المحتوى الرئيسى

الكهرباء في غزة تائهة بين الفصائل.. فمن المسؤول عن إفشال المبادرات الثماني لحل أزمتها؟

01/17 02:41

وصلت مشكلة الكهرباء في غزة، المستمرة منذ 10 سنوات، إلى وضع حرج؛ حيث بات سكان القطاع المحاصر يعيشون أغلب اليوم دون تيار، الأمر الذي فجر احتجاجات نادرة من نوعها في القطاع الذي تحكمه حركة حماس.

ورغم إعلان أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أنه سيتحمل كلفة توفير الكهرباء لقطاع غزة بشكل عاجل لمدة 3 أشهر، فإن هذا لا يعني انتهاء الأزمة نهائياً، خاصة أن هناك مبادرات قطرية وتركية سابقة تم إفشالها.

ففي الأيام الأخيرة، أصبحت ساعات وجود التيار الكهربائي تقارب الـ4 ساعات متقطعة مقابل 20 ساعة قطع متواصلة.

اشتداد أزمة قطع التيار الكهربائي أثار غضب المواطنين، ودفعهم للخروج عبر مسيرات سلمية لأول مرة في مختلف أنحاء القطاع؛ للمناداة بحقهم المشروع في الطاقم الكهربائية، دون أن يحملوا شعارات أو أعلام الفصائل، فجميعهم توحدوا حول مطلب "الكهرباء"، لكن الأمر انتهى بوقوع اشتباكات مع الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس أدت إلى اعتقال عدد من الشبان.

ومنذ بداية الأزمة، سعى الغزيون للبحث عن بدائل لإنارة منازلهم، ما أنهك جيوبهم فدفعوا ما يزيد على مليار ونصف المليار دولار طيلة الـ10 سنوات لتوفير الطاقة البديلة للكهرباء، رغم أن المبلغ ذاته كفيل لبناء 5 محطات توليد كهرباء، بحسب الغرفة التجارية في القطاع.

كما أن انقطاع التيار الكهربائي أوقع العشرات من الحرائق داخل البيوت الغزية فراح ضحيتها عائلات بأكملها؛ نتيجة استخدام بديل كهربائي "كالشموع والمولدات الكهربائية المنزلية"، دون تحرك من أي جهة حكومية أو فصائلية، حيث اكتفوا بالاستنكار وتراشق الاتهامات.

على بوابة مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وقف أحمد سليم (24 عاماً) بصحبة شقيقه متذمراً، فقد حرص على القدوم باكراً رغم البرد القارس، إلا أنه عاد "بخفي حنين" حينما أخبره الممرض في قسم الكلى بأنه لا يوجد له "غسل كلى" اليوم بعدما كان مقرراً له ذلك وفق طبيبه، لكن إمكانات القسم لن تسمح له بسبب عدم توافر الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية المخصصة للقسم.

يقول سليم لـ"هافينغتون بوست عربي"، إنها المرة الثانية التي لم يتمكن فيها من غسل كليته طيلة الأسبوع بسبب انقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي يجعله يلجأ إلى الأدوية حتى يأتيه الدور.

ويضيف: "لست وحدي، فهناك العشرات الذين يأتون من مناطق بعيدة لغسل الكلى أو العلاج في أي قسم بالمستشفى، لكن نظراً لعدم توافر الوقود لتشغيل المولدات الضخمة نعود إلى بيوتنا ونحن نتأوه ألماً"، مشيراً إلى أنه يخشى الموت كالعشرات الذين سبقوه نتيجة تعطل الأجهزة الطبية بسبب انقطاع التيار بشكل متكرر".

وفي صورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعكس حال المرأة الغزية خلال انقطاع التيار الكهربائي، تجلس السيدة منيرة منصور مقابل ابنها عبد الرحمن في الصف الرابع الابتدائي ، وهو يضع على رأسه كشاف إضاءة صغيراً لينير كتابه المدرسي خلال شرح والدته له مسائل الرياضيات.

تحدثت "هافينغتون بوست عربي" مع السيدة منصور لتحكي عن معاناتها اليومية التي تشبه ربات البيوت كافة، فقالت: " أستغل موعد وصول الكهرباء لتدريس أبنائي، كما أحاول إنجاز أكبر قدر من المنهاج الدراسي في وضح النهار وأكمل ما تبقى لهم عند عودة التيار".

وتضيف: "غالباً ما يتحول ليلي إلى النهار حينما يعود التيار الكهربائي؛ إذ أضطر إلى الاستيقاظ؛ لإنجاز ما فاتني وقت انقطاع التيار".

الجدير بالذكر أن محطة الطاقة الرئيسية تزود قطاع غرة بنحو 65 ميغاوات، أي ثلث حاجته الكلية من الكهرباء فقط، في حين أن القطاع يحصل على 120 ميغاوات من الكهرباء من "إسرائيل" ، و28 ميغاوات من مصر بشكل يومي، وتصل حاجة سكان القطاع، البالغ عددهم مليونا نسمة، من 280 إلى 320 ميغاوات، بحسب إحصائية لسلطة الطاقة في غزة (أي إن هناك عجزاً يتراوح بين 67 إلى 107 ميغاوات).

تواصلت "هافينغتون بوست عربي" مع طارق لبد، الناطق الإعلامي باسم شركة الكهرباء؛ للحديث عن سبب الأزمة الأخيرة، حيث ذكر أن هناك مجموعة أسباب أدت إلى المشكلة؛ منها أن الطاقة التي تصل لقطاع غزة أصبحت لا تتجاوز 25% من احتياجات المواطن في الشتاء، حيث إن نسبة الأحمال التي يحتاجها القطاع تصل إلى 550 ميغاوات ، والمتاح 200 ميغاوات حينما تكون كل الخطوط تعمل بشكل جيد.

ولفت لبد إلى أن نسبة الأحمال المرتفعة هذه بسبب التعديات والسرقات من قِبل غير الملتزمين في الدفع، فهم الأكثر استخداماً للأجهزة الكهربائية طيلة العام فيصل استهلاكهم إلى 3 أضعاف الملتزمين، موضحاً في الوقت ذاته أن من أسباب الأزمة أيضاً في فصل الشتاء، ارتفاع نسبة كمية الأحمال التي تؤدي إلى انقطاع مستمر للخطوط المغذية للكهرباء من المصادر سواء الخطوط المصرية أو الإسرائيلية أو المحطة في غزة، فضلاً عن تعطل المحولات بشكل مستمر.

وأشار إلى أن هناك محولات حُرقت أيام المنخفضات الجوية؛ بسبب كمية الأحمال الكبيرة الموجودة عليها، ولا يوجد معدات كافية للصيانة بسبب عرقلة الاحتلال الإسرائيلي لإدخالها إلى شركة التوزيع، موضحاً أن شركته تعمل على إصلاح المحولات بأبسط الإمكانات المتاحة.

ومن حين لآخر، تُطرح مقترحات لحل أزمة الكهرباء، فمؤخراً تحدثت السلطة في رام الله عن إيجاد حلول لإنهاء تلك الأزمة، لكن لم يُنفذ شيء على أرض الواقع.

وحول ذلك، يعلق لبد بالقول: "نتمنى تنفيذ الحلول الاستراتيجية لحل الأزمة؛ لأنها تتفاقم كل عام؛ لكون الاحتياجات والاشتراكات تزيد بالتناسب مع عدد السكان، بينما المتاح من الكهرباء لا يكفي الجميع".

وكانت صحيفة "الرسالة"، التابعة لحركة حماس، قد قالت إن الرئيس محمود عباس رفض 8 مخططات استراتيجية لحل أزمة الكهرباء؛ الأول: وهو خطة الربط الثماني مع مصر والدول العربية الذي يوفر 400 ميغاوات"، وهي كل احتياجات غزة، والثاني: إمداد محطة توليد الكهرباء بخط غاز بدلاً من السولار وتعهدت حينها قطر بدفع 25 مليون دولار لإنشائه، حيث سيزيد قدرة المحطة لـ400 ميغاوات ويقل 3 مرات عن سعر السولار.

وأضافت الصحيفة أن عباس عرقل أيضاً مشروع ربط غزة بخط 161، وهو خط كهرباء قديم كانت تغذى به المستوطنات الإسرائيلية، وبإمكانه مد القطاع بـ100 ميغاوات، رغم وجود تعهد قطري بدفع 3 أشهر مقدماً ثمن الاستهلاك.

أما المشروع الرابع، حسب المصدر نفسه، فهو رفض مشروع سفينة الكهرباء التركية التي تزود غزة 400 ميغاوات، وبالإضافة لمقترح خامس تمثل في جهود تركية لإعادة ترميم محطة التوليد وشبكة الكهرباء.

والسادس: رفض مقترح من البنك الإسلامي بتمويل إنشاء شبكة كهرباء بقيمة 100 مليون دولار، والسابع: رفض مشروع إماراتي بتمويل وإنشاء محطة تزويد القطاع بـ500 ميغاوات، والثامن: رفض مشروع قطري بإنشاء محطة تعمل على الطاقة الشمسية في سيناء أو داخل الأراضي المحتلة.

وحاولت "هافينغتون بوست عربي" التواصل مع عدد من وزراء حكومة الوفاق، مثل مأمون أبو شهلا ومفيد الحساينة، لسؤالهم عن هذا الموضوع، لكنها لم تتلقَّ أي رد منهما.

ووسط التراشقات الإعلامية بين طرفي الانقسام، "فتح وحماس"، يتأكد للمواطنين الفلسطينيين أن أزمة الكهرباء سياسية بامتياز، حيث تتنصل حكومة الوفاق الوطني التي شُكلت 2014 بعد اتفاق الشاطئ بين حركتي فتح وحماس من التزاماتها تجاه قطاع غزة، كما أنها تفرض ضريبة تعرف بـ"ضريبة البلو" على السولار الخاص بالمحطة بقيمة 40 مليون دولار شهرياً.

ويقول وزير المالية، شكري بشارة في بيان صحفي، أن مجموع تكلفة الطاقة التي تؤمنها حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية لقطاع غزة، بلغ مليار دولار سنوياً، لافتاً إلى أن هذا المبلغ يساوي أكثر من 30% من العجز في الموازنة العامة.

ولفت وزير المالية إلى أن الحكومة تدفع كامل ثمن التكلفة الإنتاجية والتشغيلية لمولد الطاقة بمبلغ 8 ملايين شيكل شهرياً، أي نحو 100 مليون شيكل سنوياً، حيث إنها تدفع كامل ثمن كهرباء غزة، والتي يتم توريدها من مصر، والتي يتم خصمها من مخصصات الحكومة لدى جامعة الدول العربية والتي تبلغ 72 مليون شيكل سنوياً.

وأشار شكري إلى أن حكومة الوفاق الوطني تتحمل مسؤولية تأمين السيولة والتمويل لتوفير الوقود لمحطة توليد كهرباء غزة بإعفائها من الضرائب، بما يقدر ما بين 17-20 مليون شيكل شهرياً، موضحاً أن الحكومة تعمل على تسديد كامل تكلفة التطوير والصيانة لشبكة الكهرباء في قطاع غزة، والتي تم إنجازها في عام 2016 بما يقارب 91 مليون شيكل.

ومنذ بداية الأزمة، زعم الكثير من المختصين في الشأن الاقتصادي أنهم كشفوا الفساد في ملف الكهرباء. وفي هذا السياق، كشف قال الاقتصادي عمر شعبان إن إيقاف العقد مع محطة توليد الكهرباء سيوفر 2 مليون دولار شهرياً، وهي كفيلة بحل أزمة الكهرباء، حسب قوله.

وأوضح شعبان في منشور عبر صفحته على فيسبوك، أن "تكلفة الكيلووات المشتراة من محطة التوليد 3 أضعاف تكلفة شرائه من إسرائيل، وإيقاف العقد سيوفر 2 مليون دولار شهرياً، وسيخفض فاتورة الكهرباء 30%".

وأشار إلى أن مدة العقد 20 عاماً تنتهي عام 2020، وقد استردت الشركة المالكة للمحطة، وهي الشركة الفلسطينية للكهرباء (شركة تأسست بدعم من السلطة الفلسطينية وبرأسمال مدفوع من الجمهور الفلسطيني وقرض من البنك العربي)، ثمنها عدة مرات، وتحقق أرباحاً سنوية بمعدل 10 ملايين دولار، وفقاً لشعبان.

كان أمير قطر، قد دعا بعد إعلانه تحمّل تكلفة الكهرباء بالقطاع لمدة 3 أشهر إلى تعاون دولي، لدراسة هذه المشكلة، وتقديم مقترحات لحلها بصورة جذرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل