المحتوى الرئيسى

روح الغابة اليابانية الغامضة.. عرض لفيلم «The Sea of Trees» - ساسة بوست

01/17 09:07

منذ 1 دقيقة، 17 يناير,2017

يجمع فيلم «The Sea of Trees» ثلاثة أبطال ممن يعتنون باختيار أدوارهم، أولهم «ماثيو ماكونهي» الحائز على جائزة الأوسكار عن دوره كمصاب بمرض نقص المناعة في فيلم «Dallas Buyers Club»، ثم الممثلة الإنجليزية الأصل «نايومي واتس»، التي أدت دور الأميرة الراحلة «ديانا» في فيلم يحمل نفس الاسم عام 2013، وثالثهم الممثل الياباني الأصل «كين واتانابي» المشهور بدوره أمام «توم كروز» في فيلم «The Last Samurai».

والفيلم من للمخرج المقل جدًا في إنتاجه، «جاس فان سانت»، الذي قدم من قبل أفلامًا هامة مثل «Good Will Hunting»، أو الذي كان بمثابة انطلاقة للنجمين «بن أفليك» و

«مات ديمون»، بل ترك أثرًا في الطريقة التي يخرج بها بن أفليك أفلامه الخاصة مثل «The Town».

من أفلام المخرج فان سانت أيضًا، هناك فيلم «Milk» للمثل «شون بين» عن قصة حقيقية لـ«هارفي ميلك» المدافع عن حقوق المثليين، والذي قتل على يد متعصبين ضد المثلية الجنسية.

وحاز كلا الفيلمين على جائزتي أوسكار. وينتظر محبو «فان سانت» أعماله على أحر من جمر لقلتها واستثنائيتها، وهو ما جعل فيلم «The sea of Trees – بحر الأشجار»، محط أنظار الكثيرين منذ أُعلن عن بدء تصويره في منتصف 2014.

وتدور أحداث هذا الفيلم بين الولايات المتحدة واليابان، في قصتين منفصلتين زمنيًا لنفس الأبطال، تدور الكادرات بينهما، لتنقل جزءًا من الوقت الحاضر الذي تقع أحداثه في اليابان، وجزء من الماضي بطريقة «الفلاش باك»، بالتتابع، لتجدل في النهاية قصة متكاملة تتسم بشاعرية وصوفية، وحرفية ممتعة سواء في الكتابة أو الأداء أو الإخراج.

يحكي فيلم «The Sea of Trees» قصة أستاذ الرياضيات «آرثر برينان» (ماكونهي) وزوجته المتخصصة في مجال العقارات «جون برينان» (واتس)، اللذين يمران بأزمة كبرى تهدد زواجهما، فالزوجة مدمنة للكحوليات وبمزاج عصبي، والزوج ترك وظيفته الناجحة ذات الدخل العالي، ليتفرغ لإعداد وكتابة مجموعة من الأبحاث الرياضية، ويقوم بالتدريس لساعات معدودة في المدرسة الثانوية المجاورة.

تتهمه زوجته طول الوقت أنه يعتمد عليها ماديًا ولا يكترث بالمساهمة في أمورهما المعيشية، فيحاول أن يذكرها بهدوء أن تركه لعمله كان بالاتفاق معها منذ البداية، وأن أمورهما المادية تسير على ما يرام، إلا أن إدمان الزوجة، وانشغال بال الزوج الدائم بأبحاثه ومعادلاته، وعدم وجود أطفال في حياتهما، خلق أجواءً متوترة تسيطر على حياتهما، حتى مع وجودهما بين أصدقائها.

يصور فان سانت ببراعة ابتسامات الزوجين العصبية، وأكف أيديهما التي تتعارك تحت مائدة العشاء، ونظرات أصدقائهما المتوترة وهما يراقبان هؤلاء الصديقين الذين توشك حياتهما المشتركة على الانهيار.

ينتقل فان سانت بالمشاهد زمنيًا لما بعد تلك الفترة بسنوات قليلة، حيث نجد آرثر وقد فقد كيلوجرامات من وزنه، وتبدو عيناه أكثر شرودًا. يستقل سيارته إلى المطار حيث يتركها في موقف السيارات دون أن يتكلف عناء سحب مفاتيح السيارة من المقود، يطلب تذكرة إلى اليابان، ذهاب بلا عودة. يسافر دون أي أمتعة أو حقائب، سوى معطف مطر خفيف يرتديه.

بمجرد وصوله إلى اليابان، يتجه فورًا إلى غابة شاسعة تسمى «بحر الأشجار». يتخذ طريقه للتوغل إلى قلب الغابة المليئة بنباتات وأشجار وزهور وصخور وشلالات ونهيرات مياه صغيرة، إلا أنها لا تحتضن أي حيوانات، وفيما يمكن سماع أصوات الطيور من بعيد، لا يمكن في المقابل رؤية أي منها.

يتوقف آرثر ويريح جسده على صخرة قبل أن يخرج علبة دواء تمتلئ عن آخرها بحبوب منومة، ثم يبدأ في ابتلاعها واحدة بعد الأخرى، ومن حين لآخر يرتشف من زجاجة ماء يحملها رشفة صغيرة تعينه على ابتلاع كل قرص. كان من الواضح أن آرثر على وشك الانتحار.

واللغز الكبير الذي يضعنا فان سانت أمامه، ليس فقط التساؤل حول أسباب آرثر في الانتحار هذه اللحظة، ولكن أيضًا «لماذا يتجشّم مشقة عناء السفر الطويل لليابان كي ينتحر؟»، كان بإمكانه القيام بذلك في الولايات المتحدة.

عودة أُخرى إلى الماضي القريب، حيث يقع حادث غير متوقع للزوجين، يتسبب في اقترابهما مرة أخرى من بعضهما، وينسيان فورًا كل المشاكل التي كانت بينهما، لكن ورغم ذلك فإن الحادث لم يكن فأل خير بشكل كامل، إذ يكتشف الزوجان أن جون مصابة بورم سرطاني في المخ، وعليها إجراء جراحة استئصال قد تعرضها للموت.

عودة إلى الغابة اليابانية، حيث يفاجأ آرثر بشخص قادم من بعيد، يبدو تائهًا ومتعبًا، ويصدر أصواتًا كالنحيب. يتوقف آرثر عن ابتلاع الأقراص، ويضع علبة الحبوب وزجاجة المياه الصغيرة في جيوب معطفه، ويتجه فورًا إلى الرجل الياباني، الذي يبدو أنه في العقد الخامس من عمره، وتظهر عليه علامات الإعياء، وتملأ الجروح وجهه ويديه، وتلطخ الدماء سترته، وتظهر آثار جروح قطعية في مواضع جريان شرايينه.

كان الرجل يتمتم بكلمات ذاهلة، ويرتعش بردًا، ليخلع آرثر معطفه ويدثر به الرجل، ويسقيه من الماء الذي يحمله، ناسيًا خطته للانتحار، ولا يُفكر سوى في إنقاذ النفس التي كانت بين يديه.

بعد أن يرتاح الرجل قليلًا، يحاول آرثر إرشاده إلى طريق الخروج من الغابة والعودة إلى الطريق الرئيسي، لكن آرثر يكتشف أنهما قد تاها في الغابة ولا يستطيعان الخروج.

تبدأ رحلة من التيه تجمع آرثر مع الياباني «تاكومي» (كين واتانابي) في خضم الغابة الشاسعة، يصادفان فيها أمور غريبة، بين جثث لرجال ونساء متوفين، بعضها مشنوق، وبعضها ملقى على الأرض، وآخرون نائمون في سلام داخل خيام صغيرة.

يصادفان أيضًا زهور أوركيد يانعة، تنمو من قلب جلاميد الصخر. يتعثر آرثر ويسقط من فوق صخور جبلية قاسية، فيصاب بجروح خطيرة، ووسط الرياح الشديدة والبرد القارس والأمطار التي لا تتوقف عن الهطول، لا يقوى تاكومي على الحركة، ويبدو وكأن لا أمل لهما في النجاة.

يعود بنا الفيلم مرة أُخرى إلى آثار الحادثة التي تعرض لها الزوجان، فقبل أن تجري جون عملية استئصال الورم، تطلب من آرثر: «إذا كنت تعلم أنك ستموت، فاختر أجمل مكان في العالم لتموت فيه، لا تمت مثلي في منزل كئيب أو في حجرة عمليات بمستشفى. عدني أن تفعل ذلك».

نعرف أن الغابة التي تاه فيها آرثر مع تاكومي هي غابة «أوكيجاهارا»، وهي غابة حقيقية إلى جوار جبل «فوجي» الشهير، ويقصدها عشرات اليابانيين سنويًا للانتحار.

ولأنها شاسعة ويصعب مراقبة كل جزء فيها، فلا يُعثر غالبًا على جثث المنتحرين، إلا نادرًا، أما الحيوانات والطيور فتتوارى لتترك هؤلاء يرقدون في سلام. بينما تخفيهم الأشجار الكثيفة والممتدة.

Comments

عاجل