة تتفق وبشكل قوي مع كل الأدوار الاجتماعية التي نلعبها، وبغض النظر عن إتفاقنا أو اختلافنا مع هذا إلا أن الحقيقة الواضحة والجلية أن وجوهنا قادرة على أن تصبح أقنعة تتلون كالحرباء بين لحظة وأخرى، والأسئلة المهمة هنا لما نرتدي تلك الأقنعة ؟.  وما الذي نخفيه بإرتداءها ؟.  ولما نخشى أن تظهر وجوهنا الحقيقية في العلن ؟ .

ذكرت في مقال سابق أن العقل مرآة رمزية للعالم مليئة بالحروف والأرقام فهو يحاول وبشكل حثيث أن يفهم هذا الكون الذي يحمل مثيرات كثيرة ومعقدة ومبعثرة، وأن يجمعها في نسق يحوي رؤيته المعرفية عما يحيط به  وكل ما عليه فعله هو أن يضع المنطق السليم في مكانه السليم على حسب القضية التي يفكر فيها الرمز.

إذن فكرة عقلية تحمل تصوراً ما حتى وأن كنا نحن من نبتدعه بناء على تصورات سابقة – فالعلاقة هنا ديناميكية – كالأفعال غير اللفظية في المجتمع والفنون التشكيلية على سبيل المثال لا الحصر، ففي النهاية يتم التعبير عن الرموز والدلالات التي ترمز إليها بصورة لفظية تعبر عن أفكار تحمل دلالات معينة .

هنا يبرز السؤال هل هناك حقيقة منفصلة عن إدراكنا أم أن الحقيقة هي مجرد رؤيتنا للعالم الذي يحيط بنا، وأنها ليست موجودة من الأساس كما ترى البنيوية وما بعدها والتوجهات العديدة في فترة ما بعد الحداثة.

أعتقد أنه حتى وأن كنا لا نستطيع أن نعي الحقيقة بشكل كامل أو أن ندرك كافة أبعادها في قضية ما لا يعني بأي حال من الأحوال أنها غير موجودة أو أنها غير منفصلة عن أدراكنا، فالكون لا يمكن أن لا يكون نسقاً واحداً – حتى وإن أحتوى على مجموعة من الأنساق النسبية التي يكمل كل منها الآخر – وإلا أختل توازنه وبالتبعية أنهار أو لنقل لم يكن لُيبنى من الأساس وفي هذه الحالة تصبح الحقيقة تساوى العدم .

والأمرهو هو بالنسبة لحياتنا الاجتماعية فلو لم تكن هناك معاير للتمييز بين الصواب والخطأ وبالتبعية قيم ومباديء ثابته لتحول المجتمع إلى مجرد غابة يحكمها الأقوياء، ويفعل كل فرد فيها ما يشاء وكيف شاء وفي الوقت الذي يريده – وأنا هنا أتحدث عن حقيقة القيم والمباديء لا الحياة الاجتماعية المختلة نتيجة للإغتراب عن هذه القيم والمباديء – هذا بالإضافة إلى أنه إن لم يكن هناك حقيقة في الدين والأيدولوجيات – الرؤية الحقيقية للوجود وخالقه – فمن سيعاقب على ماذا أذن في الحياة الآخرة، والعقاب ضروري لإستقامة الحياة على الأرض من الأساس فالمرء يدرك أنه حتى وأن أفلت من عقاب الدنيا فلن يفلت من عقاب الآخرة.

هنا أيضاً تصبح الحقيقة إما أن تكون أو لا تكون وبالتبعية = العدم، وهذا لا يعني أنه ليس هناك ضرورة للتعايش والتعارف بين الأمم المختلفة – حتى وأن كان لأحدهم تصور حقيقي والآخر غير حقيقي عن الحقيقة – وهي قيمة أيضاً تخلينا عنها فدخلنا في دوائر لا متناهية من الصراع، وأن لا يدعي أحد إحتكارها بل كل ما عليه فعله أن يقدم البراهين اللازمة لوصول البشرية إليها. لكن هذا لا يعني أيضاّ أن للحقيقة قلوب عدة فللحقيقة قلب واحد ووجوه عدة توصل إلى ذلك القلب .

فالحقيقة إذن لا يمكن أن تكون نسبية فلا نسبية في المشترك الإنساني، وهي جزء محوري فيه وضروريُ للتمييز بين الصواب والخطأ، الحق والباطل، الوجود والعدم، الخير والشر، ما نحن عليه وما يجب أن نكونه، فالنسبية لا تكون إلا فيما هو مختلف بين البشر كالرغبات والميول والقدرات الخاصة، وبعض المظاهر الثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية المختلفة .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل