المحتوى الرئيسى

الجدوى الاقتصادية لتكريك بحيرة ناصر

01/16 22:40

طالعتنا الصحف المصرية يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2016 بتكليف السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإعداد دراسة حول تكريك بحيرة ناصر لزيادة عمقها؛ بهدف تقليل الفاقد المائى بسبب البخر، فضلا عن الاستفادة من الطمى الناتج عن عملية التكريك فى استصلاح الأراضى المجاورة.

من الناحية العلمية فإن إنشاء السد العالى جنوب مصر أدى إلى تكون بحيرة ناصر التى بها مخزون الأمن المائى المصرى والذى تقدر أقصى سعة تخزينية بقرابة 168 مليار متر مكعب عند امتلاء البحيرة عند أقصى منسوب وهو 182.60 مقاسا من سطح البحر. وتنقسم هذه السعة إلى قسمين أساسيين: الأول ما يسمى بالتخزين الحى والذى يشمل أيضا تخزين الطوارئ ويمكن استخدامه أو تصريف مياهه من خلال فتحات جسم السد الموجودة على منسوب 147,00 متر وتبلغ هذه السعة حوالى 138 مليار متر مكعب. بينما الجزء الآخر المقدر بحوالى 30 مليار متر مكعب تصنف هندسيا بأنها «تخزين ميت» أى لا يمكن نقلها من خلال فتحات السد حيث تقع هذه الكمية أسفل منسوب فتحات جسم السد.

لا شك أن السد العالى كان له تأثير إيجابى مباشر على نمو الاقتصاد المصرى فى العقود الخمسة الأخيرة من حيث الحماية من الفيضان، وقاية مصر من أخطار الجفاف، التوسع الرأسى والأفقى فى الأراضى الزراعية، وتوليد الطاقة الكهرومائية. لكن على صعيد آخر كان له عدة آثار سلبية متمثلة فى محورين أساسيين شملهم تكليف السيد الرئيس للهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتقليل حدة هذين الأثرين السلبيين؛ أولهما أن السد العالى قام بحجز كميات الطمى أمامه وتقدر بحوالى 200 مليون متر مكعب سنويا. الثانى هو فواقد البخر التى لا تقل عن 10 مليارات متر مكعب سنويا وفق تقديرات اتفاقية 1959 مع الشقيقة السودان وهى ناجمة عن تكون مسطح مائى مكشوف يصل إلى 6000 كم مربع عند أقصى منسوب، وباعتبار معدل البخر بهذه المنطقة فى حدود 3000 مم/العام فإن كمية فواقد البخر قد تصل إلى قرابة 18 مليار متر مكعب سنويا فى حالة امتلاء البحيرة.

بحيرة ناصر تمتد إلى حوالى 500 كم طولى منهم 350 كم داخل الحدود المصرية و150 كم داخل الأراضى السودانية. وعلى مدار العقود الخمسة السابقة بلغت كمية الرواسب فى البحيرة حوالى 7 مليارات متر مكعب. ما لا يقل عن 90% من هذه الكمية تقع داخل الأراضى السودانية بينما أغلب الكمية المتبقية تقع فى أقصى جنوب الأراضى المصرية على مسافة لا تقل عن 250 كم من موقع السد العالى. وجميع كميات الرواسب داخل الأراضى المصرية تقع أسفل منسوب تشغيل السد العالى الأدنى (منسوب الـ 147,00 متر)؛ بمعنى أن أى من عمليات التكريك داخل الأراضى المصرية لن تزيد على أى كمية من كميات التخزين الحى ببحيرة ناصر، ولن تقلل فى نفس الوقت من معدلات البخر حيث إن مسطح البحيرة لن يتأثر، بالإضافة إلى أن عمق المياه يصل إلى 70 مترا مما يجعل تكلفة تكريك المتر المكعب الواحد تصل إلى أضعاف تكلفة تكريك قناة السويس الجديدة؛ حيث كان أقصى عمق فى حدود 25 مترا. ويجب فى هذا الإطار أن تشمل دراسات الهيئة الهندسية كميات الطمى الموجودة داخل الأراضى المصرية والتى منسوبها أعلى من منسوب تشغيل السد العالى الأدنى والتى بناء على الدراسات والقياسات العلمية المتاحة حاليا لا تتخطى 60 مليون متر مكعب.

البديل الأول المتاح لتطبيق الفكرة هو عمل مشروع التكريك داخل الأراضى السودانية وقد يمثل هذا المشروع جدوى اقتصادية ملموسة ويمثل تكاملًا مصريًا ــ سودانيًا حقيقيًا لصالح شعبى وادى النيل، ويلزم هنا الاتفاق والتفاهم مع أشقائنا السودانيين. أما البديل الثانى المتاح للتطبيق فهو ردم «أخوار» بحيرة ناصر سواء من ناتج التكريك أو من ردم خارج البحيرة ــ والمقصود بمصطلح أخوار هو المسطحات المائية بالبحيرة التى يقل عمق المياه بها عن 8 أمتار أو منسوبها أعلى من منسوب الـ 175.00 مترــ وقد يؤدى هذا البديل إلى تقليل مسطح البحيرة بنسبة 20% كحد أقصى وبالتالى تقليل فواقد البخر بهذه النسبة. لكن يعيب هذا البديل أن مكعبات الردم ستتخطى 12 مليار متر مكعب مما يمثل تكلفة مادية باهظة إضافة إلى تقليل سعة التخزين الحية للبحيرة بهذا المقدار.

أما أفضل البدائل من وجهه نظرى هو عمل سدود ركامية عند مداخل الأخوار بهدف تقليل مسطح البحيرة بأقل تكلفة ممكنة، ومنها تقليل معدل البخر من مسطح البحيرة، وهذا البديل يتميز بجدوى اقتصادية مرتفعة مقارنة بالبديل الثانى إضافة إلى أنه يمكن معه زيادة الضاغط الهيدروليكى على توربينات السد العالى بنفس حجم المياه المخزنة وبالتالى زيادة معدلات توليد الطاقة الكهرومائية من محطة توليد السد العالى الكهرومائية. لكن يعيب هذا البديل أيضا أنه مثل البديل الثانى سوف يقلل من السعة الحية للبحيرة والتى يمكن عمل بوابات فى السدود الركامية عند مداخل الأخوار لزيادة سعة البحيرة فى حالات الطوارئ فقط، وسينجم عن هذا البديل مساحة من الأراضى تقدر بحوالى 300 ألف فدان خلف السدود الركامية يسهل ريها بالراحة حال امتلاء البحيرة بالمياه، ولكن استصلاح أراضٍ فى هذه المنطقة قد يكون له تأثير سلبى على نوعية مياه بحيرة ناصر ناتجة عن صرف الأراضى الزراعية ووجود تجمعات سكانية على حدود البحيرة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل